هل تعبرُ نجم بـ”تعييناتها” في مجلس القضاء بحرَ السياسة اللبنانية؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
هل سقط خيار وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة ماري كلود نجم بتسمية أربعة قضاة لعضوية مجلس القضاء الأعلى قبل أن يبصر النور ويستحيل مرسومًا عاديًا كان في الماضي القريب والبعيد يمرّ من دون ضجّة و”طوشة” وبشكل سهل وهادئ جدًّا لتضمّنه أسماء غير مستفزّة، لا بل موافق عليها من جميع أركان الحكم وأهل السلطة؟
وهل يوافق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب على الأسماء الأربعة الجديدة التي ارتأت نجم أنّها الأنسب والأفضل بين أبناء طوائفها لتكون في مجلس القرار، وتوقيعه أساسي في المرسوم؟
وهل يعقل أنّ وزيرة العدل لا تعرف أنّ اثنين من هؤلاء الأربعة مقرّبان لا بل محسوبان على التيّار الوطني الحرّ الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وهي من حصّته في مجلس الوزراء؟
قد تكون نجم ملزمة بـ”العونية” رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضية جويل فوّاز كممثّلة عن وحدات وزارة العدل بفعل التناوب الحاصل بين هذه الهيئة وهيئة القضايا وقد اختار وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي حصر رئاستيهما بقاضيتين محسوبتين على عون وتيّاره الحزبي والسياسي، لكنّها بالتأكيد لم تكن مضطرّة إلى اختيار قاضية أخرى ليست بعيدة عن الفريق السياسي نفسه كما يردّد قضاة.
كان بمقدور نجم أن تكون أكثر حيادية لتحقّق الهدف المنشود بإنقاذ مجلس القضاء الأعلى من كمين التعطيل ما لم تتمّ التعيينات المطلوبة بأسرع وقت ممكن.
ولاءات وحياد
ولا نتحدّث هنا عن ولاءات وانتماءات سياسية، فقضاة لبنان “يقفون” على الحياد، ولا يحملون بطاقات حزبية، ولكن قد تصدر عنهم مواقف ووجهات نظر تكون قريبة من هذه الجهة السياسية أو تلك، أو قد تفسّر على أنّها تأييد لهذا أو ذاك، ففي نهاية المطاف هم من هذا النسيج اللبناني المختلط، وقد تُقدم جهات حزبية وسياسية على تصنيفهم وإلباسهم زيّها الحزبي المزخرف من دون الوقوف على رأيهم في تعدّ صريح على استقلاليتهم وحرّيتهم.
إستفزاز!
ولكن ما فعلته نجم عن اقتناع وإيمان، أصاب قصر العدل بدوار، وأثار الكثير من التساؤلات.
فكيف تختار نجم قاضيًا كتب مقالًا في شهر آب 2020 تهجّم فيه على مجلس القضاء الأعلى فأحاله على هيئة التفتيش القضائي لمساءلته مسلكيًا على خروجه على المناقبية القضائية و”موجب التحفّظ” وذلك لمجرّد عدم تعيينه محقّقًا عدليًا في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟
وهذا القاضي إنتصر لكرامته بعد تعرّضه لحملة انتقاد وتشهير وتجريح في وسائل الإعلام لم يكن لها أيّ داع على الإطلاق، بعد إصرار الوزيرة نجم نفسها على تسميته لتحمّل مسؤولية التحقيق، من دون القيام بأيّ تشاور مع المعنيين في مجلس القضاء الأعلى كما جرت العادة في الماضي بين كلّ وزراء العدل السابقين ومجالس القضاء المتعاقبة حول الاسم المقترح من الوزير والذي يفترض أن ينال بركات المجلس للموافقة على تعيينه رسميًا.
لقد طرّز القاضي سامر يونس مقالًا عنيفًا(نشرته“محكمة” يومذاك) لم يوفّر فيه أحدًا واستعاد فيه مواقفه في غير قضيّة عرضت عليه يوم كان محاميًا عامًا استئنافيًا في بيروت، ودفعته كرامته عن غير قصد إلى السعي إلى ردّ اعتباره فوقع في المحظور بالتطاول على مجلس القضاء الذي رفض بدوره هذا التهجّم.
ولا شكّ أنّ وزيرة العدل تعرف جيّدًا أنّ طرح اسم القاضي سامر يونس يستفزّ القضاة الحكميين الثلاثة في مجلس القضاء بدءًا من رئيسه القاضي سهيل عبود، ومرورًا بنائبه القاضي غسّان عويدات، وانتهاء برئيس هيئة التفتيش القاضي بركان سعد الذين وقّعوا قرار إحالته على هيئة التفتيش، فكيف تريدهم أن يقبلوا به جالسًا إلى جانبهم، وهو معروف بحدّته وجرأته وعدم إلمامه بأساليب المسايرة والتمييع؟!
