مفهوم النزاع الجدّي وعدم تعيين خبيرين من المستأجر والاستفادة من الصندوق/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحث القاضي المنفرد المدني في بيروت الناظر في دعاوى الإيجارات الرئيس محمّد شهاب مسألة النزاع الجدّي ومدى توافر شروطه.
كما اعتبر الرئيس شهاب أنّه إذا كان صحيحاً أنّ المستأجر لم يبادر بدوره إلى تعيين خبيرين إلاّ أنّ ذلك لا يلزمه بتقرير الجهة المالكة، وأنّ أمر البتّ بمدى استفادة المستأجر من تقديمات الصندوق يخرج عن اختصاص القاضي المنفرد الناظر في دعاوى الإيجارات، بل هو من اختصاص اللجنة التي نصّ عليها القانون.
وقضى بردّ الدعوى برمّتها، وممّا جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2018/4/23
بناء عليه،
وبنتيجة المحاكمة الوجاهية والعلنية،
حيث إنّ المدعية تطلب إسقاط حقّ المدعى عليها في التمديد القانوني سنداً لأحكام المادة 34 من قانون الإيجارات الجديد، وذلك لعدم دفع بدلات الإيجار المستحقّة عليها قانوناً بما فيها الزيادات القانونية المفروضة في قانون الإيجارات الجديد تاريخ 2014/5/8، بالرغم من مرور أكثر من شهرين على إنذارها أصولاً وفسخ عقد الإيجار وإلزامها بإخلاء المأجور ودفع رصيد بدلات الإيجار المستحقّة عليها لغاية الآن وغير المسدّدة منها عن العامين 2015 و 2016 البالغة مبلغ /21616500/ل.ل. مع فائدته من تاريخ استحقاقه في 2016/4/19 لغاية الدفع الفعلي، إضافة لبدل المثل المحدّد مؤقّتاً لاستيفاء الرسم بمبلغ /13850000/ل.ل. من تاريخ إقامة الدعوى ولغاية الإخلاء الفعلي بموجب حكم قضائي مبرم وبات.
وحيث تطلب المدعى عليها ردّ الدعوى لعدم صحّتها وعدم قانونيتها، ولعدم توافر شروط الفقرة (أ) من المادة 34 من قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 2014/5/6 المعدّل بالقانون رقم 2017/2، لأنّ الزيادات المطالب بها غير مستحقّة بذمّتها بل بذمّة الصندوق وتتوفّر فيها شروط الإستفادة منه عملاً بأحكام المادة /3/ من القانون المذكور، ولعدم توافر شروط أحكام الفقرة (أ) من المادة 34 المذكورة لثبوت تسديدها عملاً بأحكام المادة 34 بند 2 من القانون تاريخ 2014/5/8 المعدّل بالقانون رقم 2017/2، واستئخار البتّ بالدعوى عملاً بأحكام المادة 58 من القانون رقم 2017/2 لحين دخول الصندوق حيّز التنفيذ.
وحيث إنّ القانون المسندة إليه الدعوى قد عدّل بموجب القانون الصادر في 2017/2/28 والتعديل شمل عدّة أمور من بينها النسبة المقرّرة لتحديد بدل المثل، بحيث أنزلت إلى 4% بعد أن كانت 5% في القانون السابق،
وحيث لا يخفى على أحد تباين الآراء الذي شهدته الأوساط القانونية والقضائية إزاء نفاذ قانون الإيجارات الجديد قبل تعديله وإزاء قابلية تطبيقه، لاسيّما بعد الإبطال الذي طال بعض مواده، وهذا بحدّ ذاته كان من شأنه أن يثير الشكّ في ذهن المستأجرين وغيرهم حول توجّب الزيادات المقرّرة فيه ونفاذها، فلا يصحّ لومهم على عدم دفعها في حينه لاعتقادهم المشروع بعدم نفاذها، بحيث لا تؤتي الإنذارات المرسلة لهم بها قبل نفاذ القانون التعديلي مفاعيلها المسقطة للاجارة لتوفّر عناصر النزاع الجدّي.
وحيث إذا كان صحيحاً أنّ القانون قد فرض على المستأجر الإعتراض على التخمين المرسل من المالك خلال مهلة شهرين من تاريخ تبلّغه تقرير الخبرة المعدّ بناء لطلب هذا الأخير تحت طائلة سقوط حقّه في الإعتراض عليه، إلاّ أنّ هذا الأمر ليس من شأنه أن يرتّب النتيجة المقرّرة في القانون بحقّ المستأجرين الذين امتنعوا عن الإعتراض على التقارير المرسلة إليهم قبل نفاذ القانون التعديلي، أو أن يجعل تلك التقارير بما اختزنته من حسابات متعلّقة ببدل مثل المأجور وبالزيادات الطارئة على بدلات الإيجار ملزمة لهم، ذلك أنّ الجميع بمن فيهم المستأجرين كانوا يعتقدون بوجود إشكالية حول تطبيق القانون السابق ونفاذه وكانوا يترقّبون إلغاءه أو تعديله من قبل السلطة التشريعية التي عادت وأصدرت بالفعل قانوناً جديداً عدّل النسبة المقرّرة لتحديد بدل المثل، بحيث قد يكون سكوتهم مسنداً إلى اعتقادهم المشروع بعدم نفاذ القانون ككلّ، بما فيه النصّ المسقط لحقّهم بالإعتراض على التقارير المرسلة إليهم، وبالتالي لا يمكن اعتبار ذلك السكوت تسليماً بصحّة تلك التقارير أو موافقة عليها كيما يصحّ القول بإلزامهم بها.
