هكذا ردّت نجاة أبو شقرا الدفوع الشكلية للفاخوري: جرائم التعذيب والخطف غير قابلة للسقوط بمرور الزمن/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
كان يكفي للمحكمة العسكرية الدائمة هيئةً حاكمةً ونيابةً عامة أن تأخذ بمضمون القرار الصادر عن قاضي التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا بردّ الدفوع الشكلية المقدّمة من المحاميين فرنسوا الياس وسيلين عطالله بوكالتهما عن العميل عامر الفاخوري لكي تقول وبصوت عال مسموع وبالإجماع أو بالإتفاق، وفي أهون الشرور بالأغلبية، أنّ جرائم هذا الأخير تستحقّ العقاب قانوناً، ولا يمكن تمريرها بكفّ التعقّبات وإسقاطها بمرور الزمن.
جرائم تستحقّ المحاكمة
ولو أنّ هيئة المحكمة العسكرية المؤلّفة من رئيسها العميد الركن حسين عبدالله والمستشارين القاضي المدني ليلى رعيدي والعقيد الياس أبو رجيلي والعقيد هيثم الشعّار والعقيد الركن شادي نخله، كلّفت نفسها عناء الإطلاع ولو سريعاً ومن دون تمعّن أو تدقيق في متن قرار أبو شقرا لأعطت نفسها الحجّة اللازمة للقول أمام كلّ المتدخّلين وإنْ كانوا بأشكال ملوّنة ووجوه مختلفة، باستحالة غضّ الطرف عن جرائم تطالها معاهدات دولية وتستحقّ المحاكمة ليس أمام المحكمة العسكرية في لبنان وحسب، وإنّما أمام محاكم دولية تاريخية.
ففي قرارها المؤلّف من 3240 كلمة، قدّمت القاضي أبو شقرا صورة وافية عمّا يمكن ملاحقة الفاخوري عليه، أو اعتباره ساقطاً بمرور الزمن.
كيف ذلك؟
في ظلّ عدم قيام مجلس النوّاب اللبناني بواجبه التشريعي لجهة تعديل المواد القانونية المتعلّقة بفظائع التعامل مع العدوّ الإسرائيلي وتشديدها، وسلبها ذريعة السقوط بمرور الزمن العشري كونها متصلة باستمرار الصراع العربي الإسرائيلي واستمرار احتلال أراض لبنانية وعربية، وجدت أبو شقرا أنّ البديل يتمثّل باللجوء إلى المعاهدات الدولية والقانون الدولي الإنساني، وهذا ما يفعله قضاة كثر عندما ينظرون في ملفّات مرتبطة بالحرّيات العامة والحرّيات الإعلامية على سبيل المثال، فكيف بالحري، بجرائم تقع تحت عناوين جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وهي لا تقلّ أهمّية عن تلك المتصلة بالحرّيات ما دام الإنسان يجمعهما، والقوانين وجدت في الأصل من أجل الإنسان.
معاهدات وتدخّلات
وما استعانة القاضي أبو شقرا بالمعاهدات الدولية التي سبق للبنان أن وقّع عليها إلاّ لتنير بها طريقها نحو وضع حدّ بالقانون، لكلّ المساعي والضغوطات والتدخّلات القائمة من كلّ حدب وصوب، لتحرير الفاخوري من قبضة مذكّرة التوقيف الوجاهية الصادرة عنها والممهورة بتوقيعها، والحؤول دون العمل على اعتبار أفعاله الجرمية منتهية وساقطة بحكم القوانين اللبنانية، خصوصاً وأنّ التحقيقات الأوّلية المقدّمة للقاضي أبو شقرا حبلى بمعلومات صارخة عن تاريخ الفاخوري الحافل بانتهاك حقوق الأسرى في معتقل الموت في بلدة الخيام الجنوبية، عدا عن أنّ استجوابها للفاخوري استنطاقياً لم يكن قد تمّ بالصورة النهائية بسبب المراوغة المعتادة بالدفوع الشكلية لناحية تقديمها، ثمّ استئناف قرار ردّها وتمييزه.
ولمّا وجد وكيلا الفاخوري الطريق مسدودة في وجهيهما وعدم تحقيق التهديدات الأميركية نتيجتها، عمدا إلى تقديم طلب نقل الدعوى من أبو شقرا، غير أنّ الغرفة السادسة لمحكمة التمييز الجزائية خيّبت آمالهما وردّته ليبقى الملفّ بحوزة أبو شقرا.
كما أنّ المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية تتيح وتبيح وبشكل واضح لا لبس فيه إمكانية إحلال المعاهدات الدولية مكان القانون العادي وتقديمها عليه في مجال التطبيق، فلا يعود بالتالي، من عذر لعدم الاستعانة بما يعزّز الملاحقة القائمة بحقّ الفاخوري ومحاكمته على أساسها وإنزال العقوبة المناسبة به لكي يكون عبرة لسواه ممن تسوّل له نفسه التعامل مع العدوّ وخيانة وطنه وشعبه.
جرائم غير قابلة للسقوط
وعليه، رأت أبو شقرا أنّ اتفاقيات دولية عديدة وقرارات الأمم المتحدة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومعاهدات جنيف الأربعة، ولبنان موقّع عليها جميعها، أيّ أنّها ملزمة له، تؤكّد ضرورة حماية الأسرى ومعاملتهم بالحسنى وتلزم الأطراف الموقّعين المبادرة إلى ملاحقة المتهمّين المخالفين لأحكامها لجهة التعذيب والمعاملة اللإنسانية، وهي جرائم غير قابلة للسقوط بمرور الزمن على ما يقول القانون الدولي الإنساني.
