ملاحظات على أسئلة تنتظر أجوبة من لجنة نجم القانونية بشأن الإيفاء وسعر الدولار/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
من يتمعّن في قرار وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة ماري كلود نجم بتشكيل لجنة قانونية من قضاة ومحاميين إثنين وأستاذة جامعية لوضع دراسة تمهيدية في موضوع كيفية إيفاء المتوجّبات المالية المستحقّة على أصحابها في ظلّ الإنخفاض السريع لقيمة الليرة اللبنانية والإرتفاع الجنوني للدولار الأميركي، يجد أنّها راعت الأصول القانونية الواردة في متن قانون تنظيم وزارة العدل وتحديدًا المادة 33 منه لجهة صلاحية تشكيل لجنة حتّى ولو كانت لدى وزارة العدل وحدة قضائية تسمّى هيئة التشريع والإستشارات مولجة باستصدار استشارات قانونية غير ملزمة لكنّها تساعد في الإستئناس والإطلاع والإستفادة.
والدراسة المنتظرة من هذه اللجنة ليست إجبارية للمحاكم لكي يُعْمل بها فور الإنتهاء منها والتوافق عليها، فهي ليست قانونًا صادرًا عن الجهة التشريعية المعنية، إنّما توطئة إستباقية لأيّ مشروع قانون محتمل قد يُطلب في لحظة ما، أو قد يُعرض مستقبلًا، لا سيّما وأنّ الدولة اللبنانية مطالبة على غرار ما حصل بعد الخروج من نيران الحرب اللبنانية، بأن تتدخّل بموجب قانون ثابت يضع حدًّا لأيّ نزاع أو إشكال قد ينتج عن التفلّت الحاصل في سعر الدولار الأميركي ارتفاعًا وهبوطًا، ولا يمكن ترك الأمور على غاربها وبما يلحق أضرارًا كثيرة بمعاملات الناس والحياة البشرية والعقود الجارية بينهم.
كما أنّ هناك قوانين نافذة لا يمكن للدراسة المنتظرة أن تقفز فوقها أو أن تتفلّت منها، أو أن تتغاضى عنها، بل على العكس تمامًا، فهي تسعى إلى استكمال النقص الحاصل في بعض هذه القوانين، نتيجة الوضع الطارئ للإنهيار الإقتصادي.
ويدرك أعضاء اللجنة أهمّية البناء على القوانين النافذة، وأنّ مهمّتهم تقوم أوّلًا وأخيرًا على المساعدة في إمكانية إصدار نصّ قانوني يعالج الإشكاليات المطروحة أمام القضاء بحسب ما هو وارد في متن قرار نجم، وبالتالي، فإنّ الصورة واضحة وشفّافة، فهذه الدراسة لن تكون قانونًا، ولن تكون على هيئة قانون، وليس من اختصاص أيّ لجنة خارج السلطة التشريعية السعي إلى استصدار قانون، مع التذكير هنا بأنّ النظام القضائي اللبناني لا يعتمد توحيد الإجتهاد، فما تراه محكمة التمييز لا يلزم القاضي المنفرد، وهناك قرارات وأحكام كثيرة في هذا المجال تؤكّد تبدّل النظرة الإجتهادية بين غرفة وأخرى في محكمة التمييز في مقاربة المسألة القانونية الواحدة.
وما يلفت النظر في قرار الوزيرة نجم هو مضمون الأسئلة المشروعة التي وردت في طيّاته تسهيلًا لعمل اللجنة المنوط بها السعي إلى الإجابة عليها بشكل علمي وقانوني سليم، غير أنّه كان يفترض صياغة هذه الأسئلة بشكل قانوني أوضح وأسلم وانتقاء العبارات القانونية بصورة أدقّ وذلك منعًا لأيّ تأويل أو تفسير، وخصوصًا عند الكلام على البطلان والشيك.
ففي السؤال الأوّل يجري الإستفسار عمّا إذا كان يحقّ للأطراف اشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية وفي حال كان الجواب إيجابًا، فهل يؤدّي بطلان البنود المحرّرة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع إلى بطلان الإتفاقية برمّتها؟
ولا شكّ أنّه لا يمكن مناقشة إمكانية إبطال العقد ببطلان بند اشتراط الدفع بالعملة الأجنبية لما تحمله هذه الخطوة من نتائج خطرة وما ترتّبه على بطلان العقود وإعادة الحال إلى ما كانت عليه سابقًا، فهل تردّ العقارات والبضاعة موضوع العقود والمبالغ المالية المسدّدة ووفق أيّ سعر؟ مع الإشارة إلى أنّ هذه البنود لا تخالف النظام العام لتبطل العقد برمّته.
