نقد حالات الخروج عن القانون في “قضية” الوزير وهّاب/محمّد مغربي
المحامي الدكتور محمّد مغربي:
لم يعد بالإمكان السكوت على الإنتهاكات الجسيمة للقانون التي وقعت أثناء الأحداث التي عرضتها شاشات التلفزة وصفحات الجرائد خلال الأيام القليلة الماضية. ولا يمكن للجوانب السياسية لهذه الأحداث أن تحّول الأنظار عن هذه الإنتهاكات بل أنها تضيء عليها لأنه، وفي الغياب المستمر لحكم القانون في لبنان بصورة فاقعة ووقحة ، ينكشف مدى التهديد الذي يواجهه عموم الناس والخطر الأكيد الذي يعيشون في ظله. وبصفتي من قدامى المحامين الممارسين، لا بدّ لي من إبداء بعض الملاحظات التي يحملني واجبي العلمي والمهني والخلقي على إبدائها.
يعاني المحامون والمتقاضون من قيام النيابات العامة بصورة روتينية بتكليف فصائل الدرك والشرطة بالقيام بمهام تخرج عن نطاق صلاحية الضابطة العدلية المحددة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك بإحالة الشكاوى التي تزعم وجود جرائم غير مشهودة إلى الفصائل المذكورة “للتحقيق والإفادة” فيمارس رتباء الفصيلة في مكاتبهم مهام قضاء التحقيق بتدوين إفادات الشاكي والمشكو منهم. في حين أن جوهر مهام الضابطة العدلية ، خارج الجريمة المشهودة، وفقاً لصراحة المادة 40 أ.م.ج. هو القيام بأعمال إستقصاء الجرائم موضوع الشكاوى والإخبارات التي تحيلها إليهم النيابة العامة. وتضيف المادة 47 أ.م.ج. إلى ذلك جمع المعلومات كشفاً لهوية الفاعل وجميع الأدلة.
ويلاحظُ شيوع إستعمال كلمة “الإشارة” التي يوجهها النائب العام أو المحامي العام شفهياً إلى الضابطة العدلية للقيام بإجراء ما بالإستناد إلى ملف غير موجود أمامه بل لدى الضابطة العدلية. فيُسند “إشارته” إلى ما يسمعه من الضابط أو الرتيب شفهياً. في حين أنه لا وجود لكلمة “إشارة” في قانون أصول المحاكمات الجزائية أو قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي الذي يوجب دوماً التخاطب خطياً مع كل المراجع الرسمية.
ونشرت بعض الصحف يوم أمس بياناً صادراً عن “المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى”إستعمل عبارة “الإشارات القضائية في قضية الوزير السابق وئام وهاب’’ لنفي أن يكون أحدٌ من “المحامين العامين لدى محكمة التمييز قد اتخذ أي إجراء في القضية المذكورة”. وذلك مع أنه لا توجد “قضيّة” قبل تحريك دعوى الحق العام.
وإن المرجع صاحب الصلاحية الحصرية في تحريك دعوى الحق العام، عملاً بالمادة 40 أ.م.ج.، هو النائب العام الإستئنافي لا التمييزي، وليس النائب العام التمييزي من يتلقى الإخبارات أو الشكاوى بل هو، وفقاً للمادة 25 أ.م.ج.، النائب العام الإستئنافي في نطاق المحافظة المعيّن فيها وتقوم فيها محكمة إستئناف. ولا يجيز القانون للنائب العام التمييزي إعطاء أوامر إلى الضابطة العدلية بل إن ما تجيزه له المادة 16 أ.م.ج. هو إعطاء “توجيهات” تتعلق بالجرائم الخطرة التي يتصل بها علمه من النواب العامين ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والمدير العام لكل من قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة.
ولفتنا كلام خطير صدر عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي في خطاب ألقاه أيضاً يوم أمس في مؤتمر يحمل عنوان “إنجازات قوى الأمن الداخلي في مجال حقوق الإنسان” وذلك في إشارة إلى “قضية” الوزير وئام وهاب. وهذا ما قاله المدير العام:
“إن أصحاب الحق في استعمال السلاح بالأمس لم يستعملوا حقهم في إطلاق النار… واننا عندما نذهب لتوقيف الأشخاص نبدأ بإشارة قضائية وننتهي بإشارة قضائية …. ولا يمكن للمواطن أن يتذرع بجهله للقوانين.”!!
لكن من أين جاء المدير العام “بالحق في إطلاق النار”؟ فإن استعمال السلاح ليس حقاً بل خياراً مقيداً بالشروط التي يحددها القانون وفقاً لأحكام المادة 221 من القانون رقم 1990/17 وهذا نصها الكامل:
“المادة 221 – بعد أن يكونوا قد اتخذوا كل تدابير الحيطة الممكنة واستنفذوا كافة السبل الأخرى غير استعمال السلاح، يحق لرجال قوى الأمن الداخلي إطلاق النار من الأسلحة المجهزين بها نظاماً في الحالات الآتية:
1- بناء على تكليف من السلطة الإدارية (المحافظون والقائمقامون) أثناء عمليات توطيد الأمن.
2- في حالة الدفاع المشروع عن النفس المنصوص عنها في قانون العقوبات.
3- لمنع تجريدهم من أسلحتهم أو الإستيلاء على الأعتدة الموجودة بعهدتهم.
4- للدفاع عن مراكزهم وعن الأماكن المولجين بحراستها.
5- للإحتفاظ بالأشخاص الموضوعين بعهدتهم أو لتأمين سلامتهم.