وعبارة “غير قابلة” بمدلولها اللغوي، واضحة المعنى بتشديدها على استحالة تمرير هذه الجرائم من دون عقوبة وعقاب، وبالتالي لا يمكن إغفال النتيجة القانونية المترتّبة عليها بالإلتفاف عليها وإسقاطها بداعي مرور الزمن وهو ما يعتبر خرقاً لواجب الدول المعنية بتقديم مرتكبي هذه الجرائم للمحاكمة على ما تقول أبو شقرا، مستندة في ذلك إلى ما كتبه رئيس مشروع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن القانون الدولي الإنساني العرفي جون ماري هنكرتس والسيّدة لويز دوزوالد-بك من المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في كتابهما المشترك عن القانون الدولي الإنساني العرفي.
إغفال وسؤال
وفصّلت القاضي أبو شقرا بمنتهى الصراحة والوضوح، أنّ أفعال الفاخوري بتعذيب المعتقلين اللبنانيين لا علاقة لها البتّة بالحكم الصادر بحقّه سابقاً في العام 1996 والذي اقتصرت الملاحقة فيه على جرم التعامل مع العدوّ الإسرائيلي، وبالتالي لا يكون هذا الحكم متمتّعاً بقوّة القضيّة المقضيّة لناحية جرائم التعذيب والخطف والقتل التي لم يشملها أساساً.
وهذا الأمر يستدعي، عدا عن اعتبار الملاحقة قائمة، طرح سؤال بسيط وشفّاف، إذ ما دامت النيابة العامة العسكرية ادعت على الفاخوري في قضيّة التعامل مع العدوّ وعملائه مرّة واحدة، فلماذا لم تدع عليه لاحقاً لناحية ما تناهى إلى الأجهزة الأمنية عن جرائمه المتمادية ومنها ما طاول المعتقلين؟
فهل وصل ملفّ الفاخوري إلى النيابة العامة العسكرية لجهة التعذيب والقتل ولم تقم بواجبها القانوني كممثّل للحقّ العام لأسباب مجهولة وغير واضحة، أم أنّ أحداً من الأجهزة الأمنية تقاعس وتلكأ لهذه الناحية، علماً أنّ هناك عملاء بمنزلة الفاخوري وآخرين أقلّ أهمّية ورتبة ومكانة منه لوحقوا مرّتين وثلاثاً ومراراً وتكراراً على جرائم عديدة وردت بكثرة في ملفّات العملاء الذين خدموا في معتقل الخيام على هيئة سجّان أو شرطي، أو محقّق، فلماذا لم يتمّ استدراك خطأ التغاضي عن أفعال التعذيب والتنكيل؟
صحيح أنّ الشخص المدعى عليه لا يلاحق على الجرم الواحد مرّتين، بل مرّة واحدة بحسب منطوق المادة 182 من قانون العقوبات اللبناني، إلاّ أنّ الأفعال الجرمية لهؤلاء العملاء كانت تختلف بين ملفّ وآخر، فكيف غاب الفاخوري عن قائمة الملاحقة المستمرّة وأقلّه بشأن الخطف والتعذيب؟
من المسؤول؟
وأيضاً، كيف لم ينتبه أحد من المعنيين بالمعتقلين وتضحياتهم عند التحرير في العام 2000، إلى وجوب تقديم شكاوى جزائية تُتخذّ فيها صفة الادعاء الشخصي ضدّ كبار العملاء الفارين، والفاخوري أحدهم، بدلاً من الاتكال على دولة لم تراع يوماً مصالح ناسها وشعبها، والدليل أنّ الأحكام التي صدرت تباعاً عن المحكمة العسكرية الدائمة ومحكمة التمييز العسكرية لم ترتق يوماً إلى مستوى الجرائم المرتكبة، بل سارت على درب التساهل والتهاون، وهو أمر يشجّع على معاودة التعامل بنَفَس أطول وأساليب أدهى؟
وهناك أمثلة عن عملاء أعيدت محاكمتهم وإصدار أحكام جديدة بحقّهم بعد تمضية محكوميتهم وعودتهم سيرتهم الأولى في التعامل مع العدوّ ممثّلاً بعملائه الذين كانوا يتصلون بهم من فلسطين المحتلة وبلدان أخرى بهدف تجنيدهم والاستحصال منهم على معلومات مُحدَّثَة وخدمات إضافية مميّزة، قبل أن يحلّ التطوّر التكنولوجي بقوّة مكانهم ويسلبهم دورهم اللوجستي والعملاني ما عدا الحاجة الملحّة في بعض الأحيان، للمشاركة في أعمال تنفيذية تقتضيها ضرورات العملية الأمنية المنوي القيام بها.
إخفاء قسري
وفي ما خصّ الأسير علي عبدالله حمزة الذي اختفى من الوجود دون أن يعثر على أيّ أثر له، فاعتبرت القاضي نجاة أبو شقرا أنّه في حالة إخفاء قسري حتّى اليوم، وهذا يذكّر بحالة اللبنانيين المفقودين خلال الحرب الأهلية، ولا يختلف في شيء، عن قضيّة إخفاء الإمام السيّد موسى الصدر!
