مفهوم الترك والاستفادة من الصندوق توجب دفع البدلات الأساسية/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت المؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، الناظرة في دعاوى الإيجارات نقطة مهمّة تتعلّق بمفهوم الترك المنصوص عليه في الفقرة /و/ من المادة /34/ من قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 2014/5/8 والمتعلّقة بترك المأجور مدّة ستّة أشهر دون انقطاع وتوجّب بدلات إيجار وعدم معرفة مقام المستأجر، فاعتبرت أنّ الترك متوفّر طبقاً لمعطيات الملفّ.
أمّا بالنسبة لتوجّب بدلات الإيجار وإدلاء وكيل المستأجر بأنّه يستفيد من تقديمات الصندوق، فقد اعتبرت المحكمة أنّ ذلك لا يعفيه من دفع البدلات التي كان يدفعها قبل ترتيب الزيادات الجديدة ويعفيه فقط من دقع الزيادات في حال توفّر الشروط.
كما اعتبرت أنّه تمّ التحقّق من عدم وجود أيّ مقام معروف للمستأجر ليصار إلى إبلاغه الإنذار بالبدلات.
وقضت بتصديق الحكم المستأنف الذي قضى يإسقاط حقّ المستأجر بالتمديد القانوني وفسخ عقد إجارته والإخلاء.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/5/9:
ثانياً: في الأساس
وحيث إنّ المستأنف يطلب فسخ الحكم المستأنف الذي أسقط حقّه في التمديد القانوني استناداً إلى الفقرة (و) من المادة /34/ من القانون الإستثنائي للإيجارات الصادر في 2014/5/8 لعدم توافر شروط المادة المذكورة.
وحيث إنّ المستأنف يدلي أنّه لتحقّق حالة الترك بحسب الفقرة (و) من المادة /34/ من قانون الإيجارات الجديد يقتضي توافر ثلاثة شروط مجتمعة، وأنّ الشرط الأوّل المتعلّق بكون المستأجر مدينًا بشيء من البدلات غير متحقّق كون المستأنف مشمولًا بالمساعدة بحسب قانون الإيجارات الجديد ولا يتوجّب عليه أيّ بدل لحين إنشاء الصندوق وصدور المراسيم التطبيقية له ووضع نظامه المالي، وكون الجهة المستأنف بوجهها لم تقم بما هو مفروض عليها من استعانة بخبيرين في حال لم يتمّ تحديد بدل المثل بالإتفاق بين المؤجّر والمستأجر لكي تستطيع مطالبة المستأنف المستأجر ببدل الإيجار المتوجّب.
وحيث وبالنسبة للشرطين الآخرين يدلي المستأنف بأنّه لم يترك المأجور وأنّ الجهة المستأنف بوجهها لجأت إلى الخبرة أمام قضاء الأمور المستعجلة للتحلّل من قيود الرقابة التي تفرضها محكمة الأساس على عمل الخبير ولاسيّما المادة /349/ أ.م.م. لجهة دعوة الخصوم وحضورهم معاملة التحقيق، وقد اعتمد الخبير في تقريره على استماعه إلى ناطور المبنى حيث المأجور موضوع النزاع والمعيّن من قبل الجهة المستأنف بوجهها إضافة إلى إفادة بعض المستأجرين المقرّبين من الجهة المذكورة، واعتمد الحكم المستأنف على ما ورد أعلاه وعلى قرائن مثل إبلاغ أوراق الدعوى، وتحقيق الكاتب مع الأشخاص عينهم المعتمدين في تقرير الخبير وإلى إدلاء الخبير بوجود فواتير مياه وكهرباء لا تثبت واقعة ترك المأجور لأنّه معلوم أنّ جباة الكهرباء لا يقومون باستيفاء بدلات الكهرباء وكون المستأنف كما ذكر أصيب بجلطة وهو قيد العلاج الدائم لدى الأطباء والمستشفيات لوضعه الحرج وأنّ عدم إيجاده في المأجور عدّة مرّات لا يثبت تركه المأجور.
