“نيويورك تايمز” تروي رحلة سفينة الأمونيوم إلى تفجير بيروت
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً مفصّلاً عن قصّة السفينة “روسو” التي نقلت مادة النيترات أمونيوم إلى مرفأ بيروت، واستوضحت قائد السفينة الأوكراني الذي تناول بعض فصول هذه القضيّة.
“الحوار نيوز”* تنشر نصّ التقرير مترجماً كما ورد في الصحيفة الأميركية:
بدأ العدّ التنازلي للكارثة في بيروت قبل ستّ سنوات بسفينة شحن روسية توقّفت بشكل مفاجئ في ميناء المدينة، وكانت تعاني من الديون ويقودها بحّارة غاضبون لأنّ عليهم سحب المياه من قعرها بسبب ثقب فيها.
وفوق هذا كانت تحمل ألفي طن من المواد القابلة للإشتعال التي تستخدم في صناعة الأسمدة والقنابل أيّ “نترات الأمونيوم”. وكانت السفينة في طريقها إلى موزمبيق التي لم تصل إليها أبداً، فقد عانت من مشاكل مالية وخلاف دبلوماسي، دفع صاحبها رجل الأعمال الروسي للتخلّي عنها.
ونقلت المواد فيها إلى مخازن في الميناء، وظلّت فيها حتّى يوم الثلاثاء الماضي، عندما قال المسؤولون اللبنانيون إنّها انفجرت، مرسلة موجة من الهزّات التي قتلت أكثر من 130 شخصاً وجرحت 5.000 آخرين.
قصّة السفينة التي برزت من لبنان وروسيا وأوكرانيا تقدّم صورة عن المساومات المالية والإهمال المزمن الذي حضّر المسرح لهذا الحادث الرهيب، ودمّر أهمّ مدن الشرق الأوسط.
وقال قبطان السفينة، بوريس بروكوشيف، القبطان الروسي المتقاعد البالغ من العمر 70 عامًا، بشأن الحادث، متحدّثًا في مقابلة هاتفية من سوتشي، روسيا، وهي منتجع على البحر الأسود على الساحل مباشرة من حيث بدأت نترات الأمونيوم:”لقد شعرت بالرعب.”
وفي لبنان تركّز الغضب الشعبي على إهمال السلطات التي كانت تعرف بالمادة المخزّنة من الأمونيوم في مخرن في مرفأ بيروت، ولكنّها فشلت بالتحرّك. وكتب بعض مسؤولي الجمارك إلى المحاكم اللبنانية أكثر من ستّ مرّات ما بين 2014- 2017 طالبوا فيها بإرشادات وتعليمات حول ما يجب عمله بهذه المادة التي يبلغ حجمها 2.750 طناً.
وقال شفيق مرعي، مدير الجمارك السابق في رسالة له في أيّار/مايو:”بناء على خطورة الحفاظ على الشحنة في المخزن بدون ظروف جيّدة… نكرّر طلبنا بأن تقوم وكالة الملاحة بإعادة تصدير المادة حالاً.”
وقدّمت الجمارك عدداً من الحلول مثل التبرّع بها للجيش اللبناني أو بيعها إلى شركة مفرقعات لبنانية خاصة. وأرسل مرعي نفس الرسالة بعد عام ولكنّ القضاء لم يردّ على مناشداته.
وكانت السفينة روسوس تحمل العلم المولدوفي ووصلت إلى بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، أيّ بعد شهرين من مغادرتها البحر من ميناء باتومي(جورجيا) على البحر الأسود.
واستأجرها رجل الأعمال المقيم في قبرص ايغور غرينشوشكين. وانضم القبطان بروكوشيف إلى السفينة في تركيا بعد تمرّد في السفينة قام به الطاقم السابق بسبب عدم دفع الرواتب.
وحصل غرينشوشكين على مليون دولار لنقل المادة إلى ميناء بييرا بموزمبيق. واشترى مادة “نترات الأمونيوم” البنك الدولي في موزمبيق لصالح شركة “فابريكا دي إكسبلوسيوف دي موزمبيق” والتي تقوم بعمل المفرقعات التجارية، وهو ما قدّمته شركة بارود وشركاه في لبنان والتي مثّلت طاقم السفينة.