وكان يفضّل استبدال عبارة البطلان بعبارتي الفسخ أو الإلغاء، فالبطلان يشي بأنّ العقد نشأ منذ البداية معيوباً وغير قانوني، فيما هدف الدراسة ليس العقد بحدّ ذاته، وإنّما آلية الإيفاء ووفق أيّ سعر للدولار الأميركي يمكن اعتماده إزاء الليرة اللبنانية.
ومن المعروف أنّ البطلان هو جزاء يترتّب على نشوء العقد معيوبًا من الأساس، أمّا إذا تمّ الإختلاف على تنفيذ العقد أو أحد بنوده ومنها الثمن أو آلية الدفع أو قيمة العملة فيكون هذا الخلاف قد استجدّ في معرض التنفيذ وليس عند توقيع العقد، وقد رتّب المشترع في هذه الحالة جزاء من نوع آخر هو الفسخ أو الإلغاء.
وهناك اختلاف جوهري في النتائج القانونية لعقوبة البطلان وعقوبة الفسخ أو الإلغاء، فالأولى تعيد الأمر إلى ما كان عليه وتبطل كلّ التصرّفات التي تمّت في معرض تنفيذ العقد.
وفي ما يتعلّق بالسؤال الثالث عن كيفية قيام القضاء بتحديد سعر صرف الدولار الأميركي، فإنّ هذا العمل ليس من اختصاص القضاء والمحاكم على الإطلاق ويخرج عن نطاق وظيفتها، بل من صميم وواجبات عمل مصرف لبنان في تحديد مؤشّر السعر يوميًا بناء على قانون صريح صادر عن السلطة التشريعية، ولا يمكن لأيّ قاض وتحت أيّ ظرف أن يبادر من تلقاء نفسه إلى تحديد سعر صرف الدولار، بل عليه التقيّد بالسعر الرسمي الصادر عن مصرف لبنان حكمًا، ولا يمكنه استبداله بالسعر المعتمد في السوق السوداء أو السعر المتداول به بين المصارف على المنصّة الإلكترونية الخاصة بها.
وثمّة من يرى صعوبة في استصدار قانون يحدّد سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي أو يؤدّي إلى تجميده عند سعر معيّن لأنّه غير ثابت ويخضع للعرض والطلب.
ويتحدّث السؤال الرابع عمّا إذا كان يحقّ للدائن أن يرفض الإيفاء بواسطة شيك محرّر بالعملة الأجنبية، والجواب بكلّ بساطة أنّ رفض الإيفاء بواسطة الشيك يحتاج إلى تعديل جملة قوانين.
فالنظام القانوني اللبناني يعتبر الشيك أداة إيفاء وليس أداة ائتمان، أيّ أنّه أشبه بالنقد والمال، وفي تاريخ سحبه وتسليمه يمنع على الساحب التصرّف بالمؤونة المقابلة، وبالتالي فإنّه لا إمكانية لطرح هذه الفكرة على بساط البحث، فبمجرّد إيداع المدين الشيك لدى القضاء المختص، ولنقل دائرة التنفيذ على سبيل المثال إذا كان محجوزًا عليه لمصلحة الدائن، فيكون قد نفّذ التزاماته وموجباته وتبرأُ ذمّتُه.
إنّ عنوان عمل هذه اللجنة مهمّ جدًا في ظلّ الوضع الإقتصادي الصعب في لبنان، ويمكن إجراء دراسة أخرى ترتبط بقانون الإيجارات مثلًا كونه موضوعًا حيويًا ويهمّ شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، علمًا أنّه سبق للجنة مشتركة بين مجلس القضاء الأعلى ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس شُكّلت برعاية وزارة العدل في عهد النقيب الوزير شكيب قرطباوي أن أنجزت مشروع قانون للإيجارات وهو موجود في أحد الأدراج، ويمكن الإستعانة به لما فيه مصلحة الناس.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/2/9