مقالات

معضلة ” الآخَر”/علاء بشير

القاضي الدكتور علاء بشير:
نعيش في عالمنا العربي مُعضلة فكرية حقيقية تكاد تتصف بالآفة أو تصل الى حد الوباء المستشري. معضلةُ غير معلومة النشأة وما اذا كانت تعود الى سوء تربية او نقص تعليم، أو ما إذا كان مصدرها الجهل او الفقر او حتى الدين .. مع الأخذ بعين الإعتبار القياس مع الفارق.
تكمن هذ المعضلة في النظرة الى فِكر الآخر وكيفية التعامل معه، لا بل وبالنظرة الى من هو هذا الآخر قبل سماع عقله أو الاطلاع على توجهاته الفكرية.
فالآخر هو حتماً هذا المختلِف المتخلِّف، الجاهل، السطحي التفكير، الشاذ عن القاعدة، المنبوذ… وكل ذلك لمجرّد أنه لا يوافقنا الرأي في مسألة معينة او حتى لإختلاف نظرته حول أمرٍ ما.
وما يؤسف في هذه المعضلة، أنه يشترك بها أشباه الأميين و أنصاف المثقفين و ” ذوي نصف المعرفة” و حتى بعض ” مكتملي الثقافة” أو الّذين يعتبرون هم أنفسهم كذلك!!!
ومن مظاهر هذه المعضلة – الوباء هو أن من يعاني منها لا يسمع الآخر.. وطالما انه لم يسمع، ولن يسمع.. وبالتالي فهو حتماً لن يفهم. فضلاً عن أنه ما إن دخلت معه في حوار فكري، إستدرجك هو إليه، لا يناقشك إطلاقاً، أُكرّر إطلاقاً، في مضمون ما تقولُه بل ينتقل فوراً إلى مناقشة شخصك وما انت عليه كما يراك هو، فيبدأ بكيل النعوت والصفات عليك التي تصل إلى حد التجريح والذم، وكل ذلك فقط لأن نظرتك مختلفة.
ومن عوارض هذا الوباء أيضاً، أن من يعاني منه لا يؤمن بوجهة نظر مختلفة، فما يراه هو دائماً الصواب والحقيقة المطلقة التي لا تقبل النقاش، وما تراه أنت لا يرتقي حتى لمرتبة الرأي، بل لا يعدو كونه مجرد سفسطة كلامية.
كما أنه يعطي لنفسه حقوقاً يمنعها عليك، ويحتكر لنفسه تحديد ما هو ” المنطق” وكأن أرسطو هو أحد خريجي مدرسته، وابن خلدون تلميذه الفاشل.
وما يراه هو يشكّل القواعد الاساسية لعلم المنطق فيدّعي دراسة وتحليل الدلائل والبراهين التي تخص فكرة ما، بغرض التوصل إلى نتيجة تثبت صحة هذه الفكرة أو خطئها، وهو على إستعداد لقلب الحقائق وتغيير القواعد العلمية والوجودية، وأحياناً اللغوية، واستبدال المعايير ودحض المبادئ فقط لأجل الوصول الى النتيجة التي يريد الوصول اليها ضارباً عرض الحائط كل ما قد يخالف هذه النتيجة أو يعيق الوصول اليها، كل ذلك طبعاً دون اي تحليل او بناء علمي استند عليه بما قرر مسبقاً الوصول اليه كنتيجة.
وفضلاً عن أنّه قرّر مسبقاً الوصول الى نتيجة معينة مستبقاً اي تحليل علمي قد يوصله اليها او لا، وهذا ما يخالف طبعاً أبسط القواعد العلمية، فإنه وبالعودة الى” الآخر ” فقد اتخذ ايضا قراراً مسبقاً، وحتى قبل سماعه احياناً، بعدم الإقتناع بما سيقوله هذا الآخر، حتى ولو كان مبنياً على مجرد معلومات وحقائق معلومة من الكافة وواضحة وضوح الشمس في كبِد السماء.
هذا الموبوء هو من يحدد ما هو المنطق، رأيه حقيقة مطلقة ورأيك لا قيمة له فهو لم يسمعه أصلاً، هو الوحيد الذي يعطي التفسير الصحيح لظاهرة معينة او حتى لمجرد ” تعبير لغوي” معين، وتفسير الآخر هو دائماً خاطىء، علماً ان مجرّد كلمة ” تفسير” تُفيد الغموض وتستدعي حتماً وحكماً تعدد التفاسير!!
خلاصة القول، متى سيعلم المصاب بهذا الوباء انه هو أيضاً ” آخَر” بالنسبة للآخر، فماذا لو تعامل معه بالطريقة عينها، فرفض رأيه وعقله وحتى وجوده!!
إسمع يا “آخَر” .. لو نلتَ شهادات العالم أجمع.. ستبقى جاهلاً حتى تتقبّل ” الآخر” وليس أي آخر بل ” الآخر المختلف” .
“محكمة” – الخميس في 2024/6/6

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!