وكان رجل الأعمال الروسي في قبرص يتواصل مع الطاقم عبر الهاتف، وأخبر كابتن السفينة أنّه لا يملك المال لدفعه من أجل مرور السفينة بقناة السويس. ولهذا أرسل السفينة إلى بيروت للحصول على مال عبر نقل معدّات ثقيلة. إلاّ أنّ المعدّات كانت ضخمة بدرجة لم تستوعبها السفينة، حسبما قال القبطان.
واحتجز اللبنانيون السفينة بعد الفشل في دفع رسوم الرسو بالمرفأ. وعندما حاول الطاقم الاتصال برجل الأعمال الروسي لكي يرسل المال من أجل الطعام والوقود، لم يستطيعوا الوصول إليه، حيث تخلّى عن السفينة التي استأجرها.
وعاد ستة من طاقم السفينة إلى بلادهم، لكنّ السلطات اللبنانية احتجزت القبطان وثلاثة من البحارة الأوكرانيين لحين حلّ المشكلة، لكنّها حدّدت إقامتهم في السفينة.
وقال بروكوشيف إنّ المسؤولين اللبنانيين أشفقوا عليهم ووفّروا لهم الطعام ولم يهتموا بما كانت تحملة السفينة:”كانوا يريدون المال المستحق علينا”. ولكنّ مأزق الطاقم أثار اهتماماً في أوكرانيا حيث وصف وضعهم بالرهائن على سفينة هجرها صاحبها.
واستغاث القبطان وهو مواطن روسي بالسفارة الروسية في لبنان لكي تساعده، وجاءه ردّ ساخر:”هل تتوقّع من الرئيس فلاديمير بوتين أن يرسل القوّات الخاصة لكي تخلّصك”. وقام القبطان ببيع بعض من وقود السفينة لكي يوكل شركة محاماة، وقام المحامون فيها بتحذير السلطات اللبنانية من خطورة المادة التي تحملها السفينة التي كانت ستغرق أو ستنفجر في أيّة لحظة.
وأمر قاض لبناني بالإفراج عن الطاقم لدواع إنسانية في آب/أغسطس 2014. وأصبحت السلطات اللبنانية مسؤولة عن المادة المتفجّرة في السفينة ونُقلت إلى العنبر 12 بالمرفأ.
وتقول الصحيفة إنّ المادة عندما تنفجر تؤدّي إلى هزّات ودمار كما حدث في أوكلاهوما عام 1995. وتنظّم الولايات المتحدة والدول الأوروبية عمليات بيع نترات الأمونيوم، وتشترط مزجها بمادة أخرى لتخفيف قوّتها.
وقال مدير مرفأ بيروت حسن قريطيم في مقابلة، إنّ مسؤولي الجمارك والأمن طلبوا أكثر من مرّة من القضاء اللبناني إصدار أمر بنقل المواد الخطيرة “ولم يحدث شيء” و”قيل لنا إنّ السفينة ستباع في مزاد” و”لم يحدث المزاد أبداً ولم يتحرّك القضاء أبداً.”
ويدير قريطم المرفأ منذ 17 عاماً، وقال إنّه اعتقد للوهلة الأولى أنّ هجوماً جوّياً حدث على المرفأ، ولم تكن لديه فكرة عن سبب النار في المستودع التي سبقت الانفجار الضخم، كما قتل أربعة من موظّفيه.
وأضاف:”هذه ليست ساعة التلاوم ونعيش كارثة وطنية.”
ولكنّ قصة السفينة هي واحدة عن سوء الإدارة المزمن للطبقة الحاكمة التي أدخلت لبنان في أزمة اقتصادية هذا العام.
وقال بروكوشيف إنّه لا يزال مديناً بـ60.000 دولار كرواتب، وحمّل المسؤولية لـ “غرينشوشكين” والسلطات اللبنانية التي أصرّت على احتجاز السفينة وترك حمولتها في الميناء بدلاً من “رشّها في حقولهم حيث كانوا سيحصلون على محصول جيّد بدلاً من انفجار ضخم.”
أمّا عن سفينة روسوس، فقد علم بروكوشيف أنّها غرقت في المرفأ ما بين 2015 و2016 بعدما غمرتها المياه. ولكنّه استغرب من تأخّرها في الغرق.
*المصدر: الحوار نيوز
“محكمة” – الخميس في 2020/8/6