هكذا اكتشفت مخالفات حيصو ويوسف داخل “مغارة الانترنت”
كتب علي الموسوي:
لم يأخذ التحقيق في ملفّ الانترنت غير الشرعي طريقه الصحيح وبالشكل المطلوب لدى القضاء على الرغم من اتساع دائرة الاتهامات لتطال موظّفين كباراً في سدّة المسؤولية، بعكس ما هو حاصل في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي تُبدي إصراراً كبيراً على المضي قُدماً في تبيان الحقائق كاملة ومحاسبة المتورّطين والمقصّرين، من دون الإلتفات إلى محاولات بعض الأطراف السياسية كبح جماح نيّتها وشهيّتها في الوصول إلى خاتمة سعيدة في هذا الملفّ المضرّ بصحّة أموال الخزينة العامة.
وأهمّ خطوة قضائية في هذا المجال، لغاية الآن، هي ادعاء النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم في 19 نيسان 2016، على توفيق أحمد حيصو(والدته أمل، مواليد العام 1975، سجّل 1063 المصيطبة) لإقدامه في بيروت وخارجها على تركيب وبيع إنترنت بطريقة غير شرعية مع علمه بالأمر، وذلك سنداً للمادة الأولى من المرسوم 156/83،(مخالفة القوانين المالية لجهة التملّص من الضريبة والرسوم وإخفاء سجلّات مزيّفة والتذرّع بوسائل الغشّ والإحتيال) والمادة الثانية من القانون رقم 623/97 المعدّل( إستمداد خطوط هاتفية بطريقة غير مشروعة وبصورة غير نظامية وتتراوح عقوبتها بين ثلاثة شهور وثلاث سنوات)، والمادة 770 من قانون العقوبات( مخالفة الأنظمة الإدارية والبلدية، وهي جنحة تصل عقوبتها إلى السجن ثلاثة شهور مع غرامة مالية).
وكشفت مصادر قضائية مطلّعة على مجريات التحقيق مع حيصو لـ”محكمة” أنّ الأمر بدأ بتوافر معلومات لقائد الشرطة القضائية العميد ناجي المصري المحسوب على النائب وليد جنبلاط، حول وجود أجهزة اتصالات تعمل في مجال توزيع الانترنت بصورة غير شرعية في محلّة سليم سلام في بيروت حيث تتوزّع على سطوح عدد من الأبنية، ولذلك توجّهت دورية من مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال التابع لقسم المباحث الجنائية الخاصة في وحدة الشرطة القضائية، وفريق فنّي من هيئة “أوجيرو” إلى المحلّة ليخرج الإثنان بالمعطيات التالية:
أوّلاً: إنّ الأجهزة الموضوعة على بناية “برج اللؤلؤة” شرعية بحسب الكشف الفنّي لفريق “أوجيرو”، وكذلك الأمر بشأن الأجهزة الموجودة على سطح بناية “برج السلام”، وسطح بناية “الشرقاوي”، بينما تبيّن أنّ الأجهزة المنتشرة على سطح بناية”أبراج بيروت” عائدة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وشركة “Mobi”، وشركة”سيدركوم”، وتوفيق حيصو الذي جرى الاتصال به فحضر سريعاً متأبّطاً ملفّاً يتضمّن مستندات رسمية باسم شركته “T.H.Global Vision Company S.A.R.L.
وكشف فريق “أوجيرو” على المعدّات الخاصة بشركة حيصو ليتبيّن له وجود مخالفات في الأجهزة التي تعمل على التردّد 5.8U.H، وطلب إمهاله خمسة عشر يوماً لتسوية وضعه القانوني بشأن هذه المخالفات بداعي أنّ شركات النقل غير قادرة على تأمين المعدّات اللازمة، فجرى إبلاغ القاضي علي إبراهيم بحقيقة ما حصل، فوافق على إعطاء حيصو المهلة المذكورة لتسوية وضعه قانوناً.
وما لبثت أن حضرت دورية من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية بناء لإشارة النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود وكشفت على الأجهزة نفسها، وانتقلت إلى مكاتب شركة حيصو لإجراء الفحص اللازم، فيما غادرت الدورية التابعة لقسم المباحث الجنائية الخاصة المكان بناء لطلب القاضي حمود الذي اعتبر أنّ التحقيق في موضوع الانترنت من ضمن صلاحياته.