وحيث تنصّ الفقرة (و) من المادة /34/ من القانون الإستثنائي للإيجارات الصادر في 2014/5/8 على أنّه يسقط حقّ المستأجر في التمديد القانوني ويحكم عليه بالإخلاء إذا ترك المأجور مدّة ستة أشهر بدون انقطاع وكان مدينًا بشيء من البدلات ولم يكن له مقام معروف من المالك يبلّغ فيه الإنذار بالدفع أو لم يختر مقامًا في لبنان يبلّغ فيه هذا الإنذار يعيّنه للمؤجّر بموجب كتاب أو بطاقة بريدية مكشوفة مضمونة مع إشعار بالإستلام وفقًا لأصول التبليغ المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة.
وحيث إنّه استنادًا إلى المادة المذكورة يجب توافر ثلاثة شروط مجتمعة للإسقاط من حقّ التمديد القانوني، الشرط الأوّل يتعلّق بترك المأجور مدّة ستّة أشهر دون انقطاع، والشرط الثاني يتعلّق بكون المستأجر مدينًا بشيء من البدلات، والشرط الثالث يتمثّل بكون المستأجر لم يترك عنوانًا له للمؤجّر.
وحيث وبالنسبة إلى الشرط الأوّل إنّ الترك المقصود في الفقرة (و) المذكورة هو الترك المادي الموضوعي المجرّد عن أيّة أسباب أخرى بحيث لا ينظر إلى نيّة المستأجر في التنازل عنه أو في التخلّي عن إجارته وإنْ كان هذا المستأجر يرغب في الإحتفاظ بالمأجور.
وحيث إنّ ترك المأجور واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات، ويقع عبء الإثبات لهذه الناحية على المالك.
وحيث لهذه الجهة فإنّ الحكم المستأنف استند لاعتبار المستأنف قد ترك المأجور موضوع الدعوى الراهنة على تقرير الخبير ع. ص. المعيّن من قبل قاضي الأمور المستعجلة في 2017/3/23، الذي انتقل في 2017/4/26 إلى المبنى حيث المأجور موضوع الدعوى الراهنة ولم يفتح له أحد المأجور المذكور لدى قرعه الباب، ولاحظ وجود فواتير مياه وكهرباء تعود إلى العام 2015، وإنذارات تفيد عدم دفع رسوم بلدية عن الأعوام 2014، 2015، و2016، وبسؤاله لجيران المستأنف السيّد ا.ك. الذي يشغل القسم الملاصق، والسيّدة ج. ك. التي تقيم في الطابق السادس، والسيّدة م.ب. التي تشغل الطابق الأرضي أفادوا أنّ المستأنف ترك المأجور منذ أكثر من سنة ونصف ولا أحد يعرف عنه شيئًا وأن لا أحد يتردّد إلى المأجور المذكور، وناطور البناء س. ع. أكّد بدوره على ذلك.
وحيث إنّه كذلك تبيّن من تقرير الخبيرين ا.ج. وا. خ. المعيّنين من قبل قاضي الأمور المستعجلة في بيروت تاريخ 2016/7/19 والمرفق ربطًا للائحة الجهة المستأنف عليها تاريخ 2018/10/9، أنّ المأجور موضوع الدعوى مقفل منذ حوالي ثمانية أشهر.
وحيث استند أيضًا الحكم المستأنف على التحقيق الذي أعدّه المساعد القضائي للمحكمة مصدرة الحكم الابتدائي عن مجهولية مقام المستأنف والذي تبيّن منه أنّه لدى توجّهه إلى المأجور موضوع الدعوى الراهنة في 2017/8/2 لم يفتح أحد باب المأجور عند قرع الباب، وأفاد الجار السيّد ا. ك. أنّ المستأنف مسافر منذ حوالي ثلاث سنوات إلى أميركا ولا أحد يعرف عنه شيئًا ولا أحد يتردّد إلى المأجور، وبسؤاله السيّدة ج. وناطور البناء المذكورين سابقًا أفادا بأنّ المستأنف ترك المأجور منذ أكثر من سنة ولا يعرفان عنه شيئًا، وبسؤال مختار الأشرفية ا.ص. أفاد بأنّ المستأنف غير موجود في المأجور ولا يعرف عنه شيئًا.
وحيث إنّ المستأنف لم يثبت ما أدلى به أنّه قد أصيب بجلطة وهو قيد العلاج الدائم لدى الأطباء والمستشفيات لوضعه الحرج، فيردّ إدلاؤه لهذه الناحية.
