مفهوم الفعل الناشئ بمعرض ممارسة مهنة المحاماة/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت – الغرفة الحادية عشرة الناظرة في الدعاوى النقابية والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري وممثّلي مجلس نقابة المحامين الأستاذين بيار حنّا وندى تلحوق، مسألة مهمّة حيث عرّفت مفهوم الفعل الناشئ بمعرض ممارسة المهنة، فاعتبرت أنّه الفعل المرتكب من قبل المحامي والمعاقب عليه له علاقة بما يقوم به من أعمال لدى تأديته مهنته، أيّ أنّه عمل لا علاقة له وطيدة بممارسة هذه الاخيرة، إنّما حصل بموجبها وبسياقها وبسببها.
كما اعتبرت المحكمة أن لا مبرّر لملاحقة المحامي لعدم توافر معطيات في الملفّ تدلّ على نيّة جرمية لديه أو إرادة افتعال حادث تضارب، وقضت بردّ الاستئناف وتصديق قرار مجلس النقابة.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2020/12/17:
بناء عليه،
أوّلاً: في الشكل
حيث إنّ المستأنفة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان تطلب قبول استئنافها الحاضر في الشكل لوروده ضمن المهلة القانونية ولاستيفائه لسائر الشروط الشكلية.
وحيث إنّ المستأنف عليه يطلب ردّ الإستئناف لهذه الناحية في حال تبيّن خلوّه من أيّ من الشروط الشكلية القانونية.
وحيث إنّ المستأنفة تدلي بأنّها أبلغت القرار المستأنف بتاريخ 2019/9/24، ولم يثبت عكس ذلك من أوراق الملفّ، فيكون بالتالي تقديم الاستئناف بتاريخ 2019/10/1 وارداً ضمن المهلة القانونية سنداً لأحكام المادة /79/ محاماة فقرة أخيرة.
وحيث إنّه، ومن نحو آخر، لم يتبيّن خلوّ الاستئناف الحاضر من أيّ من الشروط الشكلية المفروضة قانوناً لقبوله لهذه الناحية، ما يقتضي معه قبوله في الشكل وردّ على ما أدلي به خلافاً.
ثانياً: في الأساس
حيث إنّ المستأنفة تطالب لهذه الناحية قبول استئنافها وفسخ القرار المستأنف في بنده الثاني ورؤية النزاع انتقالاً واتخاذ القرار بإعطاء الإذن بملاحقة المستأنف عليه إنطلاقاً ممّا توفّر في الملفّ من معطيات.
وحيث إنّ المستأنف عليه يطلب لهذه الناحية ردّ الإستئناف وتصديق القرار المستأنف لعدم صحّة أقوال المدعي وزيفها مستنداً في ذلك إلى نصّ المادة /79/ محاماة التي وضعت لحماية المحامي لدى ممارسته المهنة وإلى ما عرضه وأدلى به والمذكور أعلاه وما قدّمه من مستندات وتلك الواردة مع الاستحضار الاستئنافي.
وحيث إنّه من التدقيق بأوراق الملفّ كافة.
يتبيّن:
أنّ المستأنف عليه رئيس جمعية مالكي البناء القائم على العقار رقم 215/شملان وقد أوكل من قبل المالكين مهام المرافعة والمدافعة عن الجمعية وباسمها أمام جميع المحاكم في موضوع إزالة التعدّيات والمخالفات، وذلك على أثر قيام المدعي بإشادة ثكنة قرميد بارتفاع سبعة أمتار، وذلك سنداً لأحكام البند التاسع من نظام إدارة البناء والمادة /23/من قانون تنظيم الملكية المشتركة في العقارات المبنية رقم /88/ تاريخ 1983/9/16، وقد تقدّم فعلاً المستأنف عليه بالإدعاء على المدعي أمام قاضي الأمور المستعجلة في عاليه شخصياً وبصفته المذكورة أعلاه، كما قام بتوجيه كتاب إلى بلدية شملان لوضع إشارة المخالفة على عقار المدعي، حيث قرّر التنظيم المدني بعد الكشف الميداني وضع إشارة بناء مخالف وأوعز للقائمقام في عاليه بإزالة المخالفة، كما كان قد رمى من دعواه المذكورة أعلاه وقف الأعمال والتي تقدّم بها شخصياً بتاريخ 2018/5/2 وطلب تدخّل الجمعية في الدعوى بتاريخ 2019/10/9.