يذكر أنّ رأسمال شركة حيصو يبلغ خمسة ملايين ليرة لبنانية فقط لا غير بحسب ما هو مدوّن في السجّل التجاري في بيروت، غير أنّ اللافت للنظر أنّه استحقت عليها فاتورة لدائرة الحسابات الدولية في مصلحة الشؤون المالية في المديرية العامة للاستثمار والصيانة بقيمة ستماية وخمسة وأربعين مليون وتسعماية وثمانية وسبعين ألف ليرة لبنانية عن شهر شباط 2015 ودفعتها كاملة، وإنّ كان لا شيء في القانون يمنع هذا الأمر، وهذا التفاوت الجلي بين الرأسمال المصرّح عنه والأموال المُتاجر بها، إلاّ أنّه مؤشّر قوي على الدعم الهائل المعطى لشركة حيصو من المسؤولين في “أوجيرو”، وعلى “الثقة” الكبيرة الممنوحة لها، وهذا يعني، على أقلّ تقدير، وجود شبكة مصالح مشتركة وعلاقات متينة بين حيصو ورئيس هيئة “أوجيرو”الدكتور عبد المنعم يوسف وفّرت لشركة الأوّل “اللعب” في عالم الانترنت بعيداً عن عيون الرقابة والمحاسبة.
ونالت شركة حيصو رخصة باستئجار خطوط الاتصال الرقمية الدولية في عهد وزير الاتصالات نقولا صحناوي في 28 آذار 2012 كونها استوفت المتطلّبات والشروط اللازمة، كما أنّها حازت ترخيصاً باستيراد وبيع وصيانة وتركيب أجهزة هاتف لاسلكية بموجب قرار موقّع من وزير الاتصالات بطرس حرب في 27 آذار 2015.
وفيما يسعى فريق النائب جنبلاط إلى تضييق الخناق على يوسف تلميذ حليفه الأساسي الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة، من أجل إطاحته من منصبه، وهذا واضح من الإخبار المقدّم بحقّه وطرده من جلسة الإعلام والاتصالات النيابية لولا تدخّل رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله لحفظ ماء الوجه، توقّف المتابعون لهذا الملفّ عند التضارب القائم في الصلاحيات بين “القضاء الواقف” والأجهزة الأمنية، إذ ما أن ترسل إحدى النيابات العامة جهازاً أمنياً إلى “مسرح الشبهة” لإجراء التحقيق والمسح الضروريين، حتّى يصل جهاز أمني آخر بإيعاز من نيابة عامة أخرى، وهذا ما تجلّى بوضوح في قضية دهم شركة توفيق حيصو حيث كان قسم المباحث الجنائية الخاصة يقوم بالتحقيق اللازم عندما حضرت دورية تابعة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية وتولّت التحقيق بناء لإشارة النيابة العامة التمييزية.
توقيف حيصو وصعب والادعاء على آخرين
وفي 26 نيسان 2016، إدعى القاضي علي إبراهيم بموجب ورقة طلب، في موضوع “غوغل كاش”( Google Cache) على توفيق حيصو وشركته “تي أتش غلوبل فيجن ش.م.م.، وروبير بولس صعب (مواليد العام 1962) وشركته “Libatec s.a.l.”، وإيلي إبراهيم مطر(مواليد العام 1983) وشركته ” Spider Net”، ومحمّد محمود البيطار( مواليد العام 1984) وشركته “Bitar Net SARL”، وسركيس جوهرجيان(مواليد العام 1970) وشركته “Remini Telecom”، وكلّ من يظهره التحقيق بأنّه في بيروت وخارجها وبتاريخ لم يمرّ عليه الزمن، أقدموا على استمداد خدمات الإنترنت بصورة غير شرعية، واختلاس المال العام بالتدخّل مع آخرين، والتهرّب من دفع الضرائب والرسوم مع علمهم بالأمر، وذلك سنداً للمادة الأولى من المرسوم 156/83 المعدّل، والمادة الثانية من القانون رقم 623/97 المعدّل، والمادة 770 عقوبات، والمادة 359/219 عقوبات معطوفة على المادة 210 بالنسبة إلى الشركات.
وأحال القاضي إبراهيم الملفّ على قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي، طالباً إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ الموقُوفَيْن حيصو وصعب، وإصدار كلّ مذكّرة يقتضيها التحقيق.
لكنّ التحقيق في هذا الملفّ لن يقتصر على هؤلاء المدعى عليهم بحسب ما استشفّ من كلام النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي قال إنّه سيتمّ إرسال طلب الإذن لملاحقة موظّفين لم يكشف النقاب عن أسمائهم وهويّاتهم بانتظار حصول الإذن والملاحقة.
“Google Cache”
وعلمت “محكمة” أنّ هؤلاء الموظّفين يستلمون مهاماً ومسؤوليات في هيئة “أوجيرو” كانت لهم علاقة وطيدة بخدمة “Google Cache” وبتوجيه الشركات المعنية نحو شركة معيّنة بالإسم للاستفادة من خدماتها مقابل مبالغ مالية، وهذا يدلّ بحسب مصادر التحقيق، على أنّ هيئة “أوجيرو” عمدت إلى إفادة شركات خاصة، بدلاً من أن تستفيد هي ووزارة الإتصالات، ممّا أدّى إلى هدر المال العام.
