مفهوم إذن الملاحقة وإذن التوكّل/ناضر كسبار
بقلم النقيب ناضر كسبار:
من خلال تجربتي في مجلس نقابة المحامين في بيروت في ثلاث ولايات*، إكتشفت أنّ هناك نقصاً كبيراً في المعلومات حول ما يسمّى إذن التوكّل، وإذن الملاحقة، والخلط بينهما، ولذلك سوف أحاول شرح مفهوم هذين الإذنين بشكل مبسّط.
تنصّ المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنّه باستثناء الجرم المشهود، لا يستجوب محام عن جريمة منسوبة إليه قبل إبلاغ النقيب الذي له حضور الاستجواب بنفسه، أو بواسطة من ينتدبه من أعضاء مجلس النقابة.
لا يجوز ملاحقة محام لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها، إلاّ بقرار من مجلس النقابة يأذن بالملاحقة، ومجلس النقابة يقدّر ما إذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة أو بمعرضها، وذلك خلال مهلة شهر، وإلاّ يعتبر الإذن واقعاً ضمناً. ويقبل قرار مجلس النقابة الاستئناف أمام محكمة الاستئناف النقابية التي تضمّ عضوين من مجلس النقابة، بالإضافة إلى رئيسها والمستشارين.
أمّا المادة 94 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، فتنصّ على إذن التوكّل من محام ضدّ محام آخر.
وبالتالي، فإنّ المادة 79 ق.ت.م. تتعلّق بإذن الملاحقة، في حين أنّ المادة 94 ق.ت.م. تتعلّق بإذن التوكّل، فما هو الفرق بينهما؟.
أولّاً: إنّ إذن الملاحقة يتعلّق بشكوى جزائية يكون المدعي فيها إمّا الحقّ العام، أو صاحب علاقة، وقد يكون المحامي مدعياً شخصياً وذلك ضدّ محام. تحيل النيابة العامة الشكوى أمام نقابة المحامين لاتخاذ القرار المناسب، مع الملاحظة هنا أنّه في السابق كانت تعتبر الإحالة من قبل القاضي المنفرد الجزائي الذي كان يجمع في الدعاوى الداخلة في صلاحيته، بين وظائف قاضي الحكم وقاضي النيابة طبقاً لنصّ المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. وقد عدّلت هذه المادة ولم تعد موجودة، وبالتالي باتت الإحالة أمام نقابة المحامين محصورة بالنيابة العامة فقط دون سواها.
عندما تصل الشكوى إلى النقابة، يحيلها نقيب المحامين إلى مفوّض قصر العدل، وهو في الوقت عينه عضو مجلس نقابة، فيستمع إلى المحامي المدعى عليه، ويعرض تقريره أمام مجلس النقابة الذي يناقش الموضوع ويتخذ قراره بالتصويت على الشكل التالي:
– إمّا يعتبر أنّ الأفعال المنسوبة إلى المحامي غير ناشئة عن المهنة ولا بمعرضها.
– أو يعتبر الأفعال ناشئة عن ممارسة المهنة، ويقرّر إعطاء الإذن بالملاحقة، أو عدم إعطاء الإذن بالملاحقة.
– أو يعتبر الأفعال بمعرض ممارسة المهنة، وإعطاء الإذن أو عدم إعطاء الإذن.
هذا القرار يجب أن يتخذّ خلال مهلة شهر من تاريخ تبليغ النقابة، وإلاّ في حال عدم البتّ به خلال المهلة المذكورة، يعتبر الإذن معطى ضمنياً.
وهذا القرار قابلٌ للاستئناف أمام محكمة الاستئناف الناظرة في الدعاوى النقابية التي تضمّ الرئيس والمستشارين وعضوين من مجلس نقابة المحامين، وهو لا يقبل التمييز.
ثانياً: أمّا إذن التوكّل، فيتعلّق بمثول محام ضدّ زميله المحامي في دعوى، وعليه الاستحصال على إذن من نقيب المحامين للتوكّل ضدّ زميله. وقد توسّع تفسير نصّ هذه المادة بحيث يتوجّب على المحامي الذي يرغب في توجيه إنذار إلى زميله، أن يستحصل على إذن من نقيب المحامين.
أمّا الآلية، فتتلخّص بما يأتي:
يتقدّم المحامي بطلب من نقيب المحامين للتوكّل ضدّ زميله سواء أكان يرغب في تقديم دعوى شخصية ضدّه، أو بالتوكّل عن شخص آخر. وللنقيب أن يعطي الإذن، أو يرفضه. وفي حال لم يبتّ بالأمر خلال شهر، يعتبر الإذن معطى ضمناً. ويقبل القرار الاعتراض أمام مجلس النقابة خلال مهلة عشرة أيّام من تاريخ تبلّغ القرار الصريح، أو من تاريخ صدور القرار الضمني. وعلى مجلس النقابة البتّ بالاعتراض في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ ورود الاعتراض. وهذا القرار يقبل الاستئناف أمام محكمة الاستئناف النقابية.
هذه لمحة سريعة حول مفهوم هذين الاذنين، وعلى أمل إجراء دراسة قانونية مفصّلة ومعمّقة مع الآراء الفقهية والاجتهادات في هذا الخصوص.
* نشر هذا المقال في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة”، قبل سنوات، وتعيد إدارة المجلّة نشره هنا تعميمًا للفائدة بعدما طرح سؤال عنه في الإختبار الشفهي الذي تجريه نقابة المحامين في بيروت لطالبي الإنتساب حاليًا.
“محكمة” – الأحد في 2022/4/3