موزانة بلا قطع حساب.. تعارض مع القانون والدستور
كتب جهاد إسماعيل:
بدا واضحاً أنّ معظم القوى السياسية أصبحت متفاهمة على “تغطية” الفساد وتبريره، لا بل تمريره بأطر مالية شكلية أمام الرأي العام، وتقديمه في سياق إضطراري كالعادة، من دون أن تكون هناك إمكانية في المحاسبة والمساءلة مع بعض الاستثناءات الواردة في دائرة المزايدات الإعلامية والإنتخابية!.
وهذا ما ظهر جلياً في الجلسات التشريعية العتيدة، عندما أراد كلّ أركان الطبقة السياسية تصوير المخالفات والخروقات المالية على أنّها من فعل الغير، وأنّ كلّ فريق سياسي لديه ملاحظات لا تحصى حيال الأداء الراهن، بهدف إبراء الذمّة السياسية من ويلات الإنقسامات أو الصفقات المشبوهة أو الهواجس الإنتخابية والشعبوية!.
إلاّ أنّ إبراء “الذمّة المالية”، بات مستحيلاً بعد أن كشف السياسيون حجم مساهمتهم في إدارة عناوين الهدر والاختلاس والمحسوبيات وما شابه، من خلال الإتفاق السياسي عموماً على تصديق ما تمّ سرقته أو اختلاسه في الفترات السابقة، وذلك عندما تصدّرت لذّة الوفاق على رياح الشقاق جرّاء إقرار الموازنة العامة لعام 2017 في ظلّ غياب قانون قطع الحساب السنوي، وهذا ما لا يمكن قبوله من الناحية المالية والحقوقية.
فعلى صعيدي المالية والأطر الحقوقية، يفترض قبل إقرار الموازنة العامة، السير، وفق النصوص، بالإلتزامات التالية:
• وجوب عرض حسابات الإدارة المالية النهائية لكلّ سنة على المجلس النيابي ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة.
• وجوب إرسال قطع حساب الموازنة إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة المنوي إقرارها.
• وجوب قيام مديرية المحاسبة العامة بإرسال حساب المهمّة العام إلى ديوان المحاسبة قبل أوّل أيلول من السنة التي تلي سنة الموازنة.
• وجوب تنظيم الحسابات بجداول بعد أن يتمّ إرفاقها بتقرير من ديوان المحاسبة، ورفعها مع مشروع الموازنة إلى مجلس النوّاب بهدف إقرار قطع الحساب قبل إقرار مشروع الموازنة.
• وجوب إحالة مشروع قانون قطع الحساب من قبل الحكومة إلى المجلس النيابي قبل أوّل تشرين الثاني.
وبالتالي، فإنّ عدم إتباع هذه الإجراءات من شأنه أن يؤدّي إلى المسارات التالية:
• تداعيات سلبية على تطبيق القوانين والمالية العامة، وتشريع سابقة تقضي بتمرير الموازنة قبل قطع الحساب.
• تغطية الفساد والهدر أكثر فأكثر في إدارات الدولة ومؤسّساتها العامة.
• إضفاء الشرعية على كلّ ما تحقّق من عمليات سرقة وهدر بمبالغ تتجاوز 20 ملياراً.
• تهديد مالية الدولة جرّاء تعطيل المسؤولية المالية العامة سواء لعدم إحصاء الأرقام المالية التي تحقّقت، أو في تقدير معدّل الدين العام بصورة واضحة، ما قد يخلق عمليات استدانة جديدة بمنأى عن مراقبة أجهزة الرقابة أو الرأي العام.
لذلك، فإنّ فصل الموازنة عن قطع الحساب في ظلّ الواقع الحالي من شأنه أن يحول الدولة إلى دكاكين مالية ومقوننة، ما قد يولّد أزمات متتالية على صعيد قدرات المالية العامة، ويجعل من الفساد بكافة أشكاله كحالة طبيعية لا تحيا إلاّ بزواريب السرقة والرشاوى وما شاكل، ويضع المواطن أمام فرصة جديدة من الجراد المعيشي، فهل ستفكر الناس بهذه الفضائح أثناء الاستحقاق النيابي القادم، أم أنّها ستخضع مجدّداً إلى عمليات جراحية لاستئصال الوعي السياسي والحقوقي؟!.
“محكمة” – الجمعة في 2017/10/20.