وأكثر ممّا تقدّم، فإنّ الفاخوري هرب مع فلول العملاء عند تكبيرة التحرير في 24 أيّار 2000، وتفكيك منظومة ميليشيا أنطوان لحد على بكرة أبيها، فلماذا لم يرد أيّ ادعاء بحقّه من النيابة العامة، وقد قيل الكثير عن جرائمه في محاضر التحقيقات الأوّلية لدى الأجهزة الأمنية الرسمية وفي الاستجوابات العلنية على مسامع كلّ الضبّاط والقضاة الذين تناوبوا على هيئات المحكمة العسكرية الدائمة على مدى عشرين سنة؟
ضمّ الدفوع للأساس
وبعد، لماذا لم تضمّ المحكمة العسكرية الدفوع الشكلية المقدّمة في 5 آذار 2020 من وكيلي الفاخوري، إلى أساس الملفّ، وتمضي قدماً في محاكمته وتستمع إلى شهادات المعتقلين المحرّرين، وقد خصّصت لهم أبو شقرا في قرارها الاتهامي مساحة شاسعة لم تكن معهودة من قبل من أيّ قاض تحقيق عسكري في ملفّ يتصلّ بمعتقل الخيام والمتعاملين مع العدوّ في تاريخ الملاحقات القضائية لهم، ووصلت إفادات هؤلاء إلى 10425 كلمة تقريباً من أصل 18434 كلمة دوّنتها في قرارها التاريخي والذي يشعر قارئه أنّه يتابع فيلماً سينمائياً عن معتقل الخيام؟
قرار ردّ الدفوع
“محكمة” تتفرّد بنشر قرار القاضي نجاة أبو شقرا بردّ الدفوع الشكلية على الشكل التالي:
“نحن، نجاة أبو شقرا، قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية،
لدى الإطلاع على “مذكّرة دفوع شكلية” المقدّمة من المدعى عليه عامر الياس الفاخوري، بواسطة وكيله المحامي فرنسوا الياس، بتاريخ 2019/10/15،
وعلى رأي حضرة مفوّض الحكومة المعاون تاريخ 2019/10/20 بردّ الدفوع الشكلية لعدم القانونية،
وعلى الأوراق كافة،
وحيث إنّ المدعى عليه عامر فاخوري طلب بموجب مذكّرته:
أوّلاً: ردّ الشكوى الحاضرة وجميع الشكاوى والإخبارات المضمومة إليها وعدم سماعها، لعلّة توافر أحكام البند الثاني من المادة /٧٣/ أ.م.ج. لناحية الدفع بسقوط الدعوى العامة سنداً لأحكام المادة /١٠/ أ.م.ج.،
ثانياً: ردّ الشكوى الحاضرة وجميع الشكاوى والإخبارات المضمومة إليها وعدم سماعها، لعلّة توافر أحكام البند الثالث من المادة /٧٣/ أ.م.ج. لناحية الدفع بعدم قبول الدعوى لسبب يحول دون سماعها أو السير بها قبل البحث في موضوعها لعلّة مرور الزمن على الأحكام الجزائية سنداً لأحكام المادة /١٤٧/ و/١٦٣/ عقوبات،
ثالثاً: ردّ الشكوى الحاضرة وجميع الشكاوى والإخبارات المضمومة إليها وعدم سماعها، لعلّة توافر أحكام البند السادس من المادة /٧٣/ أ.م.ج. لناحية الدفع بقوّة القضيّة المحكوم بها سنداً لأحكام المادة /١٨٢/ عقوبات،
رابعاً: ردّ الشكوى الحاضرة وجميع الشكاوى والإخبارات المضمومة إليها وعدم سماعها، لعلّة توافر أحكام البند السابع من المادة /٧٣/ أ.م.ج. لناحية الدفع ببطلان إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق تبعاً للإكراه المادي والمعنوي وتبعاً لانتزاع توقيع المدعى عليه على محضر التحقيق الأوّلي،
وهو استهلّ مذكّرته بالقول، إنّه يتقدّم بمذكّرته هذه سنداً للمادة /٧٣/ أ.م.ج.، وأنّ النقاط التي سيصار إلى إثارتها تتعلّق بسقوط الدعوى العامة بمرور الزمن، كما تتعلّق بقوّة القضيّة المحكوم بها، وأنّ هذه النقاط تتعلّق بالنظام العام ويعود لقاضي التحقيق إثارتها عفواً في أيّة مرحلة من مراحل التقاضي، وإنّه في حال كانت القاعدة الأصلية توجب التقدّم بالدفوع الشكلية قبل المناقشة في الأساس، أيّ قبل تقديم دفاع أو مطلب يتعلّق بالأساس، كون البتّ بهذه الدفوع قد يغني عن التطرّق للأساس، فإنّ هذه القاعدة تقبل بعض الاستثناءات تتجسّد في كون الدفع الشكلي المدلى به هو دفع يتعلّق بالنظام العام، وأنّ ما أسند له لناحية التواصل مع العدوّ ودخول بلاد العدو دون إذن وتجنيد أشخاص لصالح العدوّ هو إسناد غير قانوني، بسبب سبق الملاحقة وقوّة القضيّة المحكوم بها وسقوط الدعوى العامة بمرور الزمن العشري وسقوط الأحكام الجزائية بمرور الزمن لمدّة تزيد عن العشرين عاماً ولعدم جواز ملاحقة الشخص الواحد إلاّ مرّة واحدة عن الأفعال الجرمية،
