هل يمكن ملاحقة عامر الفاخوري أمام المحكمة الجنائية الدولية؟!/صلاح رعد
المحامي الدكتور صلاح رعد:
إنشغل اللبنانيون بحادثة ترك عامر الفاخوري المتهم بالعمالة مع العدوّ الإسرائيلي ودوره في معتقل الخيام وعن ارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية، وعمّا إذا كانت هذه الجرائم قد سقطت بمرور الزمن أم لا، وبعد إسقاط دعوى الحقّ العام بحق الفاخوري بالقرار الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت بتاريخ 2020/3/16 بعد اعتبار الجرائم التي ارتكبها الفاخوري قد سقطت بمرور الزمن.
ومن البدائل التي طرحت بعد إطلاق سراح الفاخوري وفراره إلى الولايات المتحدة الأميركية هي إمكانية ملاحقته أمام المحكمة الجنائية الدولية، فهل يمكن ذلك من الناحية القانونية؟
أوّلاً: تعريف المحكمة الجنائية الدولية:
يمكن تعريف المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب نظام روما بأنّها هيئة قضائية دولية دائمة، وهي أوّل محكمة دولية دائمة مستقلّة تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بانتهاك القانون الدولي الإنساني ومرتكبي الجرائم الدولية، وهي تنظر بحسب المادة 5 من النظام الأساسي الخاص بها بالجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم إبادة جنس بشري ( Genocide ) وجرائم الحرب وهي جرائم إرتكبها حتماً عامر الفاخوري خاصة ” الجرائم ضد الإنسانية “.
ويذكر أنّ الجرائم التي تنظر بها المحكمة الجنائية الدولية لا تسقط بمرور الزمن، إذ نصّ النظام الأساسي للمحكمة في المادة 29 منه على عدم قابلية سريان التقادم على الجرائم التي تدخل في اختصاصها أياً كانت أحكامه، يفهم من هذه المادة أمران، الأوّل أنّ نظام المحكمة منع سقوط الجرائم التي تختصّ بالنظر فيها بمرور الزمن أو التقادم. أمّا الأمر الثاني، فإنّ هذه المادة جمعت منع التقادم بنوعيه (تقادم الدعوى وتقادم العقوبة) وذلك بنصّها “أيّاً كانت أحكامه”.
ثانياً : ممارسة الإختصاص:
حدّدت المادة 13 من نظام المحكمة الجنائية الدولية حالات ثلاث تمارس فيها اختصاصها، في ما يتعلّق بجريمة تختص بالنظر بها وفقاً لنظامها وهذه الحالات هي:
1- إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أنّ جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
2 – إذا أحال مجلس الأمن، متصرّفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أنّ جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
3- إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق في ما يتعلّق بجريمة من هذه الجرائم من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلّقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
ففي الحالتين الأولى والثانية تدخل الدعوى أو “الحالة” بحسب التعبير الوارد في النظام الأساسي، بناء على طلب يتقدّم به مجلس الأمن أو إحدى الدول الأطراف ويجب عليها أن تحدّد الظروف المحيطة وترفق بها المستندات المدعّمة. وعندما يتمّ إحالة “حالة” إلى المدعي العام عن مجلس الأمن ووفقاً للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يجب أن تتضمّن تلك الحالة تهديداً للسلم والأمن، والمحكمة هنا لا تحتاج إلى التقيّد بالشروط المذكورة في المادة 12 الفقرة 2 وهي:”ارتكاب الجريمة من قبل أحد مواطني دولة طرف أو على إقليم تلك الدولة “، ولكن يجب أن تتضمّن الحالة “تهديداً للسلم والأمن”.
أمّا في الحالة الثالثة وهي تحريك الدعوى بقرار من المدعي العام للمحكمة، قد يقوم المدعي العام من تلقاء نفسه بمباشرة التحقيق دون الإحالة من قبل إحدى الدول الأطراف أو مجلس الأمن أو دولة غير طرف، ومع ذلك فإنّه قبل البدء في اجراءات التحقيق يقوم المدعي العام بتقديم طلب مدعم بالمستندات المادية للدائرة التمهيدية.
