ناضر كسبار نقيب القلوب والإنسانية والمبادرات: إذا لم نكن قادرين على فتح الأوتوسترادات فلنقفل الحفر.. وهذه إنجازاتي النقابية
لُقب بنقيب القلوب والإنسانية والحكمة والإنجازات والمبادرات، نظراً لما يتمتع به من صفات. لم يتغير ولم يتبدل. بل بقي محافظاً على مبادئه، وهو الذي لم ينتمِ الى أي حزب او تيار او حركة. بل كان وبقي مستقلاً إيجابياً، وعلى علاقة جيدة ووطيدة مع الجميع. فمن لا مصالح شخصية له في اي ملف، هو الرابح الاكبر. ومن يكتفي بالمنصب الذي سعى إليه وعمل من اجله سنوات وسنوات، ولا يركض وراء المناصب الاخرى، هو الرابح.
النقيب السابق للمحامين في بيروت، ناضر كسبار، خريج كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية، وتلميذ المحامي والمشرع النائب اوغست باخوس. جاهد وكافح سنوات وسنوات في العمل النقابي، وبقي محافظاً على إستقلاليته، رافضاً التخلي عنها. كان البارحة في المنصب الذي سعى إليه لانه يحب الشأن العام، والشغل العام، والعمل النقابي، والمحامين، ونقابة المحامين.
وانطلاقاً من هذه المحبة، وهذه الحكمة، وما اكتسبه من خبرة، يعتبر من أنشط النقباء في تاريخ النقابة كما يجاهر بذلك مئات المحامين، الذين لا يتركون مناسبة إلا ويتكلمون عن الإنجازات المتعددة على مختلف الصعد.
بعد انتهاء ولايته، كان حوار العام مع النقيب كسبار:
س: أمضيت سنوات وسنوات تكافح للوصول الى منصب نقيب. فهل انت راضٍ عن اعمالك وإنجازاتك؟
ج: منذ إنتسابي الى نقابة المحامين، وكذلك منذ إنتخابي عضواً في مجلس النقابة، وانا اعمل على مختلف الصعد المهنية والنقابية والإجتماعية. كنت ولا أزال قريباً من زملائي المحامين ومن نقابتي. لا اغادرها، لا بل لا اغادر لبنان. إذ منذ إنتخابي عضواً في مجلس النقابة في العام 2006، آليت على نفسي عدم مغادرة لبنان، وكان هذا الامر متاحاً لي لتمثيل النقابة في مختلف البلدان، إلا انني التزمت بقراري بعدم السفر.
طبعاً، لن اعدد ما قمت به من نشاطات في الحياة المهنية والنقابية والإجتماعية، ولكنها كثيرة جداً جداً. ولا اعتقد ان احداً استطاع تلخيص 12 الف حكم وقرار، وكتب آلاف المقالات، كما مئات مقالات الرثاء وغيرها وغيرها. كما ان احداً لم يبق ثماني سنوات في محاضرات التدرج، ولم يعتلِ احد المنبر طوال هذه المدة اكثر مني. كل هذه الامور اكسبتني الخبرة والصبر وساعدتني على تخطي الصعاب.
يضاف الى ذلك ان وجودي 38 سنة الى جانب معلمي واستاذي المرحوم اوغست باخوس، اكسبني الحكمة وروح العطاء خصوصاً وان مكتبنا كان في بلدته البوشرية في المتن، وتعودت على لقاء وإستقبال عشرات المواطنين يومياً. وهذا الامر ساعدني على إستقبال زملائي المحامين بروح المحبة واللهفة.
وعندما انتُخبت نقيباً للمحامين، وضعت كل خبرتي وإمكانياتي في خدمة النقابة. ومشيت على المبدأ الذي تكلم عنه معالي النقيب رمزي جريج يوم انتخب نقيباً للمحامين.
س: وما هو هذا المبدأ؟
ج: عندما انتخب النقيب رمزي جريج، وفي الجلسة الاولى للمجلس، سألنا عما إذا كان محامياً ناجحاً. فأجبناه طبعاً وهذا امر معروف. فقال: لقد سعيت لمنصب نقيب طوال سنوات وانا محامٍ ناجح. ولن اقبل ان يقال عني اني نقيب فاشل، لان هذا الفشل سوف يمحو جميع إنجازاتي السابقة، بما فيها مهنياً كمحامٍ ناجح وسوف يقولون عني انني إنسان فاشل. وهو امر لن اقبله. وبالفعل كان نقيباً ناجحاً.