وعرض أنّه في العام ١٩٩٦ تمّ طرده من ميليشيا جيش لبنان الجنوبي بعد أن ارتبط بحركة “الأصل” وهي حركة كانت تهدف إلى العودة إلى الشرعية اللبنانية، وهو يبرز العدد تاريخ 1996/12/3 من جريدة النهار، وأنه خضع للإقامة الجبرية وحُرِم من تعويضاته ومستحقاته وتمّ تجريده من كلّ رتبه وامتيازاته ثمّ تفرّغ للعمل التجاري مع والده منذ العام ١٩٩٨، وأنّه في العام ٢٠٠٠، اضطرّ إلى ترك عائلته ولجأ إلى “إسرائيل” بهدف الذهاب إلى أوروبا أو أميركا، وأنّه بعد دخوله “إسرائيل” رفض البقاء فيها كما رفض الحصول على الجنسية الإسرائيلية وتالياً على جواز سفر إسرائيلي وسعى للحصول على سمة سفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وأنّه كان يحوز جواز سفر لبنانياً يحمل الرقم /١١٦٢٧٧٥/ لكنّ صلاحيته كانت منتهية، وهو يبرز صورة عنه، فحصل على سمة سفر من سفارة الولايات المتحدة الأميركية في تلّ أبيب وهي صدرت بتاريخ 2001/1/4 وصالحة لغاية 2010/11/21، ويبرز صورة عنها، وفي هذا الإطار سعى للحصول على إذن مرور أو إذن عبور لاستخدامه في السفر إلى الولايات المتحد الأميركية كون ابنته تحمل الجنسية الأميركية وهو يرغب في العيش هناك ولا يريد العيش في “إسرائيل”، وهو يبرز صورة عن هذا الإذن، وأنّه لو كان يحوز الجنسية الإسرائيلية لما اضطرّ للحصول على إذن عبور، وأنّه بعد حصوله على سمة السفر غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية ودخلها بتاريخ 2001/1/6، وأنّه بعد دخوله إلى هذا البلد والتحقيق معه من قبل وزارة العدل الأميركية تبيّن أنّه لبناني ودخل كمواطن لبناني ودون أن يحوز أيّة جنسية أخرى لا إسرائيلية ولا غيرها، وهو يبرز صورة عن تقرير وزارة العدل الأميركية،
وأنّه تعرّض للتعذيب والإهانة خلال التحقيق الأوّلي وأجبر على التوقيع على المحضر دون قراءته، وأنّ تقرير الطبيب الشرعي عدنان دياب يؤكّد ذلك، وأنّه يبرز ما يثبت إسقاط الأحكام بحقّه، وأنّه تبعاً لعدم حيازته الجنسية الإسرائيلية، تكون الجرائم المسندة له عائدة بتاريخها إلى ما قبل العام ١٩٩٦ وهو تاريخ تركه لميليشيا لحد، وتكون هذه الأفعال قد سقطت بمرور الزمن، كما أنّ العقوبة موضوع الأحكام التي صدرت عن المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت بجرم التعامل مع العدوّ والاتصال به سقطت بمرور الزمن، وقد صدر قرار بذلك من النيابة العامة العسكرية بتاريخ 2018/8/3، وأنّه دخل لبنان عبر المطار دون أيّ غطاء من أيّ شخص، وهو يحوز على سجلّ عدلي نظيف وإفادة من الأمن العام ومن مكتب التحرّيات في قوى الأمن الداخلي تثبتان أنّه غير مطلوب بأيّة ملاحقة أو حكم قضائي، وأنّه بقي في لبنان ستّة أيّام قبل أن يصار إلى استدعائه إلى الأمن العام بهدف توقيفه،
وأدلى، أوّلاً: في مرور الزمن:أنّه ترك جيش لبنان الجنوبي في العام ١٩٩٦ ودخل الولايات المتحدة الأميركية في العام ٢٠٠١ ولم يخرج منها منذ ذلك الحين حتّى يومنا هذا، وأنّ ما نسب له لناحية اكتسابه الجنسية الإسرائيلية هي تهمة مفبركة انتزعت منه تحت الإكراه المعنوي والمادي والضرب المبرح، في حين أظهرت المستندات أنّه لا يحوز هذه الجنسية بل هو رفض اكتسابها عندما عُرِضت عليه، وأنّ المادة /١٠/ أ.م.ج حدّدت مدّة مرور الزمن على الجرائم بأنواعها، جنايات وجنح ومخالفات، وأنّ مرور الزمن يبدأ من تاريخ وقوع الجرم الآني، ومن تاريخ الفعل الأخير في الجرائم المتمادية، وأنّه يعود لقاضي التحقيق أن يتصدّى لمسألة مرور الزمن من تلقاء نفسه، لأنّ سقوط الجرم بمرور الزمن هو مسألة تتعلّق بالنظام العام، وأنّ مرور الزمن يمحو الصفة الجنائية للفعل، وأنّ على قاضي التحقيق أن يتصدّى لمرور الزمن قبل التطرّق لتوافر عناصر الجريمة أو عدم توفرها، وأنّه لا يؤخذ بتنازل المدعى عليه عن هذا الدفع والاستمرار في النظر بقضيّته لحين إظهار براءته، وأنّ جميع الجرائم المنسوبة له سقطت بمرور الزمن العشري،
ثانياً: في قوّة القضيّة المحكوم بها أو سبق الملاحقة: أنّ المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت أصدرت بحقّه الحكم رقم 1996/4589 في الدعوى رقم 1996/681 الذي قضى بعقوبة قدرها خمسة عشر عاماً، وأنّه صدر عن النيابة العامة العسكرية قرار قضى بإسقاط الحكم والعقوبة لعلّة مرور الزمن واسترداد كلّ الخلاصات والبلاغات، وأنّه سنداً للمادة /١٨٢/ عقوبات لا يلاحق الفعل الواحد إلاّ مرّة واحدة، وأنّ الإدلاء بسبق الملاحقة مرتبط بوحدة الفعل الذي نتجت عنه ملاحقتان أو أكثر، وأنّ الإدلاء بسبق الملاحقة يستوجب أن يتوفّر في الفعل الجرمي موضوع الملاحقة الثانية العناصر