هواجس كتّاب العدل و”مطبخ الوصاية”/عماد سليم
الكاتب العدل عماد سليم:
ليس بجديد على بعض القيّمين في وزارة العدل، الذين درجوا دائماً وللأسف، على إعداد طبخات قوانين وفبركة قرارات ومراسيم مخالفة، يقنعون الوزراء المتعاقبين بصوابيتها، لهدم مهنة تعتبر مرفقاً عاماً وحيوياً، يؤمن الاستقرار الاجتماعي لمصالح الناس، ويحافظ على حقوقهم، ويدعم خزينة الدولة.
وكي لا نتهم بالإفتراء نعرض ما يلي:
– طبخة إجراء مباراة محصورة للموظّفين عام ٢٠١٤ أعدّت في مطبخ وزارة العدل، والتي جرى الطعن بها أمام القضاء وتمّ إجهاضها من قبل الكتّاب العدل وإلغاؤها قبيل إنشاء المجلس.
– طبخة قانون تثبيت المكلّفين بمهام الكتّاب العدل للموظّفين المستزلمين هم أنفسهم الذين رسبوا في المباريات المتلاحقة وحصلوا على علامات لاغية، أعدّ القانون في مطبخ وزارة العدل وأقرّ في المجلس النيابي، والذي تصدّى له مجلس الكتّاب العدل عام ٢٠١٦ وأبطله أمام المجلس الدستوري .
– الطبخة الأخيرة (الصفقة المتعدّدة الأوجه) لمرسوم الإستحداث الجديد، ومرسوم تعيين الفائض، في دوائر لم تجرِ عليها المباراة الأخيرة المطعون بنتائجها أمام مجلس شورى الدولة، حيث زيّنت هذه الطبخة بمرسوم تعيين فائض الفائض لهذه المباراة في دوائر استحدثت وطبخت على قياسهم علماً بأنّهم لم يتقدّموا فيها لهذه المراكز.
وليس ما يحاك ويطبخ حالياً في الوزارة من مرسوم نقل لزملاء إلى مراكز استحدثت استناداً لمرسوم استحداث مطعون بشرعيته أمام مجلس شورى الدولة إلا استمرارا ً لهذا النهج السائد فيها منذ سنوات الذي يضرب عرض الحائط القوانين والمبادئ القانونية وهو أمر مستغرب جدّاً أن يسود في وزارة وإدارة مفترض أن تكون المؤتمنة الأولى على العدل، والساهر الأوّل على تطبيق القوانين والمبادئ القانونية وليس الممعن الأكبر في مخالفتها، هذا النهج سيؤدّي حتماً إلى تدمير ما سيتبقّى من هذه المهنة بعد الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا ولغايات ليس أقلّها الحسد والغيرة من واقع ليس موجوداً إلاّ في مخيّلة هؤلاء، وجميع هذه المخالفات تجري دون أن تتمّ محاسبة من أعدّ هذه الطبخات المطعون بها لمخالفتها أبسط القواعد القانونية.
ليس هذا فحسب، بل وكانت وزارة الوصاية بالمقابل مقبرة لمشاريع القوانين والمراسيم والاقتراحات التي يتقدّم بها مجلس الكتّاب العدل، بحيث لم يتمّ مطلقاً الموافقة على أيّ مشروع أو اقتراح أو طلب من شأنه تطوير المهنة وإعلاء شأنها ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- النظام الداخلي للمجلس النائم في أدراج الوزارة منذ ما يقارب الخمس سنوات.
2- تعديل أتعاب كتابة العدل غير المعدّلة منذ ١٩٩٤.
3- تحويل السجّل اليومي وسجّل الفهرس الإسمي إلى الإلكتروني.
4- الطلبات المتكرّرة لعدم طلب النشرة للكتّاب العدل عند استدعائهم للشهادة أمام الضابطة العدلية، والذي لم يتحقّق إلاّ بمجهود شخصي لمجلس الكتّاب العدل مع وزير الداخلية (نهاد المشنوق) والمدير العام لقوى الأمن الداخلي (اللواء عماد عثمان) مشكورين.
5- طلبات مختلفة متعلّقة بالمتخلّفين عن تسديد الإشتراكات لصندوق التعاضد.
