ميشال اده.. الوجه الجميل في السلطة وفي المجتمع/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
نادراً ما نلتقي شخصية تجمع العلم والتواضع، الثروة المالية والكرم المفرط خصوصاً في الأعمال الإنسانية، السياسة والمصداقية.
هكذا كان الوزير المحامي ميشال اده. الوجه الجميل في السلطة وفي المجتمع اللبناني. علم وافر، ثقافة لا مثيل لها، كرم لافت، إنسانية مفرطة، لهفة محببة، نزاهة فكرية، هضامة ولا أروع بحيث تتمنّى ألاّ تنتهي معه الجلسة.
في العام 2017، قمت بزيارته مع وفد من جمعية متخرّجي كلّية الحقوق في الجامعة اليسوعية في دارته في اليرزة. لدى الوصول إلى منزله الكائن في الطابق الأوّل من بناء مؤلّف من طابقين، وهو مستأجر من قبله منذ عشرات السنين، لفتنا التواضع في مدخله وجميع أرجائه، وبادرنا قائلاً: إنّ عتبة هذا المنزل كان وجهها خيراً عليّ، ولذلك حاولت المستحيل لشرائه إلاّ أنّ المالكة لم توافق على البيع. ولا أزال مستأجراً، ومنذ اليوم الأوّل لدخولي إليه بدأت الوكالات المهمّة تنهال عليّ من قبل أهمّ الموكّلين.
ويضيف الوزير إده أنّه يعيش حياة عادية. وأنّ موديل سيّارته يعود 15 سنة إلى الوراء. أمّا إبنه سليم وهو ثري جدّاً جدّاً، فهو أيضاً متواضع، وعندما يأتي إلى لبنان ينام في إحدى غرف منزل والده، وهو لا يحبّ أبداً حياة البذخ والتبذير. ويروي الوزير إده وقائع حول أسلوب عيشه المتواضع جدّاً وكذلك أسلوب عيش ابنه سليم، بشكل يثير الدهشة والتساؤل: هل لا يزال هناك أناس سوبر أثرياء ومتواضعون إلى هذا الحدّ وكأنّ لا شيء يعنيهم من بهرجات هذه الدنيا؟
كان يمكن لهذه الأسئلة أن تمرّ، وأن يعتقد من يستمع إلى معاليه أنّه يحبّ الاحتفاظ بثروته الطائلة، إلاّ أن تدخّل أحد الحاضرين المحامي فادي شلفون الذي يعرفه جيّداً، يروي كم يتبرّع معاليه لجمعيات ونقابات ومؤسّسات وغيرها وغيرها، وهي توازي عشرات الملايين من الدولارات. فتصعق وتقول: هل يا ترى هو الأكرم وفاعل الخير الأوّل في لبنان؟
وفي العام 2019 قمنا أيضاً بزيارته، وكانت جلسة امتدت لأكثر من ساعة حيث أخبرنا أنّه لم يدخّن أيّ نوع من الدخان، ولو على سبيل التجربة، كما أنّه لا يعرف طعم الكحول على أنواعها، وأنّه وأفراد عائلته ينامون في الثامنة مساء ولا يحبّون السهر.
الأكل المفضّل لديه هو الأجبان على مختلف أنواعها. وفي هذا المجال يقول وهو يضحك: لقد أوصيت في وصيتي أن أدفن في الأجبان.
أثناء الحديث معه، يدخل أحد مساعديه وهو يحمل ورقة ويسلّمه إيّاها. شخص من منطقة بعيدة يطلب مساعدة مالية.
يتكلّم عن علاقته بالرؤساء إده والخوري وشمعون وشهاب والحلو وفرنجية وسركيس. علاقة مودة واحترام حتّى ولو اختلفت الآراء في بعض الأحيان. ويؤكّد أنّ بعضهم قد توفّى وليس لديه ثمن سيّارة أو شقّة وهذا ما تبيّن لاحقاً لدى افتتاح التركة. ويستشهد بقول لكونفوشيوس: إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟
كما يتكلّم عن علاقته مع زملائه الوزراء ومع كبار المسؤولين، وكم كانت هذه العلاقة تنمّ عن كبر وأصالة ورقي، لم نعد نلمسها في عصرنا الحاضر إلاّ لماماً. وذكّرني كلامه بمقابلة أجرتها إحدى الإذاعات مع الأديب الكبير المرحوم جورج جرداق والتي دوّنتها في كتابي حول طرائف القضاة والمحامين، عندما سألته المذيعة عن رأيه في مستوى اللغة العربية فأجابها:”قديماً كان البستاني والمنذر وعبد الساتر وغيرهم يدرّسون اللغة العربية واليوم يولا تدرّسها. فما هو رأيك بمستوى اللغة العربية.”
وأثناء الاجتماع يسأل معاليه عن المنح التي تقدّمها الجمعية للطلاّب، فيجيبه رئيس الجمعية القاضي السابق عبّاس الحلبي أنّها تقدّم المبلغ الفلاني الذي كان يكفي لدفع نصف قيمة القسط. أمّا حالياً فإنّ هذا المبلغ لا يكفي إلاّ لدفع قسم قليل من القسط الجامعي. فيسحب ورقة ويحرّر شكاً بمبلغ محترم جدّاً ويقول تابعوا في دفع القسم الكبير من قيمة القسط الجامعي. فالطلاّب هم مستقبل البلد.
برحيل معالي المحامي ميشال إده، نخسر الأب والأخ والمرشد والمساعد في الأعمال الخيرية والإنسانية.
تعازينا الحارة للبنانيين ولأفراد عائلته وخصوصاً لزميلنا في مهنة المحاماة وفي الهيئة الادارية في جمعية خرّيجي حقوق اليسوعية الدكتور كريم طربيه. الله يرحمه.
“محكمة” – الاثنين في 2019/11/4