هل خالف عبود القانون بتجاوز مجلس القضاء والتفرّد بتعيينات قضاة لجان القيد الإنتخابية؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
إذا كان من حقّ القاضي سهيل عبود أن يرأس اجتماعات مجلس القضاء الأعلى بصفته رئيسًا له ولا ينازعه أحد في هذا الحقّ المعطى له بموجب القانون والمستتبع بمرسوم التعيين، إلّا أنّه من المسلّم به أنّه لا يحقّ للقاضي عبود أن يتخذ منفردًا مواقف وقرارات تقع في صلب عمل مجلس القضاء الأعلى مجتمعًا ومن دون استشارة هذا المجلس أو أقلّه العودة إليه لكي يقول كلمته ويبدي رأيه في ما يعرض عليه أو يقع ضمن مهامه المعطاة له بحكم القانون أيضًا.
وأكثر من ذلك، فإنّه يتوجّب على القاضي عبود بصفته رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى وليس بحكم موقعه كرئيس أوّل لمحكمة التمييز، أن يبادر إلى إبلاغ كلّ أعضاء مجلس القضاء الأعلى بجدول أعمال أيّة جلسة اجتماع لهذا المجلس الذي يمثّل القضاة برمّتهم من عضو بداية وقاض منفرد إلى رئيس محكمة تمييز، وقبل طرح أيّ بند غير مدرج ضمن هذا الجدول على بساط البحث والنقاش، لكي يتمّ درسه بالشكل القانوني المطلوب وإقراره بما يتوافق مع القوانين المرعية الإجراء، وبما يناسب المصلحة القضائية العليا، وطبعًا مع وجوب مراعاة القوانين النافذة، لا الإلتفاف عليها.
ومن البديهي وبحكم القانون الذي يعلو على كلّ شيء ولا يمكن أن يسمو إليه وعليه أيّ استفراد أو تفرّد وأيّة شخصانية، أنّه لا يحقّ، لا للقاضي عبود ولا لأيّ رئيس مجلس قضاء أعلى لا في السابق ولا في المستقبل، أن يمرّر في غفلة عن مجلس القضاء الأعلى أيّ قرار يمسّ صلاحية المجلس مجتمعًا، أو يتعلّق بهذه الصلاحية، كما أنّه لا يمكنه على الإطلاق أن يستغلّ موقعه القضائي لتمرير ما يحلو له من قرارات، ويغضّ الطرف عمّا لا مصلحة سياسية له فيه، وقد صارت اجتماعات مجلس القضاء وبحسب معنيين في هذا المجلس، تطفح بكمّ كبير من الموضوعات ذات العناوين الخلافية والمرجأة إلى آجال غير محدّدة لعدم التوافق عليها، ولأنّ القاضي عبود يخشى الخوض في غمار التصويت عليها!
وأكثر من ذلك، فإنّه لا يجوز للقاضي عبود أن يخصّ نفسه باتخاذ قرار يقع في صلب مهام مجلس القضاء، وأن يسعى إلى تمريره من دون معرفة مجلس القضاء الأعلى المؤلّف من قضاة يمثّلون أنفسهم في الدرجة الأولى وهيئات قضائية يرأسونها ويمثّلونها في الدرجة الثانية ولهم حضورهم المعنوي والتمثيلي، ولا يجوز لأيّ كان القفز من فوقهم وعدم اعتبارهم موجودين، ولو بقرار غير ذي أهمّية، فكيف إذا كان الأمر متعلّقًا بتعيين رؤساء لجان القيد العليا والإبتدائية الأساسية والإضافية في الإنتخابات النيابية المزمع إجراؤها في ربيع العام 2022؟ وما أدراك ما دور لجان القيد في الإنتخابات النيابية!
وهذا ما فعله القاضي عبود في مخالفة صريحة وواضحة للقانون، ولم يكن محبّذًا على الإطلاق، أن تصدر عن أعلى قاض في لبنان بحكم المنصب الموكل إليه أمر إدارته إلى حين انتهاء هذه الوكالة بالتقاعد الحتمي أو الإقالة السياسية الممكنة سواء مع تغيّر العهود السياسية أو من دونها.