وحيث وفي عطف على ما تقدّم، فإنّ التخفيض الذي طال بدل المثل من شأنه أن ينال من أيّة حسابات يمكن أن ينسب إلى المستأجر موافقته عليها، وبالتالي فإنّ تلك الموافقة لا تعود ذات قيمة بعد صدور القانون التعديلي لأنّها بنيت على قانون تمّ تعديله، إذ من المؤكّد أنّ المستأجرين لم يكونوا ليرتضوا تحديد بدل المثل بنسبة 5% لو لم يقل القانون بتلك النسبة، بحيث لا بدّ وأن يؤثّر التعديل الحاصل على أيّ اتفاق رضائي صريح أو ضمني في هذا الخصوص، وهذا الأمر من شأنه أن يعزّز أكثر وأكثر نظرية النزاع الجدّي التي أخذت بها المحكمة بخصوص الإنذارات المرسلة قبل نفاذ القانون التعديلي، بل إنّه من شأنه أن يطال أساساً من صحّة الحسابات التي اختزنتها تلك الإنذارات، بما من شأنه، وبمعزل عن نظرية النزاع الجدّي، أن يعطّل مفاعيلها.
وحيث وبالإضافة إلى ما تقدّم، فإنّه وخلافاً لما أثارته المدعية، فإنّ المدعى عليها لم تلتزم الصمت إزاء الإنذار المسندة إليه الدعوى، بل إنّها بادرت، وضمن مهلة الشهرين إلى دفع البدل الساري قبل نفاذ القانون الجديد وغير المنازع به، وخاطبتها بكتاب 2016/3/15 أشارت فيه إلى تعليق مهلة دفع الزيادات تبعاً لحقّه بالإستفادة من مساهمة صندوق المساعدات وإلى وجوب انتظار ما سيصدر عن السلطة التشريعية من تعديل بخصوص اللجان المقرّر إبطالها.
وحيث إذا كان صحيحاً أنّ المدعى عليها لم تبادر بدورها إلى تعيين خبيرين من قبلها، إلاّ أنّ ذلك ليس من شأنه أن يلزمها بتقرير الجهة المالكة على حدّ ما سيق أعلاه في ضوء مشروعية اعتقادها بوجوب انتظار ما ستتمخّض عنه إرادة المشرع بخصوص المواد المبطلة.
وحيث إنّ المنازعة الدائرة بين الفريقين بخصوص احتساب بدلات الإيجار المتوجّبة تفعيلاً لأحكام قانون الإيجارات الجديد، وبخصوص أحقّية المدعى عليها في الإستفادة من مساهمة صندوق المساعدات، تخرج عن اختصاص هذه المحكمة عملاً بصراحة نصوص القانون التعديلي رقم 2017/2 الصادر في 2017/2/28 والتي أولاها صراحة إلى اللجان المنشأة فيه، بحيث يعود لهذه الأخيرة دون سواها أمر تحديد بدل المثل اللازم تمهيداً لاحتساب البدلات المتوجّبة وتقرير استفادة المدعى عليها من مساهمة الصندوق، فتكون البدلات المنذر بها المدعى عليها والمطلوب إلزامها بها لا تزال غير مستحقّة الأداء بانتظار تحديد قيمتها النهائية من قبل المرجع المختص وبانتظار البتّ بمسألة استفادة المدعى عليها من مساهمة الصندوق.
وحيث لم يثبت للمحكمة عدم استفادة المدعى عليها من تقديمات الصندوق.
وحيث يتأتّى عن مجمل ما تقدّم ردّ المطالبة بإسقاط الاجارة لعدم توفّر شروطها، وبالتالي ردّ الدعوى برمّتها.
وحيث يقتضي أخيراً ردّ سائر الأسباب والطلبات الزائدة أو المخالفة، بما فيها المطالبة بالعطل والضرر، إمّا لأنّها لاقت جواباً ضمنياً في التعليل المسوق أعلاه، وإمّا لأنّها أضحت نافلة، وإمّا لأنّه لا يوجد ما يبرّرها قانوناً.
لذلك
تحكم:
1- بردّ الدعوى للأسباب المبيّنة أعلاه.
2- بردّ كلّ ما زاد أو خالف.
3- بتضمين المدعية الرسوم والنفقات كافة.
حكماً وجاهياً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2018/4/23
“محكمة” – الجمعة في 2021/1/15