6- على أثر إنذارهم الواضح والمكرر بعبارة “قوى أمن، قف” للأشخاص الذين يحاولون الفرار من وجههم ولا ينصاعون للإنذار، على أن يكون قد سبق محاولة الفرار أو رافقها أدلة عامة أو خاصة تؤكد أو ترجح إرتكابهم جناية.
7- في توقيف المركبات التي تتخطى حواجزهم بالرغم من الإشارات البصرية والإنذارات السمعية الواضحة”.
فتحت أي بند من بنود هذه المادة كان لقوى الأمن الداخلي “الحق” في إستعمال السلاح و‘‘الحق’’ في إطلاق النار في ‘‘قضية’’ الوزير وئام وهاب؟
وان السلطة التي خولتّها المادة المذكورة بشروطها الدقيقة لقوى الأمن تعود للقوى ذاتها على الأرض ولا يحق لأي جهة حكومية أو قضائية أو سياسية إعطاء الأمر بها، لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا وزير الداخلية ولا مدير عام قوى الأمن الداخلي ولا النائب العام التمييزي أو الإستئنافي أو حتى رئيس مجلس القضاء الأعلى.
لا بدّ من التذكير أولاً بأن المادة 207 من القانون رقم 1990/17 تؤكد خضوع المدير العام ومرؤوسيه من الضابطة العدلية لقانون أصول المحاكمات الجزائية.
وإذا كانت المادة 210 من القانون رقم 1990/17 تجيز تكليف قوى الأمن الداخلي “استثنائياً” بالتبليغات التي ينص عليها قانون أصول المحاكمات المدنية وقانون أصول المحاكمات الجزائية فذلك لا يكون إلا عند وجود نقص في المباشرين أو لإعتبارات أمنية يقدرها وزير الداخلية وحده، ولا يكون إلا بالتقيّد الكامل بأحكام القوانين المذكورة ومن أهمها واجب:
(1) أن لا يحصل التبليغ يوم عطلة (م 423 أ.م.م.).
(2) أن يصدر التبليغ في تحقيق أمام قاضي التحقيق أو في محاكمة، أي في إطار دعوى (المادة 147 أ.م.ج. وما يليها).
(3) أن تصدر وثيقة تبليغ خطية وتبلغ قبل ثلاثة أيام من الموعد المحدد فيها على الأقل.
(4) أن يذكر في وثيقة التبليغ الفعل الجرمي والنص القانوني الذي يعاقب عليه والمرجع القضائي الواضع يده على الدعوى وصفة المطلوب تبليغه: مدّع، مدعى عليه، شاهد، إلخ.
فإذا لم تراع إجراءات التبليغ فإن المادة 149 أ.م.ج. توجب إبطاله.
وعلى ضوء ما تقدم عرضه ، وبحسب تسلسل الوقائع في “قضية الوزير وهاب”، كما نشرتها وسائل الإعلام، فإن المجتمع يواجه تهديداً خطيراً. ولا ينبع هذا التهديد من إساءة إستعمال السلطة بل من انتحال سلطة لا وجود لها.
ذلك أن المادة 7 من الدستور، التي توازي المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تكرّس المساواة لكل الناس أمام القانون. وانطلاقاً من قاعدة المساواة، فإنّ كلّ عمل يصدر عن مرجع رسمي في ممارسة سلطة لا تعود إلى عموم الناس توجب كشرط مسبق أن تكون لهذا المرجع الصلاحية أيّ الولاية التي تخوّله القيام به بالإستناد إلى نصّ قانوني صريح. وان فقدان الصلاحية أي الولاية يفقد المرجع الرسمي صفته التي مارس بها الفعل الخارج عن إطار الصلاحية أي الولاية المناطة به. فإذا كان فعله من النوع الجرمي فإنه يتعرض للملاحقة والعقاب كسائر الناس.
وإنه من المخيف حقاً مجرد التفكير بأن نائباً عاماً لدى محكمة التمييز يمكن أن ينتحل أو يمارس سلطة لا يعطيه إياها القانون، أو أن يذكر مجلس القضاء الأعلى في بيان رسمي “قضية” لا وجود لها قانوناً مع نفي أن أحداً في النيابة العامة التمييزية أعطى “إشارات قضائية”، لا ينصّ القانون على وجودها، في تلك “القضية” التي، لم تنشأ بعد قانوناً لأنه لم يتم تحريك دعوى الحق العام بشأنها حسب الأصول ومن المرجع المختص الذي يعطيه القانون هذه الولاية.
وانه من المخيف جداً أن مدير قوى الأمن الداخلي يزعم في مؤتمر عن “إنجازات” تلك القوى في مجال حقوق الإنسان وجود “حقّ” لعسكره في إطلاق النار وفي إستعمال السلاح بمخالفة النص الصريح للمادة 221 من القانون رقم 1990/17.
وانه لما تقشعر له الأبدان أنه إذا تعرض الوزير وئام وهاب لكل ما تقدم ذكره وهو السياسي الخطير وصاحب التحالفات السياسية الجديّة داخل البلاد وخارجها وهو معتصم في منزله في الجبل، ولا بدّ محاطاً بمئات المناصرين الذين يمكنهم حمل السلاح واستعماله إذا وجدوا لزوماً لذلك دفاعاً عنه، فهل يمكن تصوّر ما يتعرض له كل يوم بصورة إعتيادية سائر الناس من المقيمين في هذا البلد أو يمكن أن يتعرضوا له؟
“محكمة” – الخميس في 2018/12/06