الواقعية عينها للفعل الأوّل وإن احتمل وصفاً آخر، وأنّ اختلاف الفرقاء في الملاحقتين المسندتين إلى فعل جرمي واحد لا يحول دون تطبيق مبدأ سبق الملاحقة أو سبق الادعاء، وأنّ سبق الادعاء هو عينه سبق الملاحقة لأنّ كلاهما يتعلّق بوحدة الأفعال الجرمية المشكو منها وإن اختلف فرقاء النزاع في الدعوى السابقة والدعوى اللاحقة، وأنّه لا يجوز ملاحقة الفعل الواحد سوى مرّة واحدة، والشرط الوحيد المطلوب هو وحدة الأفعال الجرمية، وأنّه يتعيّن على القاضي استعمال عبارة “عدم سماع الدعوى الراهنة”، وأنّ تعدّد أوصاف الفعل الواحد لا يحول دون تطبيق مبدأ سبق الادعاء،
ثالثاً: في مرور الزمن على الأحكام الجزائية: أنّه صدر قرار عن النيابة العامة العسكرية قضى بإسقاط الحكم والعقوبة عنه لعلّة مرور الزمن واسترداد كلّ الخلاصات والبلاغات وذلك سنداً للمادتين /١٤٧/ و/١٦٣/ عقوبات، وأنّه سنداً للمادة /٦٢/ أ.م.ج. فإنّه يدفع بعدم قبول الدعوى الراهنة لمرور الزمن، وأنّه يلاحق اليوم بالأفعال الجرمية عينها التي مرّ عليها الزمن،
رابعاً: في الدفع بقوّة القضيّة المحكوم بها وسبق الملاحقة: أنّ الحكم الذي يصدر في الدعوى العامة يجعلها منقضية، فلا يجوز ملاحقة الفعل ذاته مرّة ثانية، إلاّ في حال كانت الأفعال الجديدة تؤلّف جرائم مستقلّة ومتميّزة عن الجريمة المحكوم بها، وفي حال تبيّن أنّ الملاحقة الجديدة مبنية على الأفعال الجرمية عينها يكون للمحكوم أن يدفع بقوّة القضيّة “المحكمة” ما يحول دون السير بالملاحقة الجديدة، وأنّ هذا الدفع يستند للمادة /١٨٢/ عقوبات والمادة /٢٧٦/ أ.م.ج.، وأنّه سبق أن لوحق بالأفعال الجرمية موضوع الملاحقة الراهنة، فتكون شروط المادة /١٨٢/ عقوبات منطبقة عليه،
خامساً: في الدفع ببطلان إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق: أنّه تعرّض للإكراه المادي والمعنوي خلال التحقيق الأوّلي، وهو وقّع على محضر التحقيق الأوّلى مرغماً، وأنّه كلّما انتهكت حقوق الدفاع يتعيّن ترتيب جزاء البطلان لأّنّ حقّ الدفاع مقدّس ويجب تأمينه من بداية الملاحقة حتّى ختامها، وأنّه تعرّض للإكراه المادي والمعنوي أثناء التحقيق الأوّلي وهذا الأمر ثابت بموجب تقرير طبيب شرعي،
وحيث إنّه بتاريخ 2019/9/13، وبموجب ورقة الطلب رقم 2019/14281، أحالت النيابة العامة العسكرية إلينا، بواسطة حضرة قاضي التحقيق العسكري الأوّل، المدعى عليه عامر الياس فاخوري، للتحقيق معه بجرم إقدامه في الأراضي اللبنانية وخارجها، بالاشتراك مع كلّ من يظهره التحقيق، على إجراء تواصل مع العملاء الإسرائيليين، ودخول بلاد العدوّ دون إذن، والتجنّد لصالح العدوّ في ميليشيا لحد، وتجنيد أشخاص للعمل لصالح العدوّ، والاستحصال على الجنسية الإسرائيلية، والتسبّب بتعذيب وقتل لبنانيين، وادعت ضدّه بموجب المواد /٢٨٥/ و/٢٧٣/ و/٢٧٨/ و/٥٤٩/ عقوبات، وطلبت توقيفه،
وحيث تبيّن من المستندات المبرزة في الملفّ أنّه بتاريخ 1996/7/24 صدر عن المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت حكم بالأشغال الشاقة المؤقّتة لمدّة خمسة عشر عاماً بحقّ المدعى عليه فاخوري بجرم الاتصال بالعدوّ الإسرائيلي وعملائه،
وحيث إنّ هذه الملاحقة التي يصفها المدعى عليه بالملاحقة الأولى مقارنة لها بالملاحقة الراهنة، هي تشمل بحسب منطق الأمور الأفعال الجرمية التي ارتكبها المدعى عليه فاخوري من العام ١٩٩٦ وما قبل ذلك،
وحيث إنّ الأفعال الجرمية موضوع هذا الحكم تقتصر على اتصال المدعى عليه فاخوري بالعدوّ الإسرائيلي وعملائه،
وحيث إنّ الملاحقة الراهنة أظهرت استمرار المدعى عليه في التعامل مع العدوّ أقلّه لغاية العام ١٩٩٨ ثمّ دخوله بلاد العدوّ في 2000/5/24،
وحيث إنّ التحقيقات في الملفّ الراهن لم تكتمل بعد، وهي لم تنفِ بالتالي بشكل كافٍ استمرار تعامل المدعى عليه فاخوري مع العدوّ أو دخول بلاده بعد التاريخين المذكورين،
وحيث إنّ الملاحقة الراهنة، ووفق ما هو مبيّن في ورقة الطلب المومأ إليها أعلاه، لا تقتصر على تعامل المدعى عليه مع العدوّ بل تشمل جرائم أخرى،
وحيث يقتضي وفي ضوء ذلك ردّ الدفع بسبق الملاحقة أو بسبق الادعاء المثار من المدعى عليه فاخوري لعدم القانونية،
