مواقف وطرائف القضاة والمحامين: رخّص لي بمحبّة ولكن/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
النقيب المرحوم عصام كرم إلى كونه قانونيًا ضليعًا قوي الشكيمة، سليم الحجّة، معروف بأنّه أديب مرموق مالك ناصية اللغة العربية وآدابها، سلس الكلمة، محدّث لبق، سريع الخاطر وعفوي النكتة. كان أثناء إشغاله منصب النقيب يطلب من أعضاء مجلس النقابة إبداء ملاحظاتهم بشأن أيّ مشروع يطرح على المجلس.
وكان أحد الأعضاء في المجلس المحامي المرحوم أمين الخوري عندما يبدأ بالتعليق على المشروع يطنب في ذكر حسنات هذا المشروع وفوائده العميمة، ثمّ يردف في نهاية المداخلة قائلًا: ولكن! ليمضي من بعد في نقد المشروع. إلى أن أضحت هذه الكلمة “ولكن” مصاحبة لحضور الأستاذ أمين الخوري كلّ جلسة. وكان النقيب كرم عند كلّ مداخلة يقول بينه وبين نفسه وفي مثل الهمس:”نجّانا الله من ولكن”.
وكان النقيب الشيخ ميشال خطّار يحثّ في كلّ مرّة زميله الجالس بجانبه إلى طاولة الاجتماعات على اختصار المداخلة ليس لعدم استحسانه لها، بل وقاية من “ولكن”. فإذا ما انقضت المداخلة من دون “ولكن” إنفرجت أسارير النقيب كرم وقال: الحمد الله، الحمد لله. وأما إذا أطلّت “ولكن”، أمعن النقيب في الإصغاء حتّى نهاية المداخلة ليقول: الحمد الله، الحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه!
* * *
رخّص لي: للمحامي نبيل طوبيا
كان عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت لعدّة سنوات المحامي المرحوم نبيل طوبيا، قوي الشخصية، متمكّنًا بعمق من قانون تنظيم مهنة المحاماة ونظامها الداخلي وبقيّة أنظمتها، وكذلك من المواضيع المتصلة بأعمال النقابة وما يتفرّغ عنها.
وفي جلسات مجلس النقابة، كثيراً ما تأخذ المواضيع المطروحة حيّزًا كبيرًا من المناقشات، وخصوصًا في أذونات الملاحقة وما يسمّى برفع الحصانة من عدمها، والأمور المالية. وفي مرّات عديدة، وكان يرفع المرحوم نبيل يده ليأخذ الكلام بالتزامن مع استعماله كلمته الشهيرة: رخّص لي (أي إسمح لي بالكلام). فنسمع معالي النقيب رمزي جريج يتمتم بصوت خافت جدّاً:
– الله يستر.
* * *
بكل محبّة: للمحامي ناضر كسبار
والشيء بالشيء يذكر. منذ دخولي مجلس نقابة المحامين في بيروت، وأنا أبدي ملاحظاتي وآرائي بهدوء ملحوظ، وباختصار كلّي تماشياً مع نصيحة معلّمي المحامي المرحوم أوغست باخوس الذي كان يقول لي:”ما تصرف بنزين عالفاضي”.
ومنذ ولاية النقيب جورج جريج، بدأت استعمل قبل البدء بمداخلاتي كلمة: بمحبّة. وبعدها أعرض الأمور بتسلسل وجدّية وهدوء. وأنهي مداخلاتي أحيانًا بعد أن أكون قد نسفت الإقتراح من أساسه، لدرجة أنّ النقيب النشيط جورج جريج، وما ان انتهيت مرّة من إحدى مداخلاتي، حتّى قال لي:
– حبيب القلب. إذا بمحبّة وهيك. فكيف إذا مش بمحبّة.
وكانت هذه العبارة كافية لتضفي جوّاً من الراحة والفرح والانشراح داخل المجلس.
“محكمة” – الجمعة في 2021/1/29