أنّه بتاريخ 2019/5/26، أقدم المدعي مع شقيقه وشخص ثالث على التعرّض للمستأنف عليه بالألفاظ النابية ومن ثمّ بضربه حتّى فقد الوعي، حيث نقل على أثرها إلى مستشفى بشامون التخصّصي وحيث أشار الطبيب المناوب بضرورة وجوب نقله إلى مستشفى الجامعة الأميركية لوجود انتفاخ في الجهة الخلفية من الرأس واستفراغ متكرّر، حيث نقل على أثرها إلى مستشفى كليمنصو وقد أجريت له الفحوصات اللازمة وأخضع للمراقبة المركّزة لخطورة وضعه الصحّي لمدّة 41/ساعة.
بأنّ المدعي “ب.ط.” توجّه إلى مخفر سوق الغرب بتاريخ 2019/5/26 وعرض لدى الضابطة العدلية أنّ المستأنف عليه تعرّض له بالشتائم وقد أحضر شخصين معه وقام بضربه على رأسه وأوقعه أرضاً ما تسبّب بجروح في يده وجبينه، وأنّ الشخصين المذكورين حاولا إبعاده عنه، وطلب إنزال العقاب به، ثمّ عاد المدعي وبمذكّرة قدّمها إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان ذكر فيها أنّ المستأنف عليه ومن يرافقه أقدموا على ضربه جميعاً وتعاونوا على ذلك، وأنّ ذلك تسبّب له بالأضرار المذكورة أعلاه، وقد وثّق أضراره بتقرير طبّي وكذلك فعل المستأنف عليه.
أنّ التعرّض للمستأنف عليه وفق ما عرضه حصل بينما كان يخرج من مدخل بنائه مع أولاده، فأقدم المذكورون على شتمه والتعرّض له ولأطفاله بكيل من الألفاظ النابية، وعندما حاول الإنسحاب، قاموا باقتحام السياج الفاصل بين العقارين وبدأوا بضربه حتّى حصل ما ذكر أعلاه، وقد بقي لمدّة /48/ ساعة تحت المراقبة في المستشفى.
أنّ المدعي يذكر في مذكّرته المذكورة، أعلاه المقدّمة للمستأنفة أنّ المستأنف عليه خلال الحادثة كان معه أشخاص عاونوه وهم ظاهرون في الصور المرفقة، الأمر غير الثابت في أوراق الملفّ كافة ما يثير الشكّ في صحّة أقواله لهذه الناحية.
أنّ شقيق المدعي الذي كان برفقته التقط صوراً للحادثة بواسطة هاتفه وتسجيل فيديو، إلاّ أنّه لم يبرز أيّ قرص مدمج بها في الملفّ لتأكيد ادعاءات المدعي.
أنّه من غير الثابت أنّ المستأنف عليه قطع السياج الفاصل بين بنائه وعقار المدعي حيث حصل الإشكال، بل الثابت العكس أنّ المدعي هو من تجاوز هذا السياج باتجاه بناء المستأنف عليه ولم ينكر ذلك في التحقيقات الأوّلية، مع مرافقيه.
وحيث إنّه، وفي إطار ما تقدّم، فإنّه وسنداً لأحكام المادة /79/محاماة، فقد أمّن المشترع للمحامي ضمانة وحماية جسّدها بعدم جواز ملاحقته جزائياً لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلاّ بقرار من مجلس النقابة يأذن بالملاحقة. وأنّ قرار هذا الأخير يقبل الطعن أمام محكمة الاستئناف.