س: وهل استطعت تنفيذ برنامجك الإنتخابي؟
ج: كنت ولا ازال اقول ان من لا يستطيع فتح اوتوستراد، فليقفل الحفر على الاقل. عندما انتخبت نقيباً للمحامين كانت المصارف مقفلة واموال المودعين منهوبة ومسلوبة. ونقابة المحامين من ضمن المودعين، واموالها في المصارف. يضاف الى ذلك إضراب الموظفين، واعتكاف القضاة وتوقف عجلة القضاء عن العمل وتأثر المحامين والمستثمرين بالإعتكاف. كما ان الوضع العام غير مريح على الإطلاق، وحالياً لا رئيس للجمهورية، “وكل واحد فاتح على حسابو”. ومع ذلك استطعنا إنجاز عشرات المشاريع. والنقابة خلية نحل وتعمل ليل نهار من دون توقف.
س: ما هي أهم المشاريع التي قمتم بها؟
ج: بالرغم من جميع الظروف التي عددتها، فنحن كنا ننجز يومياً جميع المعاملات الإدارية وهي بالعشرات. إذ كنت امضي اكثر من ساعتين مع رئيس الدائرة الإدارية جوزيف شاوول، ومع المسؤولين عن الامور المالية، وننجز المعاملات بكاملها، وبالتالي لا تأخير على الإطلاق حتى في إعطاء الإفادات، او في إذونات التوكل او الطلبات او غيرها.
كما أنني ومنذ الشهر الاول لانتخابي درسنا وناقشنا في المجلس ملف الاتعاب واصدرنا دليلاً بها، وباتت الاتعاب “بالفريش”. كما اجريت عدة إتصالات بزملاء محامين تبرعوا بقيمة الرسم السنوي للمحامين المتدرجين. وزرنا جميع دور النقابة في المناطق، واطلعنا على احوالها، وقدمنا القرطاسية والكتب، وإشتراك الكهرباء، وغيرها. وقمنا بفرز الكتب التي قدمها محامون، قدموا مكتباتهم للنقابة، تمهيداً لأخذها معنا لدى زيارة كل محكمة في المناطق.
يضاف الى ذلك، تأليف اللجان المتعددة، والتي تجتمع بشكل دوري شهرياً. منها من يحضر مشاريع قوانين وهذا ما حصل فعلاً، وقدمنا سبعة مشاريع قوانين، ومنها يقيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات. وهذه اللجان تعمل بجدية لم يسبق لها مثيل. وطلبت من رؤسائها في الإجتماع العام لهم ألا يلتفتوا الى إنتقاد عدد لا يتعدى اصابع اليد والذين يفتشون عن وسيلة للسخرية المبتذلة دون ان يقولوا ما هي مآخذهم. فهل يريدون نقابة ميتة، لا تعمل ولا تتحرك ولا تبدي اي نشاطات؟. وعملنا على إصدار دليل جديد للمحامين، وقمنا بتحضير الإعلانات المتعلقة به حتى يُبرز المحامون البيانات الجديدة، من عناوين وارقام هاتف ثابتة وخلوية، وبريد إلكتروني وصور جديدة لهم. خصوصاً وان الدليل السابق مضى عليه ثماني سنوات، وعدد كبير جداً من المحامين قد توفى ومحامون متدرجون اصبحوا محامين بالإستئناف. كما ان مئات المحامين المتدرجين قد انتسبوا الى النقابة. وكلهم لا اسماء لهم في الدليل ولا عناوين ولا ارقام هاتف. كما اننا عقدنا عدة إجتماعات مع مدير عام وزارة العدل القاضي محمد المصري، من اجل إنشاء خيمة préau بين قصر العدل في بيروت وبيت المحامي بحيث يستفيد منها المارة صيفاً وشتاءً، ويتقون مياه الامطار والشمس الحارقة، وقمنا بإنشائها والجميع يشهد على اهميتها. يضاف الى ذلك إعادة تنظيم السجل التجاري حيث تعم الفوضى بشكل غير مقبول. خصوصاً وان هذا السجل يضم البيانات والقيود لعشرات آلاف الشركات والمؤسسات. ومعظم الملفات مرمية على الارض او بحاجة لأيام وايام للتفتيش عنها. وهو امر لم يعد مقبولاً على الاطلاق. وتابعت شخصياً ملف المرفأ وملف اموال المودعين ولم نترك مناسبة الا وأثرنا الموضوع. وتقدمنا بالدعاوى امام المحكمة الابتدائية ومجلس شورى الدولة.