وحيث إنّ الحكم الغيابي الصادر بحقّ المدعى عليه فاخوري عن المحكمة العسكرية الدائمة بتاريخ 1996/7/24 يتعلّق بجرم اتصاله مع العدوّ وعملائه فقط، وهو يغطّي أفعال تعامل مع العدوّ أقدم عليها المدعى عليه فاخوري من العام ١٩٩٦ وما قبله، وهو لا يشمل بطبيعة الحال أفعال تعاملٍ مع العدوّ نسبت للمدعى عليه فاخوري بعد صدور الحكم بحقّه، والتي هي جزء من موضوع الملاحقة الراهنة، كما لا يشمل الأفعال الأخرى المنسوبة للمدعى عليه فاخوري والتي هي جزء آخر من موضوع الملاحقة الراهنة، كمثل اكتسابه الجنسية الإسرائيلية والتسبّب بتعذيب لبنانيين وقتلهم،
وحيث يكون هذا الحكم غير متمتّع بقوّة القضيّة المحكوم بها تجاه الملاحقة الراهنة،
وحيث يقتضي بالتالي رد الدفع بقوّة القضية المحكوم بها المثار من المدعى عليه فاخوري لعدم القانونية،
وحيث لمّا كانت التحقيقات الراهنة لم تنتهِ بعد، وهي لم تنفِ بشكل كافٍ اكتساب المدعى عليه فاخوري للجنسية الإسرائيلية، الفعل الذي إن رجّحت الأدلّة إقدام المدعى عليه فاخوري عليه، فهو جرم مستمرّ غير ساقط بمرور الزمن،
وحيث إنّ البتّ بمدى سقوط جرم التعامل مع العدوّ بمرور الزمن، في ضوء وجود ادعاء باكتساب المدعى عليه فاخوري للجنسية الإسرائيلية، وهو جرم مستمرّ، وقبل انتهاء التحقيقات وقبل توفر الأدلّة الكافية على ارتكابه هذا الفعل أو عدم ارتكابه له، يعدّ تصدّياً للأساس قبل انتهاء التحقيقات، ما يوجب ردّ الدفع بمرور الزمن لهذه الناحية،
وحيث إنّ المنطق نفسه يطبّق على فعل دخول المدعى عليه لأراضي العدوّ الإسرائيلي، فإذا كانت التحقيقات أظهرت حتّى تاريخه أنّ المدعى عليه دخل بلاد العدوّ في 2000/5/24 وغادره في 2001/7/6 (أنظر النسخة التي أبرزها المدعى عليه فاخوري عن طلب اللجوء الذي تقدّم به لدى وزارة العدل الأميركية، وأفاد فيها أنّ آخر تاريخ لمغادرته لبنان هو 2000/5/24 وأنّ آخر تاريخ لدخوله الولايات المتحدة الأميركية هو في 2001/7/6 ، وليس 2001/1/6 كما ورد في مذكّرته، مع الإشارة إلى أنّ كتابة التاريخ في الولايات المتحدة الأميركية ترد على الشكل التالي: الشهر/ اليوم/ السنة، لذا ذكر في هذا الطلب تاريخ مغادرته لبنان على الشكل التالي 05/24/2000 كما ذكر تاريخ دخوله الولايات المتحدة الأميركية على الشكل التالي 07/06/01)، فإنّ التحقيقات لم تكتمل بعد، وهي لم تنفِ بشكل كافٍ ما أسند للمدعى عليه فاخوري لهذه الناحية،
وحيث إنّ القول في هذه المرحلة المبكرة من التحقيق أنّ آخر تاريخ لوجود المدعى عليه في بلاد العدوّ هو في 2001/7/6 يلامس أساس التحقيق ويعدّ مصادرة له قبل اكتماله، ما يوجب رد الدفع بمرور الزمن لهذه الناحية أيضاً،
وحيث لناحية الدفع بمرور الزمن على العقوبة موضوع الحكم الغيابي الصادر بحقّ المدعى عليه فاخوري بتاريخ 1996/7/24 بجرم الاتصال بالعدوّ الإسرائيلي وعملائه، فإنّ هذا الحكم والجرائم موضوعه تخرج عن نطاق التحقيق الراهن ولا تأثير له عليها، وقد تمّ التعليل أعلاه أنّ جرائم التعامل مع العدوّ المسندة إلى المدعى عليه فاخوري بموجب الملاحقة الراهنة هي تلك التي ارتكبت بعد العام ١٩٩٦، فيما هذا الحكم يشمل جرائم التعامل التي ارتكبت قبل هذا التاريخ، ولذا فهو لا يتمتّع بقوّة القضيّة المحكوم بها تجاه الملاحقة الراهنة، ولا يكون لسقوط العقوبة موضوعه أيّ تأثير على الملاحقة الراهنة،
وحيث إنّه يعود للنيابة العامة العسكرية وحدها النظر في مدى صحّة قرارها بإسقاط العقوبة موضوع هذا الحكم الغيابي، ومدى جدوى الرجوع عنه،
وحيث يقتضي بالتالي ردّ هذا الدفع لعدم قانونيته لخروج أمر النظر به عن صلاحيتنا وخروج الجرائم موضوع الحكم تاريخ 1996/7/24 عن نطاق التحقيق الراهن،
وحيث أسند للمدعى عليه فاخوري “التسبّب بقتل وتعذيب لبنانيين” خلال تولّيه أمرة معتقل الخيام،
وحيث إنّ من اعتقلوا في معتقل الخيام، ومن بينهم من تمّ استماعهم كشهود يتمتّعون بوصف الأسرى، كونهم شاركوا جميعاً بالعمل المقاوم ضدّ الإحتلال الإسرائيلي،
وحيث نسب للمدعى عليه فاخوري ارتكابه هذه الأعمال عندما كان ضابطاً في جيش لبنان الجنوبي وهو ميليشيا تابعة للعدوّ الإسرائيلي،
وحيث إنّ هذه الأفعال ارتكبت عندما كان لبنان يرزح تحت الإحتلال الإسرائيلي وكان في حالة حرب مستمرّة مع الإحتلال، أيّ في حالة نزاع دولي مسلّح يستوجب تطبيق القانون الدولي الإنساني، وفق ما تنصّ عليه المادة /٢/ المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩،
