معلومات خاصة بـ”محكمة”: مشروع العفو العام يفقد نصابه السياسي/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لم يوفّق السياسيون في تذليل خلافاتهم للوصول إلى قانون عفو عام نوعي يلبّي طموحاتهم الإنتخابية والشعبوية ويزيد من رصيدهم السياسي ولدى بعض الرأي العام المتعطّش لإصدار سجّل عدلي جديد يحمل دمغة “لا حكم عليه”، وذلك بعدما فشلت الجلسات السرّية في ما بينهم مباشرة وعبر وسطائهم وممثّليهم في تقريب وجهات النظر المتفاوتة بشأن نوعية الجرائم التي يمكن أن يطاولها هذا العفو، فأسدلت الستارة على هذا المشروع قبل فترة زمنية لا بأس بها من موعد الإنتخابات النيابية المقرّرة في 6 أيّار 2018.
وبحسب المعلومات الخاصة بـ“محكمة”، فإنّ هناك مشروعي قانون عفو عام، أو بالأحرى مسودّتين، طرّز الأوّلى وزير العدل سليم جريصاتي ممثّلاً فريقه السياسي وكون العهد الرئاسي معنياً بشكل أساسي بكيفية صدور مثل هذا القانون خلال ولايته الممتدة على ستّ سنوات، وأعدّ الثانية القاضي هاني حلمي الحجّار بطلب من رئيس الحكومة سعد الدين الحريري، وهما متقاربتان إلى حدّ كبير في الشكل والمضمون، ويفترقان في بعض السطور، وهي مربض الفرس الخلافي.
وما سرّب إلى الإعلام وجرى التداول به على مواقع التواصل الإجتماعي هو مشروع القاضي الحجّار، وليس الوزير جريصاتي الذي بدا ممتعضاً من هذا التصرّف، ولذلك بادر إلى التغريد على حسابه الشخصي على موقع “تويتر” يوم الجمعة الواقع فيه 16 آذار 2018، قائلاً:”إنّ ما يتداوله الإعلام بموضوع العفو العام يعني الإعلام ومصادره فقط، ولا يعني وزارة العدل التي لا تملك الإفصاح عن مضمون أيّ مشروع قانون عفو عام تضعه أو التوقيت”!.
وفيما يستحيل على فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القبول بالعفو عن قتلة ضبّاط ورتباء المؤسّسات العسكرية والأمنية وفي مقدّمتها الجيش اللبناني الذي كان هو نفسه قائداً له، والسماح بخروج كلّ من توهّم أنّ لديه القدرة على النيل من هيبة الدولة ومكانتها، يسعى الفريق الثاني إلى استرضاء أهالي “الموقوفين الإسلاميين” المنتشرين في بيئته السياسية، ولكنّه لا يرضى أيضاً بإخراج المعتدين على الجيش اللبناني ولا يمكنه أن يتحمّل وزر هذا الإخراج، خصوصاً وأنّ ما حصل في العام 2005 لجهة العفو عن الموقوفين بقضيّة “جرد الضنية” واستهداف المطاعم ذات الأسماء الأجنبية أو المعروفين بـ”موقوفي مجدل عنجر” غير قابل للتحقّق الآن بسبب اختلاف الوضع السياسي برمّته في لبنان.
أمّا رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فيواجه ضغطاً شعبياً طفيفاً لا يعتدّ به، ولا يقاس بما يتعرّض له الرئيس الحريري، لأنه لا يوجد لديه إحراج بشأن العفو عن “الخارجين على القانون” في بلاد بعلبك – الهرمل باستثناء تجّار المخدّرات منهم، والذين لا يراهنون على حدوث تغيير كبير في حياتهم سواء نالوا عفواً عاماً أو ظلّوا ملاحقين قضائياً، فهم حيث هم يمارسون طقوسهم اليومية وحياتهم بشكل اعتيادي، علماً أنّ تجّار المخدّرات وبحسب الأحكام القضائية والتقارير الأمنية الرسمية، ليسوا محصورين فقط بمحافظة بعلبك – الهرمل، بل ينتشرون في غير منطقة لبنانية، وينتمون إلى غير طائفة ومذهب.
وتشير مصادر سياسية متابعة في حديث مع “محكمة”، إلى أنّه إذا ما ظلّ كلّ فريق سياسي متشبّثاً بموقفه ورؤيته ووجهة نظره، فإنّ الآمال بإمكانية صدور قانون عفو عام قبل موعد الإنتخابات النيابية تتضاءل تدريجياً حتّى تذوب نهائياً.
وبخلاف التفسيرات الخاطئة التي شاعت على شاشات التلفزيونات من سياسيين غير مختصين في القانون، خلال الحديث عن قانون العفو العام، من أنّ المشمولين بالعفو في حال تحقّقه لا يمكنهم المشاركة في الإنتخابات النيابية في 6 أيّار 2018، وعليهم الإنتظار خمس سنوات لاستعادة حقوقهم المدنية، فإنّ الحقيقة القانونية تقول إنّ العفو العام يزيل الصفة الجرمية عن الفعل كأنّه لم يكن بكلّ ما فيه من آثار جزائية باستثناء الآثار المدنية المتمثّلة بالإلزامات المدنية وتحديداً المالية، وهذا ما حصل في قانون العفو العام الصادر في العام 2005 حيث بقي المجلس العدلي يحاكم “موقوفي الضنية” في الشقّ المالي للمدعين بعد سقوط مفعول الصفة الجرمية للفعل المنسوب إليهم، وبالتالي، فإنّه يحقّ لكلّ من طاله العفو العام أن يستعيد حقوقه المدنية ويشارك في الإقتراع والتصويت في الإنتخابات النيابية.
وهذا ما أوضحته المادة 150 من قانون العقوبات التي قالت بصدور العفو العام عن السلطة الإشتراعية أيّ بموجب قانون عن المجلس النيابي، ويسقط كلّ عقوبة أصلية كانت أو فرعية أو إضافية.
أمّا العفو الخاص فمحصورٌ صدوره عن رئيس الدولة بعد استطلاع رأي لجنة العفو بحسب مضمون المادة 152 من قانون العقوبات، وهو يعدّل العقوبة أو يزيلها كلّياً دون أن يلغي الصفة الجرمية.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 28 – نيسان 2018 – السنة الثالثة)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.