وحيث يكون بالتالي الشرط الأوّل متوافرًا ويؤكّد ترك المستأنف للمأجور لأكثر من ستّة أشهر.
وحيث وبالنسبة إلى الشرط الثاني فإنّه يتبيّن أنّ المستأنف أقرّ في استحضاره الاستئنافي أنّه غير متوجّب عليه أن يدفع أيّ بدلات كونه يستفيد من مساعدات الصندوق بحسب قانون الإيجارات الجديد ولا يتوجّب عليه أيّ بدل لحين إنشاء الصندوق وصدور المراسيم التطبيقية له ووضع نظامه المالي، وكونه الجهة المستأنف بوجهها لم تقم بما هو مفروض عليها من استعانة بخبيرين في حال لم يتمّ تحديد بدل المثل بالإتفاق بين المؤجّر والمستأجر لكي تستطيع مطالبة المستأنف المستأجر ببدل الإيجار المتوجّب.
وحيث يكون بالتالي قد أقرّ بأنّه لم يدفع بدلات الإيجار مع أنّه ملزم بذلك ولو كان يستفيد من مساعدة الصندوق إذ إنّ ذلك يعفيه من دفع الزيادات على بدلات الإيجار التي أقرّتها قوانين الإيجارات الجديدة ولكن لا يعفيه من دفع البدلات الأساسية التي كان يدفعها قبل ترتيب الزيادات الجديدة.
وحيث إنّه لا يمكن القول إنّ عبء إثبات عدم دفع المستأنف للبدلات يقع على عاتق الدائن أيّ الجهة المستأنف بوجهها، بل إنّ المدين هو الذي يثبت أنّه قام بموجبه ودفع بدلات الإيجار عبر إبراز إيصالات.
وحيث إنّه يكون الشرط الثاني المتمثّل بكون المستأجر مدينًا بشيء من البدلات متحقّقًا.
وحيث وبالنسبة إلى الشرط الثالث فهو متوافر لعدم ثبوت وجود أيّ مقام معروف للمستأنف ليصار إلى إبلاغه فيه إنذارًا بوجوب تسديد البدلات المترتّبة عليه خلال فترة تركه المأجور، واستند الحكم المستأنف على كون المساعد القضائي الذي حقّق بمجهولية مقام المستأنف في المرحلة الإبتدائية لم يتوصّل إلى معرفة مقام المستأنف.
وحيث يكون الشرط الثالث متوافرًا بدوره.
وحيث استنادًا إلى ما تقدّم تكون شروط الإسقاط من حقّ التمديد المنصوص عليها في الفقرة (و) من المادة /34/ من قانون الإيجارات الصادر في 2014/5/8 متوافرة، ويقتضي بالتالي إسقاط حقّ المستأنف ص. ن. في التمديد القانوني وإلزامه بإخلاء المأجور الكائن في الطابق الأوّل شرقي من البناء القائم على العقار رقم 323/الأشرفية، وتسليمه شاغرًا إلى الجهة المستأنف بوجهها.
وحيث إنّه يقتضي في ضوء ما تقدّم تصديق الحكم المستأنف للأسباب المذكورة أعلاه وبالتالي ردّ إدلاءات الجهة المستأنفة طعنًا في الحكم المذكور لعدم صحّتها.
وحيث بنتيجة الحلّ المساق، تغدو سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة مستوجبة الردّ إمّا لكونها لاقت ردًّا ضمنيًا أو لعدم تأثيرها على النزاع، بما في ذلك طلب تضمين المستأنف العطل والضرر استنادًا لأحكام المواد /10/ و /11/ و /551/ أ.م.م. لعدم توجّبها.
لذلك
تقرّر بالإجماع:
1- قبول الإستئناف الأصلي شكلًا.
2- ردّ الإستئناف أساسًا، وتصديق الحكم المستأنف برمّته للأسباب المذكورة في متن هذا القرار.
3- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة بما فيها طلب العطل والضرر.
4- مصادرة التأمين الاستئنافي، وتضمين المستأنف الرسوم والنفقات القانونية.
قرارًا صدر وأفهم علنًا في بيروت بتاريخ 2019/5/9.
“محكمة” – الجمعة في 2021/11/12