وحيث إنّ هذه الأفعال تعدّ بالتالي، وفي ضوء ظروف ارتكابها وماهيتها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية دولية،
وحيث إنّ لبنان انضمّ إلى معاهدات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩ بتاريخ 1951/4/10، كما انضمّ إلى بروتوكوليها الإضافيين في 1997/7/23،
وحيث إنّ هذه المعاهدات توجب حماية الأسرى وتنصّ على حسن معاملتهم،
وحيث إنّ المادة /٥٠/ من اتفاقية جنيف الثانية نصّت على التزام كلّ طرف متعاقد بملاحقة المتهمّين باقتراف مخالفات جسيمة لها أو الأمر باقترافها وتقديمهم للمحاكمة،
وحيث إنّ المادة /٥١/ من هذه المعاهدة عدّدت بعض الأفعال التي تعدّ مخالفة جسيمة لأحكامها ومن بينها التعذيب، المعاملة اللإنسانية، إحداث آلام شديدة، الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحّة،
وحيث إنّ القواعد الدولية، وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني، تعتبر هذه الجرائم غير قابلة للسقوط بمرور الزمن،
وحيث إنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة دأبت منذ العام ١٩٤٣ على مناشدة جميع الدول على التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية وتقديم مرتكبيها للمحاكمة، كما أنّ لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اعتمدت منذ العام ١٩٧٧ قرارات عدّة أغلبها دون تصويت، طالبت فيها بالتحقيق مع الأشخاص المشتبه بارتكابهم لانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وبوجوب محاكمة مرتكبي جرائم الحرب،
وحيث إنّ القول بسقوط جرائم الحرب والجرائم المعتبرة ضدّ الإنسانية بمرور الزمن يعدّ خرقاً لواجب الدول كافة بتقديم مرتكبي هذه الجرائم للمحاكمة،
(أنظر، جون-ماري هنكرتس ولويز دوزوالد-بك، القانون الدولي الإنساني العرفي، المجلّد الأوّل: القواعد، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاعدة ١٥٨، القاعدة ١٦٠)،
وحيث إنّ هذه القواعد تعتبر قواعد فوق وطنية، وهي تسمو على القوانين الداخلية،
وحيث إنّ لبنان عضو مؤسّس للأمم المتحدة وعامل فيها ويلتزم مواثيقها الدولية وفق ما هو منصوص عليه في مقدّمة الدستور،
وحيث إنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت بتاريخ 1946/12/11 قرارها رقم ٩٥ (د-١) وهو صدّق دون معارضة، أكّدت فيه على مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية وفي حكم المحكمة، وعلى رأسها عدم سقوط جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية بمرور الزمن،
وحيث إنّ لبنان عضو في المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة الذي أصدر بتاريخ 1966/8/5 قراراً يحمل الرقم ١١٥٨ (د-٤١) أكّد على وجوب معاقبة مجرمي الحرب والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضدّ الإنسانية،
وحيث إنّ لبنان انضمّ في 1972/11/3 إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم ٢٢٠٠ (د-٢٢) تاريخ 1966/12/16، وبات ملزماً له في 1976/3/23، وهو نصّ في الفقرة الثانية من المادة /١٥/ على أنّه “ليس في هذه المادة من شيء يخلّ بمحاكمة ومعاقبة أيّ شخص على أيّ فعل أو امتناع عن فعل كان حين ارتكابه يشكّل جرماً وفقاً لمبادئ القانون العامة التي تعترف بها جماعة الأمم”،
وحيث إنّ هذه المادة تعني تبنّي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعدم سقوط الدعوى العامة بمرور الزمن في مجال الجريمة الدولية (أيّ جرائم الحرب والجرائم المعتبرة ضدّ الإنسانية) أيّاً كانت صفة مرتكبها،
(أنظر، مهجة محمّد عبد الكريم، دور المحاكم الجنائية الدولية في إرساء قواعد القانون الدولي الجنائي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية- مصر، ٢٠١٨، ص ٤٤٧)،
وحيث إنّ لبنان صوّت بالموافقة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٣٠٧٤ (د-٢٨) تاريخ 1973/12/3 المتعلّق بمبادئ التعاون الدولي في تعقّب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، (أنظر البند ٦٠ من محضر جلسة مناقشة هذا القرار)،
وحيث إنّ هذا القرار نصّ في البند الثامن منه على أنّه “لا تتخذ الدول أيّة تدابير، تشريعية أو غير تشريعية، قد يكون فيها مساس بما أخذته على عاتقها من التزامات دولية في ما يتعلّق بتعقّب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية”،
