نبيل بستاني…أشبعوه ضمًّا وتقبيلًا/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
يا ربّ، لماذا؟!
لماذا الأوادم؟!
هذه أولى الكلمات التي صدرت عني فور تلقي خبر رحيل الزميل الحبيب نبيل.
من مرج برجا إلى بيروت، إنطلق المحامي الشاب المليء بالرجاء والإندفاع والعنفوان، وتعاون مع قريبه المحامي اللامع الأستاذ سامي توما، إلى أن قرّر العمل في مكتبهم للمحاماة في السعودية حيث مكث سبعة عشر عامًا، عمل خلالها بكدّ ونشاط ومثابرة، وهي مغامرة كبرى أن يترك الإنسان بلده وعائلته في لبنان لتحصيل لقمة العيش، وتأمين حياة كريمة لها.
وطني عريق، نبيل، راق، تميّز بالتعقّل وسعة الإطلاع وعمق المعرفة والنخوة ودماثة الأخلاق. ولم يتوان يومًا عن القيام بدوره الوطني الذي يفرضه عليه الدفاع عن بلده لبنان بكلّ ما أوتي من قوّة وعزم.
في الشأن المهني، نجح المحامي المرحوم نبيل في متابعة الملفّات الشائكة، وترافع في عدد كبير منها، متكلًا على علمه وحبّه للتفتيش والتنقيب في المراجع القانونية اللبنانية والعربية والفرنسية حيث لا تزال بصمات أصابعه باقية في الكتب. وهو المنتمي إلى مكتب كبير مكتب قريبه الأستاذ سامي توما. فهو يعلم بأنّ المحاماة أخلاق وثقافة وعلم. والمرافعة دفاع عن مظلوم حتّى لا يهدر حقّه. دفاع تقيف، قوي، منطقي، عادل، ذو رؤية سليمة، ورؤيا هادفة، نافذة، بها، هذه اللائحة الدفاع، ينتصر لصاحب الحقّ ويعيده إليه بطمأنينة وراحة ضمير.
ربطتنا وإيّاه صداقة عائلية متينة، وكان يلفتني الإحترام المتبادل بينه وبين زوجته الدكتورة غادة. وحبّه لها ولولديه مارك وجوني ولعائلته بشكل عام، ولأسرة مكتب المحاماة الذي ينتمي إليه. كيف لا وهو الإنسان الأنيق الصادق، المتصالح والمتسامح مع نفسه ومع الآخرين. كيف لا وهو حافظ الودّ والصداقات من قماشة أهل الخلق الرفيع في زمن سقوط القيم. فهو كان شريكًا معنا في رحلة الحياة الصعبة، وكان صاحب الوجه الباسم الناضح طيبة ولهفة للتفاني وخدمة الناس.
ويا أيّها الحبيب نبيل. وأنت الإنسان اللبق اللطيف، الخلوق الشفيف، المسالم الراقي، تحترم الآخر ونفسك. تحيا في السلام الذاتي العميق الهانئ، بهذه الخصال كنت المحبوب المفضّل من الجميع. فما تذمّر واحد منك، ولا انزعِج، ولا اشتكى، أو تهرّب! أحبّك الجميع؟ لا عجب! فكنت تحبّهم جميعًا. تخلص لهم جميعًا تعمل لأجلهم جميعًا. تدافع عنهم جميعًا. تسأل عنهم جميعًا. غير مميّز بين إنسانٍ وإنسان، ولا بين طائفة وطائفة، ولا بين حزبي وحزبي. أقربهم إليك؟ أنفعهم لعيلته ووطنه.
ويا من سبقتمونا إلى دنيا الخلود، إستقبلوا الحبيب نبيل بالورود، وأشبعوه ضمًّا ولثمًا وتقبيلًا، وقولوا له إنّنا نحبّه ونشتاق إليه في كلّ دقيقة وفي كلّ يوم، وردّدوا له بيت الشعر:
يا سائس الخيل قمْ للخيل وانحرها
ما حاجة الخيل والفرسان قد ماتوا
ويا عزيزي نبيل
في القلب وفي البال، أخًا عزيزًا وزميلًا محترمًا وصديقًا مخلصًا…ألا فاعبر بسلام فإنّك الآن حيث يليق بالأخيار الأنقياء والأصفياء.
“محكمة” – الجمعة في 2021/7/23