مُقاربة فلسفية للواقع السياسي والإجتماعي في لبنان/حلا كبارة
المحامية حلا كبارة:
في مُقاربة الواقع السياسي والإجتماعي اللبناني، لا بدّ من بحث لأنطولوجيا “الوجدان”، والفكر اللبناني بحث في الكينونة والإنسان اللبناني بالمعنى السارتري الفينومينولوجي حيث تنشغل “بما هو كائن” وبما يبدو لنا.
ونقصد بالفكر اللبناني كلّ ما هو نتاج لوعي الناس الذين يؤمنون بفكرة “لبنان الوطن والدولة” وكلّ ما هو نتاج الوعي المنسجم مع هذه الفكرة، لأنّ الأسبقية الفكرية هي الوجدان الإنساني في الكينونة الفردية حيث التجربة التاريخية وما تجلّت لمظاهر إنعكست على السلوك وطريقة التفكير وشكّلت “النسق اللبناني”. لأنّ موضوع الفكر هو الحقيقة المبنية للكيان والبُعْد الأنطولوجي وهو يعاين الكينونة المرتبطة بذات الكائن والإنسان اللبناني، من خلال بحث بعض خصوصيات الشخصية اللبنانية التي شكّلت “الهويّة الذاتية”.
سأعمد إلى تحليل المعضلة المزمنة تحليلًا سياسيًا مبنيًا على الواقع الإجتماعي، والديمغرافي من خلال الإضاءة على “التناقضات” داخل هذا الواقع ترسمها الجدلية الهيغلية التي تكبّل الوطن، توليفة تنطوي على “المساومة” والتكاذب الوطني “بالعيش المشترك” مقابل مذهب “يؤسّس فرادة الشخصية اللبنانية”، ومن خلال بحث “طبيعة السلطة” وحكم الطوائف وملامح العقد الإجتماعي ما بعد “الطائف” والديمقراطية التشاورية القائمة على “المساومات”، من خلال الحقائق الأنثروبولوجيا الدينية والثقافية.
لبنان كيان قانوني ولد كفكرة جغرافيًّا وتاريخيًا وثقافيًا، البعض إعتبر أنّ الغنى يكمن في الإختلاف والتعدّدية مثل “شارل مالك وميشال شيحا”، حيث أرسيا فكرة البرجوازية الكولونيالية التي تناولت فرادة “اللبناني” وفرادة لبنان حيث التنوّع موضوع تلاقي والحرّية تشكّل صميم الكيان.
واتجاه عبّر عن اختلال هذا الكيان حيث يبدو الواقع السياسي والإجتماعي والقانوني معقّدًا ومربكًا حتّى “الإنهيار” فهو تركيبة “هجينة”. لبنان العتيق الرفيع في دعوته “الإنسانية الحضارية لكنّه ذليل في واقعه”، حيث برزت التعدّدية فيه لا غنى بل هشاشة تعبّر عن طبيعة التعايش القائم على “المساومات” فيه، متذبذب مختلّ لا تشفع ديمقراطيته القائمة في النصوص ولكنّ الديكتاتورية قائمة في النفوس، واللبنانيون لا يعبّرون سوى عن “ديمقراطية العجز اللبناني”، “مساكنة قهرية”، الذهنية “سلفية” التعصّب وانتهازية “الأخلاق”، ذئاب في الإنتصار “لهوياتهم القاتلة”، متشرنقين في الأنساق التاريخية دون مراجعة للذات النقدية ودون رغبة في فحص “الضمير الإصلاحي” في الوعي الجماعي، فالوجدان المساومي عاجز ولا يفعل شيئًا للخروج من أزمة “الكيان الهجين” أو للترفّع نحو “الحضارة” بعيدًا عن القبليات المحصصاتية التي جعلت منطق “القبيلة” يسود ويفرض “دوغمائياته”.
لم يكن لبنان دولة حديثة تحمل مقوّماتها وفقًا للعقد الإجتماعي حيث “الإرادة العامة” هي إرادة الكلّ، ومبدأ الفصل بين السلطات كما عبّر عنه مونتيسيكيو ملغي، ولم يحسم مبدأ السيادة كما عبّر عنها جان بودان، بل رسّخ الطائف “سيادات الطوائف” التي تحوّلت إلى “زبائنية” وتحوّلت السياسة من الصالح العام الذي عبّر عنه جون لوك للوصول للخير العام إلى ساحة صراع للمصالح الخاصة، ممّا ” ضيّق” فضاء “المواطنية” ليصبح الولاء للمنافع بدل أن يكون ممارسة “لفعل إرادي حرّ”، وأنتج نمط “حكم تشاركي” فتّت المركز السياسي وهو الدولة، وخلق محميات أمينة محظورة تترجم كلّ ما هو بعيد عن “الشرعية” أو “القانونية”، هذه السلطات الزئبقية اللادستورية إحتوت فسادًا أخطبوطيًا منتشرًا بكلّ أطياف المجتمع بعقلية معتلة كامنة في اللاوعي، إنّها سلطة متوارية ضمن هندسة خادعة وحضور بائس لمؤسّسات تستحقّ السخرية أُفرغت من مضمونها، لقد توقّف النظام السياسي الطائفي عن العمل وأصبحت أحكامه الدستورية غير قابلة للتطبيق من رفض القوى السياسية الطائفية التسليم بالأحكام الدستورية والقانونية.
ولن تقوم ثورة تحرّر اللبناني من العبودية ومن هذا السجن الكبير، فالصراع هو صراع قيم وثقافات وأخلاق وقانون…
ربّما نحتاج إلى أن نقرأ ماهية العقد الإجتماعي، ربّما بعقد إجتماعي جديد…أمّا لبنان الوطن فسيبقى دائمًا مسكن الله والإنسان.
“محكمة” – الإثنين في 2021/3/22