وحيث إنّه ثابت أنّ نصّ المادة /79/ المذكورة ميّز بين الفعل الناشئ عن ممارسة المهنة والفعل الناشئ بمعرضها، أيّ أنّه في هذه الحالة الأخيرة أن يكون الفعل المرتكب من قبل المحامي والمعاقب عليه، له علاقة بما يقوم به من أعمال لدى تأديته مهنته أيّ عملاً لا علاقة له وطيدة بممارسة هذه الأخيرة، إنّما حصل بمعرضها وبسياقها وبسببها.
وحيث إنّه بالعودة إلى وقائع النزاع الراهن يتبيّن أنّه بسبب قيام المستأنف عليه كمحام وبصفته الشخصية وكوكيل عن جمعية مالكي العقار رقم 215/شملان بالإقدام على الادعاء على المدعي لدى قاضي الأمور المستعجلة ولدى البلدية بسبب قيام هذا الأخير بإشادة ثكنة قرميد مخالفة للقانون وقد نتج عن ذلك وضع إشارة دعوى على عقار المدعي رقم 217/شملان وإلى قرار من التنظيم المدني، بعد الكشف الميداني، يوعز إلى القائمقام في عاليه بإزالة تلك المخالفة، فإنّ ما تقدّم أدّى إلى خلق جوّ متوتّر بين المدعي والمستأنف عليه، أسفر عنه بتاريخ 2019/5/26 أن أقدم المدعي برفقة شقيقه وشخص آخر (الأمر الذي لم ينفه) على تجاوز التصوينة بين عقاره وبناء المستأنف والتعرّض لهذا الأخير بالضرب ما تسبّب بإغمائه ونقله إلى المستشفى ومن ثمّ إلى مستشفى آخر كما هو مبيّن أعلاه، حيث خضع لفحوصات وللمراقبة لمدّة /48/ ساعة، وهي أمور لم ينفها المدعي ولم تدحضها المستأنفة في حين أنّ المدعي لم يثبت أقواله لناحية إقدام المدعي مع آخرين على التعرّض له، إذ أشار بوجود صور لهم مرفقة مع أوراق الملفّ، إلاّ أنّ الأمر بقي ادعاء دون إثبات، كما أنّ أقواله تضاربت حول دور مرافقي المستأنف عليه، فضلاً عن عدم ثبوت وجودها.
وحيث بالتالي يكون النزاع موضوع الإذن الحاضر يدخل ضمن مفهوم وقوعه بمعرض ممارسة مهنة المحاماة ويقتضي تصديق قرار مجلس النقابة لهذه الناحية.
وحيث إنّه، بالنسبة لطلب المستأنفة الرامي إلى فسخ قرار مجلس النقابة وإعطاء الإذن بملاحقة المستأنف عليه، فإنّ المحكمة لا تجد مبرّراً لذلك لعدم توافر معطيات في الملفّ تدلّ على نيّة جرمية لدى المستأنف عليه، أو إرادة بأفتعال حادث تضارب مع المدعي عليه، بل إنّ ما في الأمر أنّه كان بوضع درء التعرّض الجسدي المقصود الذي تعرّض له، بعد أن دخل عليه المدعي ومن يرافقه من أشخاص إلى عقاره وتعرّضوا له بالضرب، بل إنّ كلّ ما فعله المستأنف عليه هو توسّل الإجراءات القانونية.
وحيث بالتالي يقتضي ردّ الإستئناف في الأساس وتصديق القرار المستأنف لعلّة الدفاع عن النفس حسب ظاهر الأوراق ولعدم ثبوت تعرّض المستأنف عليه شخصياً للمدعي بوجود آخرين وفق أقوال الأخير.
وحيث إنّه وفي ضوء النتيجة التي توصّلت إليها المحكمة يقتضي ردّ كلّ ما زاد أو خالف إمّا لأنّه لقي ردّاً ضميناً، وإمّا لعدم الجدوى.
لذلك
تقرّر بالإتفاق:
1- قبول الاستئناف في الشكل
2- ردّه في الأساس وتصديق القرار المطعون بالحكم الصادر عن مجلس نقابة المحامين في بيروت.
3- ردّ كلّ ما زاد أو خالف.
4- حفظ الرسوم والنفقات.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2020/12/17.
“محكمة” – السبت في 2021/1/16