مواقف وطرائف القضاة والمحامين: أقصر محام في العدلية/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بناء على طلبي كتب المحامي عبدالله قبرصي ما يأتي: الأستاذ جوزيف شماس هو المحامي الأوحد على ما أذكر، الذي كان أقصر مني قامة في قصر العدل. كان محاميًا لامعًا يترافع بالفرنسية بطلاقة ملفتة للنظر، وكان محبوبًا ومحترمًا في كلّ المحاكم وبخاصة المحاكم المختلطة.
كنت حاضرًا المحكمة وكان الأستاذ جوزيف واقفًا وراء الفاصل بين المحكمة والمحامين، ويترافع بصوت عال. كان الرئيس ارين يصغي باهتمام ولكنّه فجأة غضب وصاح بالأستاذ شماس:”استاذ شماس، نرجو منك أن تقف لا أن تتكلّم قاعدًا”.
وضجّت القاعة بالهرج عندما تقدّم الأستاذ شمّاس من وراء الفاصل وقال للمحكمة:”اني لا أترافع قاعدًا، أنا واقف كما ترون”.
***
صرنا نتكل عاتيابنا
كنا مجموعة من المحامين نجلس في غرفة عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت المحامي بطرس ضومط قبل أن ينتخب نقيبًا للمحامين، عندما دخل نقيب المحامين الأسبق عصام كرم، فقال له المحامي جان سلوان:
– ما هذه الأناقة يا حضرة النقيب؟
فابتسم النقيب كرم وقال:
– سوف أروي لكم الطرفة الآتية: كان القاضي الكبير المرحوم بطرس نجيم ينوي مرّة حلاقة ذقنه أمام المرآة عندما قال له ابنه المحامي شارل نجيم إنّه مستعجل لأنّه سوف يذهب إلى كلّية الحقوق وقد تأخّر. فقال له القاضي نجيم إنّه هو أيضًا تأخّر عن موعد الجلسات في قصر العدل. فابتعد المحامي شارل عن المرآة وقال لوالده مازحًا بما معناه أنه أصبح في سنّ متقدّم وما عليه إلاّ الإعتناء بنفسه أمام المرآة. فأجابه نجيم بهذين البيتين من الشعر:
شبنا، وطوينا عالشباب كتابنا وما عاد ينزل بالحساب حسابنا
كنا نلبسنا تيابنا تنحلي التياب واليوم صرنا نتكل عاتيابنا
***
السمين
وبناء على طلبي كتب المحامي الياس كسبار ما يأتي:
كان الدكتور بول أشهر طبيب شرعي في الثلاثينات من القرن الماضي، وكان رغم طبيعة عمله في الكشف على الجثث وتشريحها إنسانًا مرحًا جدًّا.
في يوم من الأيّام، كان الدكتور بول يقطع أحد شوارع باريس، عندما كادت سيّارة تقودها سيّدة شابة تصدمه بسبب السرعة. فتوقّفت السيّارة وصرخت له السيّدة:”إنتبه أيّها السمين” Attention le gros ولحسن حظّه، تمكّن الدكتور بول من الإستحصال على رقم السيّارة وبالتالي، من معرفة اسم صاحبتها وعنوانها. فأرسل لها برقية يقول فيها:”إنّ السمين يا سيّدتي يوجّه لك تحيّاته ويضع نفسه في تصرّفك.
التوقيع – الدكتور بول – طبيب شرعي”. (خصوصًا وأنّ مهمّة الطبيب الشرعي تشريح الجثث).
بعد فترة، تلقّى الدكتور بول رسالة من زوج تلك السيّدة يقول له فيها:”منذ تسلّمت برقيتك باتت زوجتي تقود سيّارتها بكلّ روية وحذر. شكرًا لك”.
***
تكريم غنطوس
على اثر إحالة القاضي جورج غنطوس على التقاعد، كرّمه رئيس المجلس العام الماروني المهندس ريمون روفايل. وفي المناسبة، ألقى ممثّل رئيس الجمهورية الوزير بهيج طبارة الكلمة الآتية:”عرفتك محاضرًا منذ أعوام طويلة ثمّ تعاملت معك كوزير للعدل خلال ستّة أعوام وتتبعت المراحل التي مررت بها في أثناء عملك كقاض منذ عام 1963 حتّى أواخر العام الماضي، وتتبعت المناصب التي شغلتها وما تركت من بصمات مضيئة ولا سيّما في القضاء الجزائي الذي أصبحت مرجعًا كبيرًا فيه (…) إنّ هذه المناسبة ليست مناسية وداع قاض كبير، بل هذا اللقاء هو تظاهرة محبّة وتقدير واحترام لك ولما بذلته من جهد ومثابرة ومساهمة في رفع شأن دولة القانون”.
وتناول طبّارة القضاء وقال:”بالتعاون التام والكامل مع مجلس القضاء الأعلى الذي هو المرجعية الوحيدة للقضاء العدلي. سنعمل على تعزيز ثقة الناس بهذه المؤسّسة وتعزيز ثقة القاضي بنفسه وتحصين استقلال هذه السلطة التي دونها لا وجود لدم أساسي. لكنّنا مجلس القضاء الأعلى وأنا ندرك تمامًا أنّ ثقة الناس لا تكتسب بالكلام والخطابات وإنّما بالجهد الدؤوب واليومي والممارسة اليومية واعتماد سياسة العقاب لمن أساء إلى هذه المؤسّسة والثواب لمن أحسن إليها”.
“محكمة” – الجمعة في 2021/4/2