هكذا قتل عاملان سوريان الشاب حمية في الطريق الجديدة.. والإعدام عقوبتهما
كتب علي الموسوي:
بعد مُضي سنة وعشرة شهور على ارتكاب جريمة الطريق الجديدة حيث قتل الشاب محمّد حمية على يد مجرمين إثنين من حَمَلة الجنسية السورية كانا يعملان في متجر والده، عادت وقائعها إلى الواجهة من جديد من خلال الحكم الغيابي الذي أصدرته محكمة الجنايات في بيروت.
فالقاتلان لم يكتفيا بالسرقة شبه اليومية من المتجر المعدّ لبيع الملبوسات، ومن المستودع التابع له، بل عمدا إلى قتل شاب في مقتبل العمر، ووحيد أهله، لمجرّد انكشاف أمرهما بمدّ أيديهما إلى مال من أكرمهما وآمنهما للعمل معه، والأفظع من كلّ ذلك طريقة القتل التي اعتمداها، وهي تركه يئنّ تحت وطأة جروحاته ودمائه والإطباق عليه حتّى الإختناق مستخدمين أكياساً كبيرة قطعت عنه الهواء، ثمّ ذهبا إلى والده وأحدهما تبدو عليه علامات التعارك مع الضحية، وأكملا عملهما بشكل اعتيادي وكأنّ شيئاً لم يكن، إلى أن حان وقت الإختفاء بالفرار إلى بلدهما سوريا حيث لم يعد بالإمكان توقيفهما في ظلّ أزمة الحرب القاسية التي تعيشها سوريا، ولكنْ أنّى لهما أن يهربا من ربّ العالمين؟.
وقد توجّت محكمة الجنايات في بيروت والمؤلّفة من الرئيس عماد سعيد منتدباً، والمستشارين هاني عبد المنعم الحجّار ولارا منيّر منتدبة، جلساتها في هذه القضية بحكم قضى بتجريم المتهمّين مصطفى عبد الباسط التحفة وباسل سعد الدين الأحمد الشبلي بجناية الفقرة الثامنة من المادة 549 عقوبات، وإنزال عقوبة الإعدام بكلّ منهما وتجريدهما من حقوقهما المدنية ومنعهما من التصرّف بأموالهما المنقولة وغير المنقولة، وإلزامهما بأن يدفعا للمدعي والد الضحية بالتكافل والتضامن في ما بينهما مبلغ ماية وخمسين مليون ليرة كبدل عطل وضرر.
علاقة جيّدة فاكتشاف السرقة
وفي تفاصيل هذه الجريمة، أنّ حياد حمية يمارس وعائلته المؤلّفة منه ومن زوجته وابنه المغدور محمّد وابنته سارة، تجارة الألبسة ويملك لهذه الغاية محلّاً في محلّة الكولا في بيروت، ومستودعاً في شارع عفيف الطيبي. وقد بدأ المتهمان مصطفى التحفة (والدته فايزة مواليد 1987)، وباسل الشبلي(والدته أمينة مواليد 1995، رقم القيد 29\جبّ الخفي)، العمل لديه أوائل العام 2015 وكانت علاقتهما به وبابنه جيّدة، إذ إنّه كان يسدّد رواتبهما في الوقت المحدّد، إلاّ أنّ جشعهما وطمعهما دفعهما إلى استغلال عملهما وسرقة البضائع من المستودع بشكل مدروس ومنظّم بحيث لم ينتبه حمية إلى حصول السرقة، وقد بلغ مجموع ثمن ما سرقاه 6780 دولاراً أميركياً على فترات متلاحقة.
وتبيّن أنّه بتاريخ 3\9\2015 كان حمية بانتظار وصول شحنة من الألبسة من تركيا، فطلب من ولده المغدور محمّد تولّي أمر استلامها وتخزينها في المستودع، فتوجّه إلى هناك لإتمام المهمّة، فيما غادر والده إلى طرابلس.
إستلم محمّد حمية البضاعة وخزّنها في المستودع بمساعدة العاملين المتهمّين وغادر المستودع إلى محلّ الألبسة، فوصله عند الساعة التاسعة حيث التقى شقيقته سارة وبقي في المحل قرابة الساعتين، ثمّ توجّه إلى المستودع عند حوالي الساعة الحادية عشرة، لجلب البضاعة الناقصة إلى المحلّ، غير أنّه لاحظ أمر السرقة، فحصل عراك بينه وبين المتهمّين نتج عنه تكسير مغسلة في المستودع، وتمكّن المتهمان من التغلّب عليه بعد أن ضرباه بواسطة آلة حادة على رأسه، ثمّ قاما بتكبيل يديه إلى الخلف ورجليه بواسطة أشرطة بلاستيكية ووضعا قماشة عبارة عن علم دولة ألمانيا في فمه وكيساً من النايلون على رأسه ولفّاه بكيسين من الأكياس التي تستعمل في تخزين البضاعة (جنفيص) ووضعاه في قسم من المستودع وهو ما يزال على قيد الحياة، ثمّ قاما “بستف” أكياس البضاعة فوقه حتّى امتلأ ذلك القسم من المستودع بالبضاعة بشكل أصبح المغدور غير ظاهر.
إرتياب سارة
وتوجّه المتهمان بعدها، إلى المحلّ، فوصلاه قرابة الساعة الثانية عشر حيث كانت سارة ووالدها يحاولان الإتصال بالمغدور على هاتفه دون نتيجة إيجابية، وكان المتهم التحفة يضع ورقة محارم على إبهامه وقد غيّر الكنزة التي كان يرتديها. وعند سؤال سارة له عن سبب ذلك أجابها بأنّه وقع خلال نزوله الى المستودع، وقد تأذّى إبهامه وكتفه.
