مَسْح قانون الإنتخاب بالميرون الدستوري
كتب النقيب عصام كرم:
عندما يصرّ رئيس الجمهورية على وضع قانون إنتخابي تجري وَفق نصوصه الإنتخابات في موعدها، أنا أفهمه. وأُصدّقه. لأن ميشال عون يعرف اللعبة اللبنانية. فليس ذلك حكراً على المدنيين من أهل السياسة. قبل إيزنهاور وديغول، نابوليون الثالث، الآتي بانقلاب، ألمحترب في القرم وفي الصين، ألمساعد إيطاليا على خفض هيمنة النمساويين، كان أول رئيس جمهورية … في فرنسا. وفي العالم.
ميشال عون يعرف أن كل رئيس جمهورية … في أيام العزّ … كان يحلّ المجلس النيابي الذي انتخبه ويجري إنتخابات تأتي بـ ” مجلس العهد ” . كميل شمعون . فؤاد شهاب . سليمان فرنجيّة . وكان الرئيس … رئيس أيام العزّ … يكتب ، هو ، مشروع قانون الإنتخاب . لأن في ذلك تكريسا” لهيبة السلطة المركزية وإثباتا” لوجودها .
ولو قُدِّر لـ ميشال عون أن يحلّ المجلس النيابي ، ما كان قصّر . لأنه لا يحمل هذا المجلس في قلبه … المجلس غير الشرعي المستمرّ ” وجوده ” بفعل التمديد . ألمفوّض السامي، هنري بونسو، ما كان يرتاح لدستور 1926 . فلما “لاح له الكفّ” عطّل الدستور .
* * *
أنا أعرف أن الزمن يتغيّر . والناس يتغيّرون . والمبادىء … حتى هي … تتغيّر . فالخصم والعدوّ … يصير وليّا” حميما” . والعناوين تُنسى … وحتى التفاصيل . فيصير ” الإبراء المستحيل ” إبراء ممكنا” . والـ 11 مليار التي تقاسمها النسور تسقط من ذاكرة الحفظ لتحطّ في ذاكرة النسيان . منذ كان على المليارات الأحد عشر كلام ، كان العارفون يقولون إن الصمت سيعقب الكلام، لأنّ النسور تقاسمت جلّد الطريدة.
ألزمن يتغيّر . والناس … ألذين كانوا ضدّ الطائف … المعلَنين منهم والمستورين … صاروا يطالبون بتطبيق بنود الطائف كاملة ً والذين كانوا يحملون على فؤاد شهاب بشراسة، صاروا يستذكرون الرئيس الذي بنى هيكليات ساعيا” إلى بناء دولة . ولا يستغربنّ أحد أن يأتي يوم يعود ناقدو إميل لحود إلى الحكي عن مواقفه. أغلق الهاتف في وجه مادلين أُولبرايت . رفض وضع تليفون أحمر في بعبدا عرض وضعه جاك شيراك . لأنّ الرئيس الفرنسي ، يومذاك، شاء نفسه عرّابا” لحكّام شباب … من ملك المغرب إلى الرئيس السوري إلى رئيس لبنان .
في السياسة كلّ شيء يجوز . لينين وقّع معاهدة ” بْريست ليتوفسك “. بوانكاري جاء بـ كليمنصو رئيس حكومة إبن الستّ والسبعين يتأكلّه السكرّي … وكانا على عَداء .
* * *
والألسن تُحلّي الكلام . مثل الفيلتر … يحوّل الماء الآسن إلى ماء صافٍ سلسبيل ، ولو عُرف عن هذا اللسان أنه حاد ٌ حرفه كمثل المقصلة .
في قراءتي هنري دو منترلان عرفت أنه حفظ جملة من كتاب ” كو فادس ” للكاتب البولوني هنريك سيينكييفيش : من عرف كيف يتعامل مع الحياة يجب أن يعرف كيف يتعامل مع الموت .
* * *
تصديق قانون إنتخابي يعني الحفاظ على مهابة الحكم المركزي . والكلام على قانون عادل عصري يقتضينا أن نُخضع العبارات للتفسير . ألقانون العادل يعني ، حتما” ، تأمين العدل للجميع . مع العلم أن من حق كل فريق أن يطلب العدل لنفسه أولا” . والعصرنة … خلّونا من هذا الكلام الآمل على بعض مسافة . مجلس نيابي بريء من اللوثة الطائفية … جاء في صكّ الطائف يعقبه مجلس شيوخ . مجلس نواب بلا تقاسُم طائفي ؟ يعني أننا ذاهبون إلى العلمنة . فردينان بويسّون ، معاون جول فيري ، حدّد العلمنة بأنها حالة حياد بين المعتقدات مستقلّة عن رجال الدين متحرّرة من كلّ رؤية لاهوتية .
هذا ممكنٌ في لبنان الثماني عشرة طائفة يرعى كلاّ ً منها وليٌّ فقيه ؟
ثمّ … أيّا” كان القانون … فماذا سيتغيّر ؟ بعض الوجوه التي لا تزيد حضرتها على حضرة حرف الواو بـ عمرو … تُكتب ولا تُلفظ … والطائفة ، دائما” ، هي الكيان الذي يتحرّم مَسُّه . ولا نحكي عن الأحزاب . رئيس الجمهورية يدعو إلى انتخاب الأحزاب ، لا الأشخاص. هذا عندما تفتقد الأحزاب إيديولوجيا توفّق بين ا”لإجتماعي” و “المجتمعي” . هذا يصحّ عندما تبطّل الأحزاب ” حزبيّات ” . عندما يبطّل الحزب حزب رئيس الحزب . عندما تختار الأحزاب مرشّحيها على معايير الكفاية ، لا على معايير الولاء .عندما يصير المجتمع المدني عمارة لا يلعب بأساسها اللاّعبون المعروفون . فيزوّقون خيارهم ويُلبسونه بردة المجتمع المدني . يوم نصير نعرف من يحرّك الحراك المدني المرتدي غلالة التجدُّد والتجديد .
نعم … يا سيّدي الرئيس … عند ذاك، ننتخب الأحزاب. أما يوم الأحزاب محسوبة على أسامٍ لا قيام لها من دونها، فاسمح لنا ألاّ نفعل. لأننا، معك، لا نكون حقّقنا الصبوة التي تعيش برارة” في تَوْق الصالحين .
* * *
ألعالم كلّه يعيش نفسية الآزمة . أللامساواة تترسّخ . ألخوف من اللاجئين يتعاظم . أوروبا التي كانت ” صغيرة ” في رؤية ستالين ، ألمريدة نفسها آخر الموهيكان تيمّنا” بقصة جايمس فيلينور كوبر ” آخر الموهيكان ” … الشعب الأميركي المنقرض الذي ما كانت تُجلب سيرته لولا هذا الكتاب … أُوروبا تصغر في عين دونالد ترامب المتلاقي مع فلاديمير بوتين على تعزيز الدولة وتسفيه التدويل … فينزل القانون عن أريكته لتقتعد الدولة الأريكة المنيفة .
* * *
قانون إنتخاب في الساعة الأخيرة؟ كان ذلك يحصل في زمن الوجود السوري في لبنان. قانون كلّ أربع سنوات، ولو أُطيح مبدأ مَسْح قانون الإنتخاب بالميرون الدستوري.
… ويضحك الشارع: من يعجز عن الزبالة يقدرعلى قانون الإنتخاب؟.
يا ليت ! وأقولها من كلّ قلبي.لأني أُريد النجاح للعهد ولـ لبنان!