هل يعلم مجلس القضاء بأمر القاضي “المكسورة درجتين”؟/علي الموسوي
علي الموسوي:
هل صحيح ما نقله أحد المواقع الإلكترونية من”شهادة” عمن أسماهم”أوساط مجلس القضاء الأعلى” بخصوص قاض مطروح اسمها لمنصب إداري له علاقة بالتوظيف الرسمي في الدولة اللبنانية وفق مباريات شفّافة يعوّل عليها لاختيار أصحاب الكفاءات العلمية لإدارة مرافق الدولة، في ظلّ وجود عقوبة صادرة عن المجلس التأديبي للقضاة والهيئة القضائية العليا للتأديب بحقّ هذه القاضي تقضي بإنزال درجتين من درجتها القضائية؟
إنّ مراجعة سريعة لسجّلات القضاة في وزارة العدل تؤكّد أنّ هذه القاضي نالت عقوبة مسلكية بإنزال درجتين من رصيدها، وبالتالي تأخّرت أربع سنوات عن زملاء دورتها في معهد الدروس القضائية حيث دخلت في 27 آب 1991 وتخرّجت في 6 تشرين الأوّل 1993. وهذه العقوبة هي في المرتبة الرابعة في لائحة العقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة 89 من قانون القضاء العدلي بعد التنبيه واللوم وتأخير الترقية لمدّة لا تجاوز السنتين، وقبل التوقيف عن العمل بدون راتب لمدّة لا تجاوز السنة، والصرفة من الخدمة والعزل مع الحرمان من تعويض الصرف أو معاش التقاعد.
والغريب أنّ اسم هذه القاضي طرح في سلّة التعيينات على طاولة مجلس الوزراء من دون أخذ موافقة وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم، ومن دون الوقوف على رأي مجلس القضاء الأعلى المعني الأوّل والأخير بشؤون وشجون القضاة العدليين، فكيف تجيز السلطة التنفيذية برئاسة الدكتور حسّان دياب لنفسها أن تفكّر بنقل قاض من ملاك القضاء العدلي دون أن تكلّف نفسها مراجعة سلطته المباشرة وهو مجلس القضاء الأعلى في تعدّ واضح على مبدأ فصل السلطات، وعلى هيبة القضاء برمّته، وليس جديداً قيام السلطة التنفيذية بمثل هذه التصرّفات التي تقلّل من ثقة الرأي العام بالقضاء.
إنّ مجلس القضاء الأعلى مطالب بتوضيح هذا الإلتباس، عن طريق تأكيد أو نفي ما نقل عن “أوساطه”، وعن مضمون”شهادته”، ومطالب أيضاً بمراجعة سجّل هذه القاضي للتحقّق من وجود العقوبة إن لم تكن لديه معلومات!، مع العلم أنّ قصّتها عرفت في قصر العدل وتداولتها وسائل الإعلام آنذاك عند حدوثها في العام 2012 على خلفية ملفّ مخدّرات، وقد حظي قاضي التحقيق يومها بعقوبة إنزال أربع درجات قبل أن يستقيل اعتراضاً على التفاوت الكبير في العقوبة بينه وبين زميلته التي يبدو أنّها حظيت بدعم نسيبها الذي كان في موقع قضائي متقدّم قبل أن يتقاعد و”يكرّم” على خدماته الجليلة بتعيينه مستشاراً في مقرّ رسمي.
كما أنّ مجلس القضاء الأعلى مطالب أيضاً بتوضيح سبب إبقاء هذه القاضي المرأة في مركزها كقاضي تحقيق في جبل لبنان وعدم معاملتها بالمثل أسوة بزملائها الذين نالوا عقوبات تأديبية ونقلوا من مراكزهم في مشروع التشكيلات القضائية الذي تحتاج ولادته إلى عملية سياسية قيصرية لا شكّ أنّ مجلس القضاء الأعلى أسهم بطريقة ما في تأخير صدور مرسومها.
ولو أنّ مجلس القضاء سلك الطرق المعتادة من مجالس قضاء سابقة بمدّ يد التعاون لوزيرة العدل، لرأى المرسوم النور بسهولة تامة وعند الإنتهاء من إعداده في شهر آذار 2020!
وادعاء المدافعين بخلو سجّل هذه القاضي من العقوبة الموجودة، عبر القول إنّ التشكيلات القضائية الصادرة في العام 2017 لم تعاقبها بل “عزّزت” مركزها بنقلها من محام عام استئنافي في بيروت إلى مركز قاضي تحقيق في جبل لبنان، لا يتوافق مع المنطق السليم، لأنّه كان يتوجّب على مجلس القضاء الأعلى في عهد القاضي جان فهد أن يأخذ بعين الاعتبار العقوبة المسلكية كما فعل مجلس القضاء الحالي في عهد القاضي سهيل عبود بالنسبة للقضاة الصادرة بحقّهم عقوبات مسلكية واستثنى هذه القاضي من هذا الإجراء دون أن تعرف أسباب هذا الاستثناء الذي يتعارض ومبادئ العدالة الحقّة، فإمّا أن يجري استبدال مراكز كلّ القضاة المعاقبين بموجب قرارات موقّعة من المجلس التأديبي للقضاة، وإمّا أن يتمّ إبقاء الجميع في مراكزهم لكي تتحقّق العدالة، ولا تجوز تجزئة العدالة، كما أنّ العدل والظلم لا يلتقيان، وتصحيح الخطأ لا يكون بخطأ مماثل، والمساواة أمام القانون مبدأ حيّ معمول به، فلماذا إغفاله بهذه الطريقة المثيرة للكثير من علامات الإستفهام والتعجّب؟
“محكمة” – الأحد في 2020/5/31