إرتابت سارة بالأمر، فراحت تعاود الإتصال بشقيقها دون نتيجة، وسألت المتهمّين عنه فأخبراها بأنّه ذهب لتناول طعام الفطور، ثمّ اتصلت بشركة الهاتف “touch” دون أن يتمكّن مُجيبها من مساعدتها، وكان المتهم التحفة إلى جانبها فقال لها:”ما أزنخهم ما ساعدوكي”، وكان المتهم الشبلي يغادر المحلّ، ثمّ يعود.
وتبيّن أنّ سارة قصدت المستودع، وتبعها والدها ورافقهما المتهم التحفة، في حين بقي المتهم الآخر في المحلّ، وبحثا عن المغدور دون أن يتمكّنا من العثور عليه.
القاتل يدخّن النارجيلة
وتوجّه التحفة إلى مقهى ع. ح. الكائن في محلّة الطريق الجديدة حيث دأب على التردّد إليه سابقاً ودخّن النرجيلة، ولاحظ صاحب المقهى الذي يعرفه باسم “وسام”، وليس مصطفى، أنّ إصبعه مصاب وهناك خدوش على رقبته (مدبغة) فسأله عن السبب فأجابه التحفة بأنّه كان في منطقة عرمون حيث تعارك مع ضابط وجرح إصبعه ورقبته بسبب فتاة من أقرباء الأخير، وبعد انتهائه من تدخين النرجيلة غادر المقهى.
وفي هذه الأثناء، كان المغدور قد فارق الحياة إختناقاً بسبب الكيس الموضوع على رأسه قرابة الساعة الثانية بعد الظهر، كما قدّر الطبيب الشرعي الدكتور سامي قوّاس لاحقاً.
وقد بقيت محاولات المدعي إيجاد إبنه عقيمة، فتوجّه قرابة الساعة السادسة والنصف مساء إلى فصيلة طريق الجديدة للإبلاغ عن فقدان ابنه، إلاّ أنّ رتيب التحقيق رفض أن يفتح محضراً بالموضوع ويبدأ التحقيق وذلك بناء لإشارة النيابة العامة الإستئنافية في بيروت بحجّة أنّه لم يمض على الفقدان مدّة 24 ساعة.
الفرار إلى سوريا
وعند الساعة 7:46 مساءً، أرسل المتهم التحفة رسالة عبر خدمة “الواتس أب” إلى الأب حمية يسأله فيها:”شو صار”، دون أن يلقى جواباً فورياً منه، فانتقل عند الساعة الثامنة إلى المقهى نفسه ودخّن النرجيلة، ثمّ غادر وعاد إلى المقهى بعد قرابة نصف ساعة يرافقه المتهم الشبلي، وأجريا عدّة اتصالات، ثم فرّا من المقهى راكضين، ليعود المتهم التحفة بعد عشر دقائق بمفرده ويخبر ع. ح. بأنّه ذاهب إلى سوريا، لأنّ الضابط الذي تعارك معه في عرمون، قد داهم منزله هناك، وطارده حتّى مستديرة الكولا!.
وتبيّن أنّ المتهم التحفة توجّه إلى محلّة السفارة الكويتية/ الغولف، واستقلّ آلية عند الساعة 8:47 تقريباً أوصلته إلى نقطة المصنع الحدودية، ومنها عبر إلى سوريا قرابة الساعة 23:31.
وعند الساعة 8:59 تنبّه الأب حمية إلى رسالة المتهم التحفة فأجابه: “ولا يهمّك بعد ما في شي”، ليعود ويسأله حمية عند الساعة 10:17: “وينك”، دون أن يلقى جواباً من المتهم المذكور.
العثور على الجثّة
وتبيّن أنّ حمية لجأ إلى “شعبة المعلومات” حيث تولّى مكتب بيروت الرابعة البحث عن ابنه، واشتبه رجاله بوجوده في المستودع بعد فتحه وانبعاث رائحة تدلّ على وجود جثّة فيه حيث لاحظوا أنّ هناك كيساً يحتوي على ثياب يقع في وسط المستودع وفوقه ثلاث بالات أخرى يظهر منها إصبع بشري، وبالكشف عليه وجدت بداخله جثّة المغدور وهي شبه مقوّسة، وداخل الفمّ خرقة عبارة عن علم الدولة الألمانية، وقد لفّت الخرقة مع الفمّ بشريط لاصق شفّاف ويدا الضحية مقيّدتان خلف الظهر بواسطة ربطتي كهرباء بلاستيكيتين وحبل من النايلون، كما أنّ القدمين مقيّدتان بواسطة ربطة كهرباء بلاستيكية وحبل.
وأفاد الطبيب الشرعي في تقريره أنّ المغدور تعرّض لضربة قوية بجسم صلب على رأسه أحدث له نزيفاً بطيئاً في فروة الرأس، كما أنّه تعرّض للإختناق بواسطة لفّة البلاستيك على فمه والكيس حول رأسه، مستنتجاً أنّه كان على قيد الحياة كلّ هذا الوقت وهو ينزف ببطء من رأسه ويختنق بسبب الكيس حيث لا يوجد أوكسجين ويوجد ثقل على صدره منعه من الحراك كونه مكبّل اليدين والأرجل، وقدّر حصول الوفاة قرابة الساعة الثانية من بعد الظهر.
“محكمة”- السبت في 15/07/2017.
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.