نقابتي الحبيبة… جاوز الظالمون المدى/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
منذ عشرات السنين ولعت الشوارع العربية، ودبّ الحماس في دماء العروبيين والعرب عندما غنّى الموسيقار عبد الوهاب أغنيته الشهيرة:”أخي..جاوز الظالمون المدى، فحقّ الجهاد وحقّ الفدا”.
وفي الثمانينات، استعار الصحافي الكبير سليم اللوزي هذا العنوان على اثر مقتل شقيقه في مدينتهما طرابلس على يد أجهزة غير لبنانية، والذي كان السبب في قتله هو أيضاً بعد أن كتب له أنّه يشكر ربّه أنّهم قتلوه ولم يعذّبوه بالطرق الفلانية كما يفعلون، إلاّ أنّ ما كتبه سليم اللوزي عن تلك الطرق تمّ تعذيبه بها.
كما استعرت هذا العنوان في العام 1994 وكتبت مقالة كبيرة في صحيفة الديار كناية عن صفحة كاملة بعنوان “فخامة الرئيس…جاوز الظالمون المدى”، وذلك على اثر سرقة سيّارتي المرسيدس التي اشتريتها من عرق جبيني بمبلغ 36 ألف د.أ. وعدّدت فيها التجاوزات التي تحصل. يومها اتصل بي الرئيس المرحوم الياس الهراوي شخصياً والذي كان يعرفني بحكم اجتماعه الأسبوعي في مكتبنا في تجمّع النوّاب الموارنة المستقلّين ويصل قبلهم ويجلس في غرفتي في المكتب، ووعدني بأنّه سوف يبذل جهده لاستعادتها وأنّه سوف يكلّف رئيس المخابرات العميد ميشال الرحباني بالملفّ. إلاً أنّه اتصل بعد أسبوعين وأبلغني أنّه يعتذر لأنّها ليست في لبنان.
واليوم أكتب هذا العنوان لنقابتي الحبيبة التي كنت ولا أزال اعتبرها أمّنا الجامعة وملاذنا الآمن بعد كلّ ما تتعرّض له ويتعرّض له المحامون في مختلف الداوئر والمرافق والطرقات من ذلّ وضرب وتعدّي، وحزني مضاعف لأنّني أعيش جوّ المحاماة منذ طفولتي وأعرف مركز المحامي المرموق الذي لا يجب أن يزعزعه مأخذ على محام من هنا ومأخذ من هناك. وحاولت التنبيه من خطورة معاملة المحامين بهذه الطريقة، وآخرها منعهم من التجوّل خصوصاً في قرار المفرد والمجوز، مع أنّني كتبت عدّة مقالات بهذا الخصوص وآخر مقالة وصلت إلى فخامة الرئيس بعد أن أرسلتها إلى أستاذي في الجامعة اليسوعية البروفسور سليم جريصاتي الذي اتصل بي البارحة مشكوراً على اثر إرسال الفيديوهات له كما عاد واتصل بي اليوم صباحاً، وأنّ فخامته على اطلاع على ما أكتب. وبصراحة استبشرت خيراً عندما استقبل فخامته الوزير الذي لم أعطه الثقة منذ اللحظة الأولى مثله مثل بقيّة الوزراء ولن أعطيها طبعاً، واعتقدت بأنّه سوف يكلّفه بتنفيذ قرار المجلس الأعلى للدفاع الذي هو أحد أركانه، وكذلك قرار فخامته ودولته باتخاذ قرارات استثنائية على أن تعرض حسب البند الأخير على مجلس الوزراء على سبيل التسوية. إلاّ أنّ الحظر بقي على المحامين.
البارحة كنت في مكتبي في مفوّضية قصر العدل أحضّر ملفّات أذونات الملاحقة للجلسة المقرّرة الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، عندما اتصل بي أمين سرّ المجلس الزميل سعد الدين الخطيب وأخبرني عن حادثة تعرّض الزميل افرام الحلبي للإعتداء، وأرسل إليّ رقم هاتف آمر فصيلة الطريق الجديدة، واتصلت به وهو لطيف جدّاً فأجابني أنّه ليس في الفصيلة. وما هي إلاّ دقائق حتّى حضرت المحامية التي كانت برفقة الأستاذ افرام الأستاذة علوية وهي تبكي وروت لي ماذا حدث، وبأنّه تعرّض للضرب وأخذوه مكبّلاً. وما هي إلاّ دقائق حتّى ناداني النقيب ملحم خلف، كما نادى أمين السرّ وطلب مرافقته لأنّه سوف يذهب إلى مكان احتجازه. ذهبنا إلى المديرية وما ان وصلنا حتّى اتصل أحد الأشخاص بالنقيب وقال له إنّه في فصيلة الطريق الجديدة. فطلب من السائق التوجّه إلى هناك وقبل وصولنا اتصل أحدهم وقال إنّه في فصيلة الرملة البيضاء، فطلب من السائق تغيير طريقه. وقبل وصولنا حصل اتصال هاتفي وكان النقيب يصرّ بأنّه تمّ سحله وسوقه مكبّلاً بالأصفاد. كما حصلت اتصالات أخرى وأحدهما مع مدعي عام التمييز غسّان عويدات وبالنتيجة حصل ما حصل حسب الفيديو الذي كان بمثابة الإثبات الأوّل بأنّه تمّ سوقه مكبّلاً قبل أن تكشف الفيديوهات الأخرى ماذا حصل.
وبالتالي، بلد يرزح تحت الديون، وبات على شفير الإفلاس، والكورونا لا تتمّ معالجتها بالشكل الصحيح، وبعد القضاء على ثروات لبنان إلّا وهي قطاعات المصارف والمستشفيات والتربية، فهل جاء دور القضاء والمحاماة والقوى الأمنية؟ وهل يمكن ألاّ يحاسب من وضع هذه القوى، وتحديداً الدرك الذين هم أبناؤنا في مواجهة المحامين؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل “المفرد” و”المجوز” كي لا يطبّق على المحامين الذين هم الجناح الآخر للعدالة ورسلها والمساهمون في إحقاق الحقّ؟
فخامة الرئيس الجنرال، ولا أزال أصرّ على استعمال كلمة فخامة إذ لا أتصوّر أن أنادي فخامة الرئيس الملك كميل شمعون بالسيّد الرئيس مثلاً، وهي مستوحاة من إحدى الدول، أطلب منك وبإلحاح التدخّل فوراً، وأنا كتبت منذ عدّة أيّام مقالة قلت فيها إنّك تعمل بسرعة وفعالية عندما تكون الأمور واضحة أمامك ونظيفة ومحقّة، ووضع حدّ لما يعانيه المحامون خصوصاً وأنّ النيابة العامة التمييزية بشخص المدعي العام التمييزي غسّان عويدات ليست بوارد فتح أيّ معركة مع نقابة المحامين، ويبقى أن تتدخّل فخامتك شخصياً مع وزير الداخلية الذي لم ينفّذ القرار الذي استثنى القضاة والمحامين وكانت الجلسة برئاستك، وتتخذ الإجراءات اللازمة.
“محكمة” – الخميس في 2020/11/26