مقالات

نداء الكرامة والبناء الوطني/أنطونيو الهاشم

أنطونيو الهاشم (نقيب المحامين الأسبق):
في عمق التاريخ، يقف جبل عامل والبقاع شاهدين على عزيمة لا تنكسر، وعلى رجال ونساء أبت قلوبهم أن تنحني أمام أي غازٍ أو محتل. كان هذا الجبل رمزاً للعنفوان والكرامة، وحاضناً لحكايات نضال لا تزال تعبر العصور لتلامس حاضرنا. ففي كل معركة، كان أهله يخطون ببطولاتهم دروب الكرامة، محافظين على هوية متجذرة في أرضهم، ومستلهمين من تراثهم عزيمة لم تخفت.
لكن التحدي الأكبر اليوم ليس في مواجهة الاحتلال، بل في مواجهة الفرقة والانقسام. لبنان، ذلك الوطن الصغير بتنوعه الكبير، لا يزال يبحث عن خلاصه وسط أمواج الطائفية والتحزب. وفي هذا السياق، تأتي دعوة صادقة للطائفة الشيعية الكريمة، تلك التي كان لها عبر التاريخ دور ريادي في بناء الوطن والدفاع عن هويته، لتكون في طليعة من يحمل لواء المصالحة الوطنية والعمل المشترك لبناء دولة القانون والمؤسسات.
إن العودة إلى كنف الدولة لا تعني التخلي عن الهوية أو الانتماء، بل تعني الانخراط في مشروع وطني جامع، يعيد للدولة مكانتها كمظلة تحمي الجميع، وكمنارة تحقق العدل والمساواة. فلبنان لا يمكن أن يقوم إلا بتكاتف جميع أبنائه، مستمدين قوتهم من تنوعهم، وموجهين هذا التنوع ليصبح مصدر إلهام وابتكار، لا سبباً للتشرذم.
إن الطائفة الشيعية، بتاريخها العريق وإرثها الثقافي والفكري، مدعوة اليوم لتجديد التزامها بمسار البناء الوطني، كما هي دعوة لكل اللبنانيين لتجاوز خلافاتهم والارتقاء إلى مستوى التحديات. فلبنان لا يبنى إلا بالتضحيات المشتركة، وبالعمل الجاد لتأسيس وطن تكون فيه المواطنة فوق كل اعتبار، وطن يزدهر بالعدل ويستظل فيه الجميع بكرامة وحرية.
فهل نلبي نداء الوطن، ونجعل من هذا الزمن الصعب جسراً نحو مستقبل أفضل؟ لبنان ينادينا جميعاً، ويستحق منا أن نجتمع على حبه، كما اجتمعنا على الدفاع عنه.
“محكمة” – الأربعاء في 2025/1/15

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!