المخالفات
ومن خلال العودة إلى نصّ تعيين رؤساء وأعضاء لجان القيد الوارد تحت عنوان: “في ولاية لجان القيد” في المادة 40 من القانون النافذ حكمًا رقم 8 تاريخ 2021/11/3 وهو تعديل لقانون الإنتخابات النيابية رقم 44 تاريخ 2017/6/17، يتبيّن أنّها تعطي صلاحية إعداد لائحة بأسماء القضاة المنوي تعيينهم رؤساء وأعضاء في لجان القيد العليا الإنتخابية إلى مجلس القضاء الأعلى في ما يخصّ القضاة العدليين، ومكتب مجلس شورى الدولة في ما يتعلّق بالقضاة الإداريين، ولم تقل أبدًا بأنّ الصلاحية محصورة برئيس مجلس القضاء الأعلى أو رئيس مجلس شورى الدولة في هذا التعيين وفي هذه التسمية، مع التذكير بأنّ الصلاحية قبل تعديل النصّ المذكور كانت تعود بشأن تعيين القضاة لوزير العدل حصرًا، فيقوم باقتراحها بعد مفاتحة القضاة المعنيين بالأمر، إذ قد يحدث أن يرفض قاض ما تعيينه رئيسًا أو عضوًا، وهذا الأمر حصل في السابق حتّى ولو كانت الانتخابات فرعية وتجري بخصوص مقعد نيابي واحد.
وتنصّ المادة 40 المذكورة في فقرتها الأولى حرفيًا على التالي:”يرفع مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة لائحة إسمية بالقضاة لتعيينهم رؤساء لجان القيد العليا والإبتدائية”. ومن الواضح أنّ المعني بالتسمية هو مجلس القضاء الأعلى مجتمعًا وليس رئيس هذا المجلس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مكتب مجلس شورى الدولة، ولا يمكن للقاضي عبود مثلًا التذرّع بأنّ ما قام به هو عمل إداري بحت، إذ تقتضي الأصول العودة إلى مجلس القضاء الأعلى برمّته بالنسبة إلى القضاة العدليين وهذا ما لم يحصل.
على أنّ التدقيق في نصّ المادة 40 المذكورة يعطي انطباعًا أوّليًا بوجود خطأ في الصياغة التشريعية، إذ إنّه لم يحدّد لمن ترفع اللائحة الإسمية بالقضاة، ويفترض أن يرد اسم وزارة العدل بشكل دقيق لأنّه لا يمكن لمجلس القضاء أن يخاطب أيّة وزارة أو إدارة في الدولة اللبنانية مباشرة من دون المرور بوزارة العدل حتّى ولو كانت مجرّد “ساعي بريد”!
وكانت المادة 40 في القانون الذي حصلت الانتخابات النيابية على أساسه، في العام 2018، تقول بأنّه “يعيّن رؤساء لجان القيد العليا والإبتدائية وأعضاؤها ومقرّروها، لدورة انتخابية واحدة قبل الأوّل من شباط من السنة التي تجري فيها الإنتخابات النيابية العامة وذلك بمراسيم تصدر بناء على اقتراح وزيري العدل والداخلية والبلديات”.
كتاب عبود
وبالعودة أيضًا، إلى قرار وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي الصادر بالرقم 1339 بتاريخ 30 تشرين الثاني 2021، يتضح أنّه ورد في متن بناءاته أنّه يستند إلى “كتاب مجلس القضاء الأعلى رقم 175/ص ق/2021 تاريخ 2021/11/25″، فيما مجلس القضاء الأعلى وبحسب معلومات مؤكّدة ومحسومة لـ“محكمة” لم يجتمع في التاريخ المذكور، ولم يبحث أصلًا في مسألة اختيار أسماء القضاة، فكيف تفرّد القاضي عبود بالتسمية وبإرسال كتاب رسمي خلافًا للأصول ومن دون علم أعضاء مجلس القضاء وفي تعدّ واضح على صلاحيات مجلس القضاء مجتمعًا؟
وحصلت “محكمة” على الكتاب المرسل من القاضي عبود إلى وزير الداخلية مولوي وهنا نصّه الحرفي:
” الموضوع:لائحة إسمية بالقضاة لتعيينهم في لجان القيد.