واللافت للنظر أنّ بعض الشركات إستحصلت في شهر آذار 2016 ومطلع شهر نيسان 2016، على الانترنت من وزارة الاتصالات عبر هيئة “أوجيرو” بطريقة الألياف الضوئية بعدما كانت تتمّ عبر الكابلات النحاسية لتتطوّر معها سعة الخوادم من “60Mbps” إلى “300Mbps”.
ما هي قصّة خدمة “Google Cache”؟.
كشف مصدر مطلّع في وزارة الاتصالات لـ”محكمة” أنّ خدمة “Google Cache” كانت موجودة لدى “أوجيرو” منذ سنوات عدّة وتستخدمها لمشتركيها في خدمة “DSL” فقط، غير أنّ الأمر تغير في منتصف العام 2015 إذ صارت متوافرة لدى شركة “Berytech” وتوزّعها عبر تجمّع شركات موزّعي الخدمات والتي تعرف باسم “Beirut IX”، وقد حاول توفيق حيصو وروبير صعب وآخرون الإستفادة من خدمة “Google Cache” غير أنّهم لم يوفّقوا في بادئ الأمر، إلى أنّ وعدهم مسؤولون في تكنولوجيا المعلومات في هيئة “أوجيرو” خيراً وهذا ما حصل بالفعل، وتمّ تحديد موقع جغرافي لربط موزّعي خدمة الانترنت بشركات نقل المعلومات المرخّصة في مبنى شركة حيصو الكائنة في محلّة بربور في بيروت، وأن تكون شركتا نقل المعلومات “DSP” هي:” Pesco Telecom”، و”Mada”.
وأضاف المصدر نفسه أنّ “أوجيرو” لجأت إلى استخدام سطح شركة حيصو للتمكن من توصيل خدمة “Google Cache”، لأنّه لا يحقّ لشركات النقل المرخّصة إستخدام السطح لتركيب معدّاتها، باعتبار أنّ هذا الأمر محصور فقط بشركتي الهاتف الخليوي “Alfa” و”Touch”، ولم يجر توقيع أيّة عقود لهذه الغاية بين الشركات المستفيدة و”أوجيرو”، ناهيك عن أنّه لا يوجد مستند رسمي يضبط “إيقاع” العلاقة بين الشركات و”أوجيرو”، وإنّما يقتصر الأمر على التراسل عبر البريد الإلكتروني، ثمّ تطلب “أوجيرو” من هذه الشركات توقيع عقود مع شركات النقل “DSP”، فهل عمدت “أوجيرو” إلى إفادة شركات خاصة بدلاً من أن تستفيد هي ووزارة الإتصالات من هذه العملية؟ وألم يكن من الأفضل إبقاء العقود بين “أوجيرو” والشركات مباشرة وتكون الإستفادة المالية أكبر وأهمّ للخزينة العامة؟.
وما هي الإفادة المالية التي نالها توفيق حيصو بتحويله سطح شركته وقسم منها لشركات النقل و”أوجيرو”؟ وهل كان ينال مقابل هذه الخدمة إقادة بعدم دفع أجور نقل سعاته من الانترنت عبر الألياف الضوئية من “أوجيرو”؟.
وكانت الشركات المستفيدة لا تدفع أجور نقل سعاتها مقابل الوقت الذي تصرفه على استقبال الطلبات من الراغبين بنيل خدمة “Google Cache” من “أوجيرو”، كما أنّ هناك شركات كانت تنقل سعات الانترنت من خدمة “Google Cache” عبر ماكينات غير مرخّصة من دون علم “أوجيرو”، وعلى سبيل المثال، فإنّ إحدى الشركات كانت تستحصل على خدمة “Google Cache” من “أوجيرو” عبر مركز توفيق حيصو بواسطة ماكينات خاصة تعمل على التردّد من “5.8Ghz” إلى “24Ghz”، وهي غير شرعية.
إستقدام الانترنت من الخارج
كما ادعى القاضي إبراهيم على ثلاثة أشخاص موقوفين في ملفّ استقدام الانترنت بصورة غير شرعية من الخارج، في ضوء المحضر المنظّم من مخابرات الجيش اللبناني، بعدما ختم قسم المباحث الجنائية المركزية التحقيق فيه، وعمّم بلاغات بحث وتحرّ بحقّ ثلاثة أشخاص آخرين، وأحيل الملفّ برمّته على قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان جان فرنيني لإجراء المقتضى القانوني المناسب.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 7 – أيّار 2016).