مقالات

حين يجهل المشرّع نتائج التمييز بين سبق الإدعاء وسبق الملاحقة/محمد شامي

المحامي الدكتور محمد طلال شامي:
عدّل المشرّع اللبناني بموجب القانون رقم 321 تاريخ 2023/12/22 المادة 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تتناول موضوع الدفوع الشكلية.
والدفوع الشكلية هي الدفوع الإجرائية التي يدلي بها المدعى عليه أو وكيله قبل البدء باستجوابه، أيّ قبل البحث بأساس الجرم، فإذا كان محقًّا في دفوعه تردّ الدعوى العامة شكلًا أو يتوقّف السير بها.
سنسلّط الضوء في مقالنا هذا على التعديل الذي طال البند الخامس من المادة المذكورة أعلاه، حيث أصبح ينصّ على “الدفع بسبق الملاحقة والحكم” بعد أن كان ينصّ على “الدفع بسبق الإدعاء أو بالتلازم”، دون أن يقدم المشرّع تبريراً لهذا التعديل بالرّغم من نتائجه القانونية الهامة نظراً لاختلاف مفهوم الملاحقة عن مفهوم الإدعاء.
فالملاحقة هي مرحلة سابقة لمرحلة الإدعاء، تبدأ بإجراء النائب العام التحقيق الأوّلي بنفسه أو بتكليف الجهات الأمنية المختصة إجراءه في الجرم المشكو منه، على أن يتخذ بعدها الموقف القانوني المناسب: إمّا بالإدعاء أو بحفظ أوراق الدعوى.
فمن الخطورة إستبدال مفهوم سبق الإدعاء بسبق الملاحقة، لأنّه يؤدي فعلياً الى منع محاكمة الأشخاص الذين تمّت ملاحقتهم من قبل النيابة العامة حتّى وإن لم تقترن هذه الملاحقة بالإدعاء، بل توصّلت الى حفظ الملفّ.
وعليه، يؤدّي هذا التعديل الى إعطاء قرار النيابة العامة بحفظ الدعوى قوّة القضيّة المقضيّة، الأمر الذي يخالف المبادئ العامة القانونية وإجتهاد محكمة التمييز الذي يؤكّد اعتبار قرار الحفظ قرارًا مؤقّتًا بطبيعته ويفتقر إلى الحجّية، ولا يحول دون رجوع النيابة العامة عنه.
وهذا التعديل يؤدّي أيضًا إلى حرمان المتضرّر من إمكانية تقديم شكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق سندًا للمادة 68 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أو القاضي المنفرد الجزائي سندًا للمادة 155 من القانون ذاته في حال كان قد تقدّم في السابق بشكوى أمام النيابة العامة وتمّ حفظها.
أمّا لجهة النصّ على الدفع بسبق الحكم، فلا حاجة له ما دام البند السادس من لائحة الدفوع الشكلية ينصّ على الدفع بقوّة القضيّة المقضيّة، وكان من الأجدى الإبقاء على الدفع بالتلازم لأنّ إلغاءه يتناقض مع نصّ المادة 133 أصول محاكمات جزائية التي عرّفت الجرائم المتلازمة وحدّدتها. وتحقّق التلازم يؤدّي إلى ضمّ الدعاوى المتلازمة والسير بها معًا أمام مرجع قضائي واحد، الأمر الذي لم يعد بالإمكان الدفع به بموجب هذا التعديل.
أخيراً، أيُّ تشريعٍ هذا، يتناقض مع النصوص القانونية النافذة ولا يلبّي الغاية المرجوة منه!!
“محكمة” – الجمعة في 2024/5/10

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى