ملاحقة الوزير الفاسد أمام القضاء العادي ممكنة/سلام عبد الصمد
إعداد المحامي د. سلام عبد الصمد:
أوّلاً: رئيس الجمهوريّة:
بالمبدأ، ووفقاً للمادة 7 من الدستور، فإنّ جميع اللبنانيين سواء لدى القانون ويتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنيّة والسياسيّة ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دون فرق بينهم.
ولكنّ المادة 60 من الدستور، نصّتْ على استثناء لهذا المبدأ، إذ إنّ صلاحيّة اتهام رئيس الجمهوريّة في جميع الجرائم العاديّة التي يرتكبها بالإضافة إلى الجرائم التي يرتكبها عند قيامه بوظيفته كخرق الدستور والخيانة العظمى، تعود فقط لمجلس النوّاب، ويُحاكم بعدها أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
إذاً، صلاحيّة القضاء الجزائي العادي شاملة لكلّ اللبنانيين على الأراضي اللبنانيّة أيّاً كان موقعهم بإستثناء رئيس الجمهوريّة.
ثانياً: رئيس مجلس الوزراء والوزراء:
أمّا بالنسبة للمسؤوليّة الجزائيّة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، فلم يرد أيّ نصّ صريح في الدستور ينصّ على منحهم الحصانة، كما وعلى انعدام صلاحيّة القضاء الجزائي في ملاحقتهم عند ارتكابهم أفعالاً تنطبق على أحكام المواد رقم /351/ لغاية /378/ من قانون العقوبات.
كلّ ما ذكر بشأن محاسبة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، انحصر بالمادتين أدناه:
1- نصّت المادة 70 من الدستور على ما يلي:” لمجلس النوّاب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم ولا يجوز أنْ يصدر قرار الإتهام إلاّ بغالبية الثلثين من مجموع الأعضاء…”.
2- نصّت المادة 71 من الدستور على ما يلي: “يُحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير المتّهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
لجهة ما ورد في المادة 70 من الدستور، نرى ما يلي: إنَّ مجلس النواب ليس مُلزماً بحقّ اتّهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء، بل هو مخيّرٌ في ممارسة هذا الحقّ، لأنّهُ ذُكر في نصّ المادة حرفياً (لمجلس النواب) وليس (على مجلس النوّاب).
ولم تنصّ هذه المادة على حصر صلاحيّة محاكمتهم بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء كما “بحالة رئيس الجمهوريّة” بشأن الجرائم العاديّة التي يرتكبونها، بالإضافة إلى الجرائم الناتجة عن الوظيفة كالخيانة العظمى وإخلالهم بواجباتهم، بل نصّت المادة حرفياً فقط على “.. بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم..”
لجهة ما ورد في المادة 71 من الدستور، نرى ما يلي: نصّت المادّة حرفياً على محاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزير “المتهّم” أمام مجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. والمقصود بالمتّهم هنا، أيّ المتّهم من مجلس النوّاب بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس وفقاً للمادة 70 التي سبقتها.
إذاً، المادتان 70 و71 من الدستور لم تنصّا صراحةً على عدم صلاحيّة القضاء الجزائي العادي بمحاكمة وملاحقة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، بالإضافة إلى أنّهما لم تنصّا على الحصانة المطلقة لهم مثل حصانة رئيس الجمهوريّة، بل هي حصرت ارتكابهم الخيانة العظمى وإخلالهم بالواجبات المترتّبة دون التطرّق إلى ارتكابهم جرائم عاديّة.
وبالتالي، لا يمكن اقتراح قانون يقضي برفع الحصانة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، لأنّهم بالأصل لا يتمتّعون بأيّ حصانة دستوريّة لتُرفع عنهم.
ثالثاً: النواب:
كلّ ما ذُكِرَ بشأن محاسبة النوّاب، إنحصر بالمادتين أدناه:
1- نصّت المادة 39 من الدستور على ما يلي: “تُمنع إقامة دعوى جزائيّة على أيٍّ عضوٍ من أعضاء مجلس النوّاب بسبب الآراء والأفكار التي يُبديها مدّة نيابته.”
2- نصّت المادة 40 من الدستور على ما يلي: “لا يجوز أثناء دور الإنعقاد اتخاذ اجراءات جزائيّة نحو أيّ عضوٍ من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلاّ بإذن المجلس ما خلا حالة التلبُّس بالجريمة (الجرم المشهود).
لجهّة ما ورد في المادة 39 من الدستور، نرى ما يلي:نصّت المادة حرفياً على أنّهُ لا يُمكن ملاحقة أيّ عضوٍ من أعضاء مجلس النوّاب جزائياً حصراً (بسبب الأراء والأفكار التي يُبديها مدّة نيابته)، دون التطرّق إلى الأفعال الجرميّة التي يرتكبونها.
لجهّة ما ورد في المادة 40 من الدستور، نرى ما يلي: “نصّت المادة حرفياً وحصراً على أنّهُ لا يجوز (أثناء دور انعقاد المجلس النيابي) اتخاذ إجراءاتٍ جزائيّةٍ نحو أيّ عضوٍ من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلاّ بإذن المجلس ما خلا حالة التلبُّس بالجريمة (الجرم المشهود). أيّ المقصود أنّه بين يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار حتّى نهاية شهر أيار، وبين الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأوّل حتّى آخر كانون الأوّل، لا يجوز اتخاذ إجراءات جزائيّة أو إلقاء القبض على أيّ عضو من أعضاء مجلس النوّاب باستثناء الجريمة المشهودة.
نستنتج من حرفية النصّ أعلاه، بأنَّ الحصانة هنا تنعدم خارج دورات انعقاد المجلس النيابي، ويمكن ملاحقة النوّاب جزائياً عند ارتكابهم لجرمٍ جزائيٍّ وفقاً لأحكام قانون العقوبات.
بناءً على ما تقدّم، وبهدف مكافحة الفساد، واحترام القانون، ووقف الهدر، والأهمّ استرداد المال المكتسب بصورةٍ غير شرعية، نقترح ما يلي:
• وجوب التمييز بين الموجبات المترتّبة على رئيس مجلس الوزراء والوزراء والمتصلة مباشرةً بمهامهم وبين الأفعال الجرميّة المرتكبة من قبلهم في معرض ممارستهم لمهامهم.
• إقتراح قانون يتضمّن المادة الوحيدة التالية: “مع مراعاة أحكام المواد 40 و70 و71 من الدستور، تخضع لصلاحيّة القضاء الجزائي الأفعال الجرميّة المنطبقة على أحكام المواد 351 لغاية 378 من قانون العقوبات والمرتكبة من قبل رؤساء الحكومات والوزراء الحاليين والسابقين في معرض ممارستهم لمهامهم أو تلك المرتكبة في حياتهم الخاصّة.
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/5/19