نقباء محامين فازوا بالتزكية.. وآخرون بمعارك “طاحنة”
كتب علي الموسوي:
ليس بالضرورة أن ينتهي التنافس على منصب النقيب بمعركة إنتخابية في كلّ دورة، بمعنى أنّ هناك نقباء استطاعوا أن يحسموا الأمور لمصلحتهم من الانتخابات المخصّصة للعضوية عن طريق “التخلّص” من المنافس بإخراجه منها وتخسيره باكراً، أو عن طريق إيجاد فارق كبير في عدد الأصوات بينهم يؤكّد استحالة اللحاق، أو قلب المعادلة ليفوزوا بالتزكية.
فقد تمكّن النقيب فايز حدّاد في العام 1968 من أن يتغلّب على منافسه النقيب الأسبق فيليب سعادة بإخراجه من العضوية مباشرة مانعاً عنه تكرار الفوز بمنصب النقيب بعد مرّة أولى في العام 1960، أو الفوز بالعضوية وهو أمر حصل للمرّة الأولى في تاريخ نقابة المحامين في بيروت.
وقد نجح حدّاد في مسعاه بأن حقّق غايتين معاً، أو كما يقال “ضرب عصفورين بحجر واحد” بإبعاد سعادة نهائياً، وإحلال مرشّحته المحامية جاكلين مسابكي مكانه في العضوية لتستمرّ الأخيرة في أخذ مقعدها داخل مجلس النقابة لولاية ثانية مؤلّفة من ثلاث سنوات، وهكذا خلت الساحة له، فأعلن فوزه بمنصب النقيب بالتزكية.
حدّاد على خطى والدها
وفازت كريمته المحامية أمل حدّاد بالتزكية بالمركز الأوّل في النقابة بعدما استطاعت بفضل الدعم المؤمّن لها والتفاف المحامين حولها أن توسّع الفارق بينها وبين منافسها المحامي جورج جريج ليصل في معركة العضوية إلى 568 صوتاً، وهذا ما أجبر قوى “14 آذار” على عدم الاستمرار في المعركة خشية توسيع الفارق والظهور بمظهر الضعيف، ثمّ انتظر “الكتائبي” جريج أربع سنوات ليصبح نقيباً بعدما حسم المعركة من العضوية بإحرازه تقدّماً كبيراً على “العوني” المحامي فادي بركات بلغ 1029 صوتاً، ولكنّ الأخير بقي في ساحة المواجهة لتنتهي المعركة بفوز جريج.
قصف العدلية وجرأة عصام كرم
وتنافس النقيب عصام كرم على منصب النقيب مع أربعة محامين دفعةً واحدةً في العام 1983 وهم: مرسال سيوفي، ريمون عيد ، ميشال خطّار، وأمين الخوري، فغلبهم وبقي نقيباً أربع سنوات، ثمّ تلاه سيوفي وعيد وخطّار في سدّة النقابة في الأعوام 1987، و1989 ، و1993 على التوالي، وهي من المرّات النادرة التي يفوز فيها أربعة مرشّحين لمنصب النقيب بالعضوية ويستمرّون في المعركة، ووحده أمين الخوري خرج من المعركة خالي الوفاض، وهذا يدلّ على حدّتها بين المرشّحين.
ولم تكن انتخابات المحامين في العام 1983 عادية على الإطلاق، أو كسائر الانتخابات في السنوات السابقة، فقد قُصفت العدلية في عهد رئيس الجمهورية أمين الجميل يوم زحف المحامون لتتويج المحامي الكبير عصام كرم نقيباً لهم بغية قطع الطريق عليه، ومنع وصوله، والمفارقة أنّ وزير الدفاع كان يومذاك نقيب المحامين عصام الخوري، وبقيت الانتخابات لغاية الساعة الخامسة مساء ولم يرفّ فيها جفن لمؤيّدي عصام كرم فلازموا أماكنهم في قصر العدل معتبرين أنّ الحرب ضدّهم فصبّوا أصواتهم لمصلحته كما لم يفعلوا من قبل مؤكّدين أنّ المحاماة أكبر من صوت المدفع والمحتمين بآلات الموت.
ومُهّد للقصف بخبر يؤكّد حصوله في محاولة لزرع اليأس والخوف في قلوب المحامين الذين استفسروا عن هذه الخطوة فجاءهم الجواب:” مش همّهم يقتلوا ناس.. همّهم ما يجي عصام كرم نقيب”.
واللافت للنظر أنّ أول اتصال هاتفي بالتهنئة تلقّاه النقيب كرم كان من رئيس الجمهورية أمين الجميل الذي استهلّ كلامه بالقول:” يا أحلى نقيب”.
عاطف النقيب: “ما بقا فينا نقول كلمة لمحامي”
وعلى الضفّة القضائية، كان القاضي عاطف النقيب يتابع مجريات الانتخابات بالتواتر ليعرف من الفائز، ويبدو أنّ النوم أخذ منه مأخذاً لساعات، فاستيقظ في منتصف الليل ليعرف الجواب اليقين، فقيل له إنّ عصام كرم فاز، فقال بالحرف الواحد:” ما بقا فينا نقول كلمة لمحامي”، وهذا يدلّ على جرأة كرم الذي قال عنه عميد “الكتلة الوطنية” وكانت الأكثر حضوراً في صفوف المحامين، النائب الراحل ريمون إده:” جرأة في الرأي، ونظافة في الكفّ”.
وقبل العام 1975، كان انتخاب النقيب يجري قبل سنة من موعد انتخابه نقيباً، وذلك خلال انتخابه عضواً وبأصوات مرتفعة تعطي دليلاً واضحاً وصريحاً على أنّه النقيب في العام المقبل، ثمّ تغيّر الوضع برمّته، فصار انتخاب النقيب والأعضاء يتمّ في يوم واحد، فتكون المرحلة الأولى مخصّصة لانتخابات الأعضاء، وتحصر المرحلة الثانية والأخيرة بانتخابات النقيب.
ومن المعارك الانتخابية الطاحنة التي لا تغيب عن بال المحامين الكبار، تلك التي دارت رحاها بين العضو الياس حنّا والمرشّح ميشال خطّار في دورة العام 1993 حيث كان التنافس “على المنخار” بينهما، فالياس حنّا هو عضو في مجلس النقابة ومرشّح لمنصب النقيب مباشرة، بينما انطلق خطّار في السباق من بداياته من انتخابات العضوية، وهذا أمر يعتبره المحامون المتابعون لحيثيات العمليات الانتخابية، أكثر جدوى من مشاركة عضو مجلس النقابة الذي يتفرّج في المرحلة الأولى بانتظار منافسه، غير أنّ ركوب الانتخابات من المحطّة الأولى أكثر حماسة ودفعاً، ولذلك فاز خطّار وإنْ كان بفارق بسيط في الأصوات.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 11 – تشرين الثاني 2016).