س: وماذا عن الكهرباء في المحاكم ودور النقابة. هل استطعتم حلها؟
ج: صراحة إن نقابة المحامين هي التي نقوم بصيانة مصاعد قصر العدل وتكلفنا آلاف الدولارات. أما بالنسبة للكهرباء، فالنقابة تدفع الإشتراكات في المناطق. واجرينا إتصالات متعددة اثمرت بعضها من اجل تركيب الالواح للإستفادة من الطاقة الشمسية. وهذ الامر حصل في بعبدا وصيدا بتبرع من الشيخة هند مجذوب آل تاني. وفي جونية وعالية بتبرع من جميعة الوليد بن طلال الانسانية. وفي راشيا وبعلبك والمحكمة الجعفرية.
س: وهل انت راضٍ عن ولايتك؟
ج: أنا اكثر من راضٍ. لقد حققت خلال ولايتي اكثر مما توقعت. لم اترك ملفاً إلا وتطرقت إليه وعالجته. ولم اترك مناسبة إلا وتدخلت واثرت المواضيع الوطنية والإجتماعية والاقتصادية وغيرها. وكنت كل يوم اطالب النواب بانتخاب رئيس للجمهورية دون الالتفات الى الخارج. لان للخارج مصالح تتضارب مع مصلحة لبنان وشعبه. كما كنت اطالب يومياً بوجوب اعادة فتح الدوائر العقارية والمالية والنافعة لانها تدر الاموال على الدولة من جهة، ولانه يجب ان تسجل القيود في تلك الدوائر. فلا يمكن شراء العقارات دون تسجيلها خصوصاً وان في لبنان يؤخذ بقيود السجل العقاري. كما ان السيارات باتت دون تسجيل، وعشرات الشباب لا يملكون دفتراً لقيادة السيارة مع ما يستتبع ذلك من مشاكل وعقبات. كما طالبت بتعديل القوانين ليتسنى لملف المرفأ ان يسلك طريقه، وكذلك ملف اموال المودعين. وطالبت بتوقيف من تسبب بضياع اموال المودعين لانهم سوف يركضون ويسددون تلك الاموال. وكنت يومياً اطالب بحل ملف النزوح السوري وما يسببه من اضرار على اللبنانيين، وعدم إشاحة النظر عنه بسبب مشاكل ونزاعات اخرى.
أما بالنسبة للمحامين وللنقابة. فقد حققت اكثر مما كنت اتوقع وهذا ما يؤكده الجميع دون استثناء.
س: من المؤكد ان من يتعاطى الشأن العام يتعرض للانتقادات فما هو رأيك بالموضوع؟
ج: لماذا يجب ان يتعرض للانتقادات حكماً؟. اذا كان جيداً ويعمل بضمير حي وشفافية وحكمة وتبصر وبعد نظر. ما هو الداعي للتعرض له. طبعاً هناك اصحاب مصالح تتعرض للآخرين، وهناك جماعة الغيرة والعقد النفسية والحسد والضغينة يتعرضون للجميع. اما العقلاء والحكماء ومن يحترمون انفسهم فلا يتعرضون لاحد.
س: وماذا تقول لمن يتعرض للآخرين عن قلة تهذيب وحقد وحسد؟
ج: أحيلهم الى قول للاديب سعيد تقي الدين:” مهما جهد الشريف ان يقصر دربه على الطريق القويم فلا بد ان يعلق شيء من غبار على حذائه. وها انا انفض عن حذائي هذا التابعي الزحفطون”.
س: هل أنت متفائل من الوضع في لبنان؟
ج: إن لبنان هو وقف لله. وهو أبدي سرمدي. ومهما عصفت به الرياح سوف يبقى شامخاً، ويتخطى جميع الصعاب. ولا بد للغيوم السوداء ان تنجلي بإذن الله.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/12/27