مقالات
مفهوم عبارة “لجلاء الحقيقة” في قرار إذن ملاحقة المحامي/سها بلوط الأسعد
المحامية سها بلوط الأسعد:
تنص المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة في بنودها الثاني والثالث والرابع على ما يأتي:
– لا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلّا بقرار من مجلس النقابة يأذن بالملاحقة ومجلس النقابة يقدر ما اذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة أو بمعرضها.
– يجب إصدار القرار بالإذن بالملاحقة أو رفضه خلال شهر من تاريخ إبلاغ النقيب وقوع الفعل بكتاب خطّي، فإذا انقضت مهلة الشهر ولم يصدر القرار يعتبر الإذن واقعاً ضمناً.
– تقبل قرارات مجلس النقابة وقرارات لجنة ادارة صندوق التقاعد الطعن أمام محكمة الاستئناف بمهلة عشرة أيام تلي التبليغ، على ان ينضم الى الهيئة الحاكمة عضوان من مجلس النقابة يختارهما المجلس المذكور من بين اعضائه.
مادة مضافة:
خلافاً لنص الفقرة الاخيرة من المادة 14 من المرسوم الاشتراعي رقم /22/ تاريخ 1985/3/23 تقبل قرارات مجلس النقابة المنصوص عنها في المادة /79/ المعدلة، الطعن امام محكمة الاستئناف بمهلة 15 يوما تلي التبليغ.
هذه المادة مهمة جداً لعمل المحامي. فهي تحميه من تعسف الادعاء ضدّه أثناء أو بمعرض ممارسته لمهنة المحاماة المقدسة، والتي وصفتها المادة الاولى من القانون بأنّها مهنة ينظّمها القانون وتهدف الى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق.
فالمحامي قد يتعرض للضغط عليه اثناء ممارسته لرسالته، فإذا تقدم بدعوى أتعاب ضدّ موكّله، فمن الممكن أن يتقدّم موكله السابق بشكوى ضدّه يزعم فيها أنّه أهانه أو شتمه…الخ. واذا تابع ملفاً من الملفات، وخصوصاً الجزائية، يتم تلفيق التهم والادعاءات بحقه لثنيه عن القيام بواجباته . وحتى اثناء المرافعة وكتابة اللوائح والمذكرات والشكاوى، قد يتعرض للضغط وللتعسف من ادعاء كاذب او غير محقّ بحقّه.
من هنا جاءت المادة 79 لتبعد الخوف او هواجس تقديم شكاوى افترائية بحق المحامي حتّى يتسنّى له العمل براحة واطمئنان بعيداً عن إمكانية الانتقام منه أو الافتراء عليه.
كلّ ذلك ضمن حدود قيام المحامي بواجباته بصدق وبمناقبية بعيداً عن اي تزوير أو جشع أو خيانة للموكل. واحياناً تضطر محكمة الاستئناف الناظرة في القضايا النقابية الى اعطاء الاذن بالملاحقة لجلاء الحقيقة عندما لا تكون الوقائع واضحة، وبحاجة الى تحقيق معمّق لا تستطيع محكمة الاستئناف القيام به ولا صلاحية لديها بهذا الخصوص. الا ان الاذن في مثل هذه الحالة يُعطى ضدّ المحامي، وعليه ان يخضع للتحقيق. كلّ ذلك مع تأكيد المحاكم الناظرة في القضايا النقابية أنّ إعطاء الاذن بالملاحقة الجزائية لا يشكل ادانة للمحامي، بل سبيلاً كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة توصلاً لمعرفة الحقيقة ولإزالة الغموض الذي يكتنف الوقائع.
ولكن، وهنا النقطة المهمة. ففي هذه الحالة يكون اذن الملاحقة بحق المحامي قد اُعطي، حتى ولو كان لجلاء الحقيقة، لأنّه سوف يتعرض للتحقيق كمدعى عليه وليس كمستمع اليه. وبالتالي يقتضي التشديد وعدم إعطاء الاذن إلا في الحالات الواضحة وشبه الثابتة على الأقلّ وإلّا فقدت المادة 79 بعضاً من اهدافها، ويقع المحامي تحت وطأة إعطاء الاذن ضده، ولو كان لجلاء الحقيقة، ويعيش تحت وطأة هذا الاحتمال.
“محكمة” – الجمعة في 2024/7/26