بالعودة إلى قضية الفاخوري نجد هناك صعوبة تحريك الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية أوّلاً لأنّ لبنان لم يصادق على اتفاقية روما التي أنشأت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وبالتالي لم يوضع بالنسبة إليه موضع التنفيذ، أيّ أنّ الحالة الأولى لممارسة اختصاص المحكمة غير متوفّرة.
أما الحالة الثانية، أيّ إحالة القضيّة من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فهي أيضاً غير واردة إطلاقاً، إذ إنّ هناك خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن تتمتّع بحقّ النقض الفيتو منها الولايات المتحدة الأميركية وهو ما تستعمله حتماً إذا تعلّق الأمر بأحد مواطنيها كون الفاخوري يحمل الجنسية الأميركية أو لكون القضيّة تمسّ حليفتها إسرائيل.
أمّا بالنسبة للحالة الثالثة وهي مباشرة التحقيق من قبل مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية فعليه تقديم طلب للدائرة التمهيدية في المحكمة، وإذا رأت الدائرة بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيّدة، أنّ هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق وأنّ الدعوى تقع على ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة، كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقرّره المحكمة في ما بعد بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى ، ومن الناحية العملية هو أمر مستبعد أيضاً.
إستحالة تعاون الولايات المتحدة الأميركية مع المحكمة الجنائية الدولية: لا بد من الإشارة إلى أنّ المحكمة الجنائية الدولية، على عكس المحاكم الوطنية، لا تملك أيّ جهاز شرطة خاص بها، أيّ أنّها، لا تستطيع أن تنفّذ أمراً بالقبض على أيّ متهم أو تفتيش مكان، بل تولي هذا الأمر للدول المعنية. لذلك يبقى الأمر مرهوناً بتعاون الدول معها، أيّ أنّ تسليم الفاخوري للمحكمة الجنائية الدولية يحتاج لتعاون الولايات المتحدة الأميركية معها، ولكون الفاخوري مواطناً أميركياً فهناك استحالة لتسليمه للقضاء الدولي، إذ إنّ الولايات المتحدة ليست عضواً في نظام المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهي غير ملزمة بالتعاون معها من أجل تسليمها أحد مواطنيها إلاّ بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر غير الوارد إطلاقاً كون الولايات المتحدة تملك حقّ النقض الفيتو في مجلس الأمن.
بل أكثر من ذلك، عمدت الولايات المتحدة إلى محاربة المحكمة بإعاقة عملها في المستقبل من خلال اقرار قانون حماية للمواطنين الأميركيين في الخارج . فقام الرئيس الاميركي السابق جورج بوش بتقديم تعديل لقانون الدفاع الوطني واقراره بواسطة الكونغرس وأطلق عليه تسمية “قانون حماية العاملين الأمريكيين لسنة 2002، Members Protection Act (ASPA) The American Service بهدف حماية الجنود والرعايا الأمريكيين من أيّ ملاحقات جنائية بواسطة أيّة محكمة جنائية دولية، أو جهاز قضائي آخر. وينصّ التعديل على أنّ كلّ الرعايا الأميركيين مشمولون بالحماية بموجب إعلان الحقوق والدستور الأميركي، وأنّه يحقّ للولايات المتحدة الأميركية حماية جنودها إلى أقصى درجة ممكنة ضدّ أيّ إجراء متخذّ في حقّهم، ولا يمكن للولايات المتحدة قبول أيّ التزام قانوني ناشئ عن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وخوّل هذا القانون الرئيس الأميركي استعمال كلّ الوسائل الممكنة لتحرير أيّ شخص أميركي معتقل من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ويمكن أن يكون هذا الشخص غير أميركي ويحمل جنسية دولة حليفة إذا طلبت دولته منها ذلك.
يعرف هذا القانون في أوروبا وباقي دول العالم بقانون “اجتياح لاهاي”، لأنّه منح الرئيس الأميركي استعمال القوّة لاجتياح هولندا وهي الدولة المضيفة لمقرّ المحكمة الجنائية الدولية والتي من المفترض أن يتمّ في سجونها اعتقال المتهمين وسجن المجرمين.
إنطلاقاً ممّا تقدّم، نرى هناك إستحالة لمثول عامر الفاخوري أمام المحكمة الجنائية الدولية للأسباب التي تمّ ذكرها.
“محكمة” – السبت في 2020/3/21