منيف حمدان.. فارس العدالة /جمال الحلو
القاضي م جمال الحلو:
لم يخطر ببالي يومًا أن أفتّش عن كلمات، وعلى عجالة من أمري، لأخطّ بها رثاء لفارس قلّ نظيره في عالم القضاء، ومن ثمّ في عالم المحاماة. عنيتُ به فرقد الضاد وابن بجدتها الأمير الحمدانيّ، العلّامة الفقيه النابغة البليغ الأديب الشاعر المؤرّخ الموسوعيّ، البروفيسور منيف حمدان، القاضي العادل، والمدّعي العامّ الألمعيّ، والمحامي البارع، الذي أنصتت له المنابر شغفًا لعقود طويلة خلت.
نعم، صدمة الموت قاسية وموجعة، على الرغم من أنّها الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذه الدنيا الزائلة.
وأمام هذا المصاب الجلل تُقال الكثير من عبارات الرثاء التي تنتقي أكثر الكلمات إيلامًا، والتي تعبّر عن مكنونات القلوب بقدر قرب المتوفّى من كاتب تلك الكلمات.
وعليه، سأختار طوعًا وعن قناعة تامّة العبارة التي كنت تناديني بها، ألا وهي: يا صديقي…
صديقي الغالي منيف، أأبكيك أم أبكي نفسي وحالي وذاتي؟!
أم أحزن على فراق من عاش معي الظلم لليالٍ طويلة؛ فكان المدافع الصلب الذي لا يخشى في الله لومة لائم.
وكان القوّة الحقيقيّة الضاغطة التي فرضت البراءة على أعلى المحاكم وأكبرها شأنًا.
وكان النبراس الساطع الذي أنار عتمة الطريق أمام الصديق والزميل والخلّ الوفيّ.
شيخ العارفين منيف حمدان:
في محراب عدلك وعلى يمين القوس، وأمام زهوة المنتصر بالحقّ تضيع الكلمات أمام زخم الذكريات، وتضيق العبارات تجاه الكمّ الهائل من شذى عطر نباغتك، وجونة مسك نبوغك، وزبرجد عود روحك وريحانك.
أيّها الحاضر بروحك الراضية المرضيّة المطمئنّة.. غياب جسدك قد يبعد مسافة اللقيا.. أمّا قرب روحك فسيؤسّس حتمًا إلى اللقاء في عالم البرزخ والإيقان وأمام العظيم الرحمن.
حضرة القاضي الفاضل،
رحم الله تلك الروح الطاهرة التي تركت فينا أعذب الذكريات.
وسقى الله تلك الأيّام والليالي التي كنّا فيها على خير حال، لا وجع ولا فراق.
إنّ الموت هو حكمة الله في خلقه، وكلّ من عليها فان.
وإزاء هذا الخطب الأليم لا نستطيع سوى الصبر على المكاره.
تتكاتف الحروف لتؤلّف بعض كلمات لتزيدني بكاء فوق أحزاني. بيد أنّ حضور طيفك يا صديقي رسالة من لدن عزيز مقتدر، وهي الدليل أنّك باقٍ في قلبي وعقلي ما دمت حيًّا، على أن نلتقي عند الحكم العدل حيث لا ظلم ولا عدوان.
وحتّى نلتقي أقول لمن ألقى السمع وهو شهيد:
كلّ نفس ذائقة الموت، وإنّما تُوفّون أجوركم يوم الدينونة الكبرى. فاعتبروا في دنياكم قبل مماتكم. وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا. وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.
أمّا أنت يا صديقي فقد حللت ضيفًا كريمًا على الحنّان المنّان، الذي يعلم السرّ وأخفى، ويعرف خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهو أرحم عليك من سائر المخلوقات، ويعلم طهرك ونبلك وسيكرم مثواك.
نم قرير العين في عليائك، ولن نقول أكثر ممّا قاله النبيّ العربيّ محمّد في رثاء ابنه إبراهيم:
إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليخشع، وإنّا على فراقك لمحزونون.
“محكمة”- الثلاثاء في 2024/12/3