هل يحقّ للحكومة المستقيلة أن ترث صلاحيات رئيس الجمهورية؟/جهاد اسماعيل
د. جهاد إسماعيل:
يزعم باحثون وخبراء في القانون الدستوري، عبر تحليلات دستورية يبرزونها للصحف ووسائل الإعلام، بالقول إنّ الحكومة المستقيلة لا تستطيع ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهوريّة، وذلك لسببين:
أوّلًا: إنّ أيّ اجتماع يعقده مجلس الوزراء، خلال فترة تصريف الأعمال، يُعتبر اجتماعًا استثنائيًا يدعو إليه رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وفي حال الشغور الرئاسي لن يكون هناك رئيس جمهورية يدعو لاجتماع استثنائي، باعتبار أنّ المادة 53 من الدستور حصرت حقّ الدعوة به.
ثانيًا: بما أنّ الحكومة مستقيلة تكتفي بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق وفق المادة 64 من الدستور، فلا يُعقل أن تضاف إليها صلاحيات رئاسة الجمهورية.
ونحن نرى بأنّ هذه الإسنادات غير موفقّة، لسببين:
أوّلًا: تنصّ الفقرة الثانية عشرة من المادة 53 من الدستور على التالي: “يدعو مجلس الوزراء استثنائيًا كُلّما رأى ذلك ضروريًا بالاتفاق مع رئيس الحكومة”، وهو نصُّ يؤكّد الصلاحيّة التقديريّة لرئيس الجمهورية في دعوة مجلس الوزراء عند الضرورة، قبل استقالة الحكومة أو بعدها، من دون أن يحجب الصلاحية الأساسية في دعوة المجلس الوزراء المناطة، أصلًا، وفي كلّ الظروف، برئيس الحكومة، وفق الفقرة السادسة من المادة 64 من الدستور:”يدعو رئيس الحكومة مجلس الوزراء إلى الانعقاد”، ووفق الفقرة الأولى من المادة نفسها: “يترأس مجلس الوزراء..”.
كما أنّ الفقرة الرابعة من المادة 65 تعطي رئيس الجمهورية صلاحية ترؤس مجلس الوزراء عندما يحضر، ما يعني في مقدور المجلس، عندما يشاء، أن ينعقد إذا لم يحضر رئيس الجمهورية سواء عند دائرة الضرورة أو من خارجها، ذلك أنّ أيّ اجتماع استثنائي تحدّده الظروف الاستثنائيّة لا الإمكانية التقديرية لرئيس الجمهورية في رسم الضرورة من عدمها، وبالتالي إنّ انعقاد الحكومة، خلال فترة تصريف الأعمال، هو انعقاد استثنائي بطبيعته لا انعقاد استنسابي يخضع لتقدير رئيس الجمهورية…
ثانيًا: إنّ المجلس الدستوري، في قرار رقم 2005/1، أكّد مبدأ عدم جواز حدوث فراغ دستوري في سلطة دستورية مستقلّة، وهو أمرٌ بديهي نظّمه الدستور في المادتين 62 ، 64 تلافيًا للفراغ في المؤسسات الدستوريّة:
– لمّا كانت المادة 64 من الدستور دعت الحكومة، كهيئة جماعيّة، إلى ممارسة صلاحياتها ولو في الإطار الضيّق لتصريف الأعمال كما حدّده كلّ من الفقه والاجتهاد وذلك بعدم جواز اتخاذ أعمال تصرفيّة إلّا في حالة الضرورة(حرب، كوارث، أزمات، أعمال إدارية يجب إجراؤها في مهل قانونيّة معيّنة..).
– لمّا كان المشرّع الدستوري، منعًا للفراغ مهما كانت علّته، قد حرص، في المادة 62 من الدستور، على عدم تعطيل الصلاحيات الرئاسية ولو في حدودها الدنيا، في توكيل الحكومة بممارسة هذه الصلاحيات خلال فترة الشغور الرئاسي ، من دون أن تميّز بين حكومة مكتملة الأركان أو حكومة تصريف الأعمال، على اعتبار أنّ هذه الحكومة، في لحاظ الدستور، غير معزولة الصلاحيّات تمامًا، إنّما مقيّدة وفق الضوابط التي رسمها الإجتهاد الإداري أو الفقه الدستوري.
– لمّا كانت ممارسة معظم حكومة تصريف الأعمال لصلاحياتها، بحسب أحكام المادة 64 من الدستور، معلّقةً على صلاحيات رئاسيّة(غير لصيقة بشخص الرئيس)، فإنّ حجب الصلاحيات الرئاسية عن هذه الحكومة هو حجبٌ للمادة 64 من الدستور عن الحياة السياسيّة اللبنانيّة، إضافة إلى المواد 49، 72، 73، 74، 75 من الدستور، عند تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية..
لذلك تمارس حكومة تصريف الأعمال الصلاحيات الرئاسية ضمن هذه الضوابط، أيّ ضمن إطار الأعمال الملّحة أو الضرورية وكلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى تسيير شؤون البلاد ودفع الخطر أو التعطيل عن المؤسّسات الدستوريّة لا بغاية تكريس هذا التعطيل أو في إحلال سلطة دستوريّة محلّ أخرى، وإلّا هُدّمت مؤسّسة دستوريّة وازنة، وتبدّدت النصوص الدستوريّة!
* كاتب وباحث في القانون الدستوري.
“محكمة” – الجمعة في 2022/9/9