المرجع: كتابكم الرقم 16462 تاريخ 2021/11/19
بالإشارة إلى الموضوع والمرجع المشار إليهما أعلاه،
وعطفًا على كتابكم تاريخ 2021/11/19، المسجّل لدى قلم مجلس القضاء الأعلى بالتاريخ عينه، بالرقم 672، والمتعلّق بإيداعكم لائحة إسمية بالقضاة لتعيينهم في لجان القيد، بالإضافة إلى صورة عن مرسوم تشكيلهم الأخير مع أرقام هواتفهم،
تجدون ربطًا لائحة إسمية بالقضاة العدليين إضافة إلى نسخة عن مرسوم تشكيلهم الأخير الصادر بالرقم 1570 تاريخ 2017/10/10، على أن نزوّدكم بالسرعة الممكنة بأرقام هواتفهم، علمًا أنّه تمّت الإشارة في نسخة المرسوم المرفقة ربطًا إلى القضاة الذين لا يمارسون مهامهم القضائية بعد صدوره، إمّا لإحالتهم على التقاعد، أو لإنهاء خدماتهم، أو لوفاتهم أو لأيّ سبب آخر، وأنّ اللائحة الإسمية تتضمّن جميع القضاة العدليين الحاليين دون القضاة المشار إليهم أعلاه، كما تشمل القضاة الذين تخرّجوا من معهد الدروس القضائية وجرى تعيينهم قضاة أصيلين في ملاك القضاء العدلي بعد تاريخ صدور المرسوم الرقم 2017/1570،
وتفضّلوا بقبول الإحترام،
بيروت في 2021/11/25
رئيس مجلس القضاء الأعلى
القاضي سهيل عبود”.
تجاوز وزارة العدل
على أنّ الحكاية لم تنته هنا، بل عمد القاضي عبود إلى مخاطبة ومراسلة وزارة الداخلية والبلديات مباشرة في تجاوز صريح لوزارة العدل، مثلما فعل القاضي فادي صوّان يوم كان محقّقًا عدليًا في ملفّ انفجار مرفأ بيروت فخاطب المجلس النيابي مباشرة دون المرور بوزارة العدل وكأنّها منهجية قضائية في تجاوز الوزارة وهي بطبيعة الحال، افتئات على الأصول القانونية.
ويبدو أنّ رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس سار على خطى عبود، فخاطب بدوره، وزير الداخلية والبلديات مباشرة دون المرور بوزارة العدل وكأنّ هذه الوزارة غير موجودة.
كما أنّ العادة جرت بإرسال نسخ عن محاضر اجتماعات مجلس القضاء الأعلى بعد تنظيمها وإعدادها إلى وزارة العدل من ضمن العمل القضائي الإداري السليم، ولا يوجد محضر رسمي عن اجتماع لمجلس القضاء الأعلى في التاريخ الوارد في قرار القاضي مولوي بتعيين رؤساء وأعضاء لجان القيد، وفي الكتاب الصادر عن عبود، لأنّ المجلس، وبكلّ شفافية وبساطة، لم يعقد اجتماعًا من الأصل.
قرار تعيين رؤساء لجان القيد العليا والإبتدائية الأساسية والإضافية في الإنتخابات النيابية 2022
خوري يعاتب عبود
وفي معلومات خاصة بـ“محكمة”، فإنّ وزير العدل القاضي المتقاعد هنري خوري عاتب القاضي عبود الذي شوهد في الطابق الخامس من مبنى وزارة العدل، على هذا التصرّف المخالف للقانون بتجاوزه مجلس القضاء والوزارة في آن معًا.
على أنّ هذا التجاوز وبغضّ النظر عمّا إذا كان قد صدر عن سهو أو عن قصد، فإنّه قد يرتّب تخلّفًا من قضاة معيّنين في لجان القيد عن الإلتحاق بمسؤوليتهم المستجدّة في الإنتخابات النيابية إذا لم تؤمّن لهم وسائل النقل مثلًا، وهو أضعف الإيمان، إذ كيف يمكن لقاض يقطن في بيروت أن يتحمّل عناء السفر إلى منطقة نائية في البقاع أو الشمال في ظلّ الأوضاع المعيشية والإقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان دولة وشعبًا، في الوقت الراهن، ولم يعد راتبه يكفيه إلّا أيّامًا معدوات بعدما فقد الكثير من قيمته الشرائية بفعل الإرتفاع الجنوني للدولار الأميركي والسلع والحاجيات الضرورية لمعيشة كريمة؟
فإذا ما طلب قاض ما إعفاءه من هذه المهمّة غير الملزمة له، فيفترض به مراجعة وزارة العدل بهذا الأمر لتقييد طلب إعفائه وتدوينه بحسب الأصول، وليس لدى الوزارة أيّة قيود وسجّلات بهذا الخصوص، فماذا يفعل؟
ليس أمامه سوى باب القاضي عبود الذي اختصر مجلس القضاء الأعلى، وأحلّ نفسه مكان وزارة العدل!
“محكمة” – الأحد في 2021/12/12