ميشال ليان وداعاً
كتب علي الموسوي:
عرفت ميشال ليان محامياً مترافعاً في المحاكم اللبنانية، وخصوصاً أمام محكمة المطبوعات في دعوى العماد ميشال عون، وكان بعْدُ يطمح إلى الوصول إلى مقرّ الرئاسة الأولى في بعبدا، على رئيس الجمهورية الأسبق إلياس الهراوي، وواكبته نقيباً حريصاً على إعلاء شأن رسالة المحاماة وترسيخ القانون في بلد ضاقت به رحابة الكون من شدّة اختناقه بالحروب والخلافات.
وفي هاتين الضفّتين المزيّنتين بثوب المحاماة، لمع نجم إبن مدينة زحلة كواحد من فرسان الكلمة الحرّة، ودعاة نبذ العصبية إلاّ لمساندة الحقّ أينما يمّم وجهه وحلّ وسكن. وقد تختلف معه في تحديد مفهوم هذا الحقّ بحسب وجهة النظر والمسألة المحكى عنها، لكنّك لا تستطيع إلاّ أن تقدّر موقفه ورأيه المنطلق من ضمير حيّ في وقت انطفأت فيه حرارة الحياة وشعلة الإنسانية لدى كثيرين من أهل السياسة والقانون.
ربطتني صداقة قويّة بالنقيب ميشال ليان الذي لم يستقبلني مرّة إلاّ والإبتسامة تعلو وجهه، سواء خلال الالتقاء به في ردهات قصر عدل بيروت، أو إبّان وجوده في صرحه النقابي، أو في فترة مرضه واعتلاله صحّياً في زياراته القليلة إلى حيث منبت الهوى والولع في العدلية ونقابة المحامين.
ولا أكشف سرّاً إذ قلت إنّني “خرجت” عن موضوعيتي المهنية وساندت ميشال ليان إعلامياً في معركته النقابية في انتخابات المحامين يوم كُتب له الفوز في العام 1999، وذلك بدافع الصداقة أولّاً، وحنيني ثانياً، إلى مدينة زحلة التي تعلّمت المرحلة المدرسية النهائية في ثانويتها الإنجيلية الرابضة في علياء مجدها التثقيفي، وخروجه عن “التقليد المتبع” باستقالته من عضوية مجلس نقابة المحامين في دورة العام 1998-1999 تمهيداً للترشّح لمنصب النقيب، ليحلّ مكانه محام مسلم هو الرديف في انتخابات 18 تشرين الثاني 1998 جميل الحسامي ولسنتين متتاليتين، فيما غيره لا يترك مقعده حتّى ولو أمضى سنين طويلة، ولو لمحام من طائفته، في بلد تتآكله الطائفية من كلّ حدب وصوب!.
وخلال تجهيزه للانتخابات المخصّصة لمنصب النقيب، طلب الرئيس إلياس الهراوي من ليان على ما روى لي ذات جلسة عامرة بعبق الودّ والياسمين، أن يجول على المرجعيات السياسية من أجل الوقوف على “رؤيتها” لترشّحه وتحصيل دعم سياسي وحزبي منها، فزار من بين مَنْ شملتهم الجولة، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي استغرب كيف أنّ نخبة أهل المجتمع في لبنان من المحامين “يتقاتلون” على حدّ تعبيره، في ما بينهم للوصول إلى العضوية أو منصب النقيب، وقد فات جنبلاط يومذاك أنّ نقابة المحامين هي أكبر رافد للسياسة في لبنان، فلمع نجم كثيرين منهم وفي طليعتهم صديقه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي.
وميشال ليان هو الوحيد بين نقباء المحامين في السنوات الأخيرة، الذي أمضى سنة واحدة في عضوية مجلس النقابة في دورة العام 1997-1998، ثمّ استقال ليعود نقيباً في دورة العام 1999-2000 وأكمل سنته الثالثة كعضو، بينما من أتى قبله ومن تلاه، ظلّ في العضوية السنوات المحدّدة له، قبل أن يترشّح لمنصب النقيب ويفوز به.
ولأنّ الموت حقّ لا يوازيه إلاّ الحقّ بالحياة الكريمة، باعتبار أنّه انتقال إلى جوار الملكوت الأعلى، لا يمكن إلاّ التسليم به مشيئةً مكتوبةً من ربّ رحيم لكلّ بني البشر، وإنْ كان الفقد صعباً، لذلك لا يسعنا إلاّ الترحّم على ميشال ليان النقيب الجريء وصاحب المواقف الصلبة والإبتسامة الرقيقة.
• توفّي النقيب ميشال فوزي ليان يوم الثلاثاء الواقع فيه 10 كانون الثاني 2017، بعد صراع مع مرض عضال، وشيّع في اليوم التالي إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه زحلة.
نال إجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف”اليسوعية”، وانتسب إلى نقابة المحامين في بيروت متدرّجاً في مكتب نسيبه عضو مجلس النقابة نقولا ليان، ثمّ استقلّ في مكتب خاص به، ، ورقمه النقابي على الجدول العام هو 1992.
إنتمى ليان إلى حزب “التنظيم”، وعمل وكيلاً قانونياً لرئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي في غير دعوى بينها تلك التي رفعها ضدّه العماد ميشال عون في العام 2002 أمام محكمة المطبوعات في بيروت واستمرّت إلى ما بعد وفاة الأوّل باستمرارها بوجه الورثة.
تابع عمل المحكمة الخاصة بلبنان وكان من أشدّ المناصرين لقيامها، وذهب أكثر من ذلك بالتنظير لأحقّيتها في الوجود، وشارك في غير مناسبة تتعلّق بها، وقدّم المداخلات القانونية المطبوعة بالسياسة حولها وعنها. وساهم في تأسيس “ندوة محامي 14 آذار”. كرّمته نقابة المحامين مع آخرين في تشرين الأوّل 2016 لمرور خمسين عاماً على ممارسة المحاماة. تزوّج من السيدة صونيا ولهما ثلاثة أبناء هم: المحامي فوزي، والمحامية زلفا، وماريا.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14 – شباط 2017).