نصيحة
صحيح أنّ نجم اختارت أربعة أسماء جديدة لم يتسنّ لأيّ أحد منها في السابق الفوز بعضوية مجلس القضاء الأعلى، وهذا أمر جيّد.
وصحيح أنّ نجم اختارت ثلاث سيّدات يصبحن أربعًا بانتقال القاضية جانيت حنّا إلى داخل مجلس القضاء بالإنتخاب أو التعيين في وقت لاحق، وهذه هي المرّة الأولى التي يضمّ فيها مجلس القضاء الأعلى أربع قاضيات دفعة واحدة(ضمّ ثلاث قاضيات مرّتين عامي 2012 و2018)، وهذا أمر صحّي وجيّد أيضًا.
ولكن، هل يمكن القول إنّ نجم بهذه الخيارات تكون قد أعطت فريقًا سياسيًا القدرة على التعطيل خصوصًا وأنّ من مهام مجلس القضاء الأعلى المرتقب إصدار تشكيلات قضائية سواء قبل أو بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأوّل 2022، وولاية هذا المجلس تستمرّ ثلاث سنوات وتحديدًا لغاية العام 2024؟
إنّ مجلس القضاء الأعلى ليس حلبة للملاكمة، أو مسرحًا للصراع السياسي، فمهامه القانونية والإدارية محصورة بتأمين حسن سير العمل في السلطة القضائية وصون كرامة القضاء، ويتوجّب بذل كلّ الجهود لنجاحه وبقائه إذا ما كانت النيّات صافية لانتشال الدولة من انزلاقها إلى المجهول سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
وبحسب معلومات “محكمة”، فإنّ نصيحة مثالية قدّمت للوزيرة نجم باختيار قضاة من درجات متقدّمة ويملكون خبرة طويلة وسنوات مديدة في العمل القضائي(أتحفّظ على ذكر الأسماء راهنًا)، لكنّها انحازت إلى ما أملته عليها رؤيتها الذاتية بضرورة انتقاء وجوه جديدة وعناصر شابة، ولكن يؤخذ عليها أنّها لم تنسّق خطوتها بشكل كامل ونهائي مع المعنيين في السلطة برجالاتها وأحزابها، وكاذب ومخادع من يقول إنّ المرجعيات السياسية والأحزاب لا تتدخّل في القضاء تشكيلاتٍ وتعيينات وملفّات!
وفي حال هبط الوحي بتوقيع مرسوم تعيين القضاة الأربعة جويل فوّاز عن وحدات وزارة العدل، ورولا الحسيني عن محاكم الإستئناف في بيروت، وسامر يونس عن محاكم الإستئناف في الشمال، ودانيا الدحداح عن محاكم البداية والأقسام(القضاة المنفردين) في بيروت، وهو صعب، فإنّ مجلس القضاء الأعلى المنتظر يضمّ ستّة قضاة جدد يدخلون المجلس للمرّة الأولى في حياتهم، وهم الأربعة المذكورون والإثنان الآخران جانيت حنا وماجد مزيحم(بالإنتخاب من محاكم التمييز أو التعيين من وزير العدل).
إنتدابات محكمة التمييز
وفي الإطار عينه، كان يفضّل أن يصدر مرسوم مناقلات قضائية جزئية تقتصر على ملء المراكز الشاغرة في غرف محكمة التمييز بتثبيت المنتدبَيْن الموجودين جمال الخوري ورلى المصري وتعيين آخرين، إلّا أنّ الإرادة السياسية كانت أقوى، فاستعيض عن ذلك بانتدابات إضافية.
وعلمت “محكمة” أنّ مجلس القضاء الأعلى إقترح في جلسته اليوم الإثنين الواقع فيه 24 أيّار 2021، انتداب أربعة قضاة لترؤس أربع غرف في محكمة التمييز ووافقت وزيرة العدل عليهم، وهم: ماجد مزيحم لرئاسة الغرفة الثامنة، ناجي عيد لرئاسة الغرفة الأولى، رندى الكفوري لرئاسة الغرفة السادسة، وجانيت حنّا لرئاسة الغرفة الخامسة.
وسبق لـ“محكمة” أن ذكرت اسم القاضية جانيت حنا ضمن أسماء القضاة من طائفة الروم الأرثوذكس المطروحين لمركز رئيسة الغرفة الخامسة المدنية في محكمة التمييز والمختصة بقضايا العجلة والتنفيذ، ومنها ما يتعلّق بالمصارف ولا سيّما بعد تعاطيها المذلّ مع المودعين منذ بدء أزمة السيولة المادية وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وتراجع قيمتها الشرائية.
وكانت أسماء القضاة مزيحم وعيد والكفوري قد وردت في مشروع مرسوم التشكيلات القضائية في العام 2020، ولم يكن يوجد أيّ خلاف حولها وبشأنها، فعادت إلى مواقعها بصورة انتداب لتثبّت لاحقًا، فيما وري المشروع في ذمّة السياسة اللبنانية الواسعة.
“محكمة” – الإثنين في 2021/5/24
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.