وحيث تنصّ المادة /٢/ من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنّ أحكام المعاهدات تتقدّم على أحكام القانون العادي في حال التعارض بينهما،
وحيث إنّ تضمّن القانون اللبناني لمبدأ مرور الزمن، دون استثناء جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية الدولية منه، رغم انضمام لبنان لكلّ المعاهدات التي ذكرت أعلاه، يعدّ تعارضاً بين القانون الداخلي والمعاهدات الدولية، ويوجب تقديم الثانية على الأوّل،
وحيث إنّ انضمام لبنان للمعاهدات المبيّنة أعلاه وموافقته على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المومأ إليها، يجعله ملزماً بمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية الدولية، ولا يجوز له كدولة، القول لا تشريعياً ولا قضائياً، بسقوط هذ الجرائم بمرور الزمن،
وحيث إنّ انضمام لبنان لهذه المعاهدات وموافقته على هذه القرارات يعني أنّه كدولة لا يمكنه إصدار قانون ينصّ على سقوط جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية (الجرائم الدولية) بمرور الزمن، وإلاّ كان هذا القانون غير واجب التطبيق على القاضي اللبناني عملاً بالمادة /٢/ أ.م.م.، فكيف إذا كان لبنان لم يعتمد مثل هذا القانون وجعل مبدأ مرور الزمن عاماً، دون استثناء لأيّ جرم، إذ عندها يصبح من واجب القاضي اللبناني القول وعملاً بالمادة /٢/ أ.م.م. وبالقواعد الدولية المرعية الإجراء أنّ هذه الجرائم الدولية مستثناة من القاعدة القانونية الداخلية اللبنانية المتعلّقة بمرور الزمن، وهي تالياً جرائم لا تسقط بمرور الزمن،
وحيث يبنى على كلّ ما تقدّم أنّ جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية الدولية لا تسقط بمرور الزمن،
وحيث أسند للمدعى عليه فاخوري ارتكابه لهذه الجرائم بالادعاء عليه بإقدامه على “التسبّب” بتعذيب وقتل لبنانيين، وذلك خلال تولّيه لأمرة معتقل الخيام الذي أودع فيه الأسرى المقاومون للإحتلال الإسرائيلي،
وحيث يكون جرمه المذكور غير قابل للسقوط بمرور الزمن،
وحيث يقتضي بالتالي ردّ الدفع بمرور الزمن لهذه الناحية،
وحيث إنّ التحقيقات أظهرت شبهة حول إقدام المدعى عليه فاخوري على تعذيب الأسير علي عبد الله حمزة ثمّ إخفائه،
وحيث إنّ مصير الأسير حمزة لا زال مجهولاً حتّى اليوم،
وحيث يكون الأسير حمزة في حالة إخفاء قسري حتّى اليوم،
وحيث إنّ استمرار جرم الإخفاء حتّى اليوم يحول دون سقوطه بمرور الزمن، لكونه جرماً مستمرّاً لم ينقضِ حتّى تاريخه،
وحيث يقتضي بالتالي ردّ الدفع بمرور الزمن المثار من المدعى عليه فاخوري للعلّة تلك أيضاً،
وحيث لناحية الدفع ببطلان التحقيق الأوّلي،
وحيث أدلى المدعى عليه فاخوري أنّ إفادته في التحقيق الأوّلي انتزعت منه بالإكراه المعنوي والمادي وتحت الضرب المبرح وأجبر على التوقيع على إفادته،
وحيث إنّ المدعى عليه فاخوري لم يقدّم أيّ دليل على ما يدعيه،
وحيث إنّ تقرير الطبيب الشرعي عدنان دياب الذي استند له لا يثبت تعرّضه لأيّ تعنيف، ولا لتعذيب، بل إنّ التقرير انتهى إلى أنّ المدعى عليه بصحّة جيّدة ولا يشكو من أيّ مرض مزمن أو إصابات أو أذى يشكّل ضرراً ذات أهمية،
وحيث وفي مطلق الأحوال فإنّه يبقى لقاضي التحقيق أن يحدّد قيمة الدليل المستقى من التحقيق الأوّلي في ضوء ما يتوفّر لديه من أدلّة أخرى خلال التحقيق الاستنطاقي،
وحيث يقتضي بالتالي ردّ الدفع ببطلان التحقيق الأوّلي لعدم القانونية،
لذلك
نقرّر وفقاً للرأي،
أوّلاً: ردّ جميع الدفوع المثارة من المدعى عليه عامر الياس فاخوري، وهي الدفع بسبق الادعاء، والدفع بسبق الملاحقة، والدفع بقوّة القضيّة المحكوم بها، والدفع ببطلان التحقيقات الأوّلية، والدفع بمرور الزمن على الحكم الغيابي الصادر بحقّه بتاريخ 1996/7/24، والدفع بمرور الزمن على الدعوى العامة بالجرائم المسندة له وفق التعليل المساق أعلاه.
ثانياً: متابعة التحقيق من النقطة التي وصل إليها وتكرار سوق المدعى عليه فاخوري لمتابعة استجوابه يوم الخميس الواقع فيه 2019/10/31، وإبلاغ ذلك من يلزم.
قراراً صدر في بيروت بتاريخ 2019/10/29.”
“محكمة” – الخميس في 2020/3/19
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.