6- إستدعاء المجلس مطلقاً للوقوف على ما تطلبه المهنة من تعديل للقوانين والمراسيم ذات الصلة لإعلاء شأنها كما يفترض في دولة القانون والمؤسّسات.
7- إقتراح لجنة الصندوق على الوزارة بتكليف لجنة مهمّتها التأكّد من سجّلات الزملاء والموظّفين المكلّفين ومن حسن تسديد الاشتراكات.
8- طلبات نقل للزملاء تمّت الموافقة على قلّة منها بعد تدخّلات سياسية وإرضاءً للمحاسيب.
9- الإقتراح المتعلّق باسترداد ردّيات فرق الثمن المصرّح به في عقود البيع لمصلحة الصندوق.
10- مشروع قانون زيادة سنّ التقاعد الذي يخفّف أعباءً كبيرة على الصندوق.
وهذا غيض من فيض…
وفي اجتماع سابق يتيم مع السيّدة وزيرة العدل المستقيلة التي أزعجها تشبيهنا لحكومتها بأنّها حكومة صفّ ثالث، أوضحنا لها أنّ حقّنا بالتعبير عن الرأي مكرّس بالدستور كوننا لسنا من الموظّفين. ولا نخضع لأحكام قانون الموظّفين، ولنا صفة تمثيلية منصوصاً عليها بالقانون. وقد أبدينا لها بكلّ صراحة اعتراضنا على طبخة المراسيم الأخيرة (باستثناء مرسوم الناجحين الـ ٥٦)، التي وإن أقرّت تكون قد ذبحت مهنة كتابة العدل وصندوق التعاضد من الوريد إلى الوريد، لكن الملفّ “موروث ويجب إتمامه بأيّ ثمن” كما صرّحت حتّى ولو على أنقاض المهنة بعد أن عمدت إلى تغييب دور مجلس الكتّاب العدل المؤتمن الأوّل على المهنة، مع العلم بأنّ قانون إنشاء المجلس قد أوجب على السلطة إطلاع المجلس على مشاريع المراسيم والقوانين والقرارات كافة والمتعلّقة بمهنة كتابة العدل لإبداء رأيه فيها أصولاً. كما أوضحنا بأنّها عمّقت جروح صندوق التعاضد والتقاعد بزيادة أعبائه قبل البحث في السبل الآيلة إلى الحفاظ على الصندوق وزيادة وارداته ما سيعجّل في إفلاسه، ويحرم الكتّاب العدل وعوائلهم من تقديماته، فضلاً عن أنّ زيادة الدوائر وعدد الكتّاب العدل قبل ذلك لن يؤدّي بأيّ شكل من الأشكال لزيادة واردات الصندوق وواردات الخزينة.
وقد لمسنا خلال هذا الاجتماع إقراراً ضمنياً من السيّدة الوزيرة(ماري كلود نجم) بوجود مخالفات تشوب هذه المراسيم ولكن “كان هناك ضرورة ما أوجبت عليها السير بها بهذه الطريقة” .
وعليه وإحقاقاً للحقّ تقدّم مجلس الكتّاب العدل بصفته المؤتمن على مهنة كتابة العدل وعلى مصلحة الكتّاب العدل بمراجعات طعن للمراسيم المخالفة للقانون بالجملة التي أعدّت طبختها في وزارة العدل بإشراف وموافقة وتوقيع السيّدة وزيرة العدل المستقيلة، وطلب مجلس الكتاب العدل إصدار القرار بوقف تنفيذها قبل أن يترتّب على تنفيذها أيّة مفاعيل أو نتائج، حيث ماطلت الوزارة المؤتمنة على القانون بالردّ على طلب وقف التنفيذ بالرغم من أهمّيته متحجّجة بقانون تمديد المهل، ممعنة في مخالفتها أبسط القواعد القانونية لإحقاق الحقّ، وقد فوجئنا بصدور قرار من مجلس الشورى مؤرّخ في 2020/7/28 بردّ طلب وقف التنفيذ لم نعلم به إلاّ بعد مرور أكثر من خمسة عشر يوماً على صدوره علماً أنّ جواب مجلس الشورى الدائم لنا عند مراجعته للسؤال عن طلب وقف التنفيذ هو أنّه بانتظار ردّ الوزارة التي لم تردّ حتّى تاريخه، وهي عوضاً عن ذلك وإمعاناً في مخالفة القانون أحالت مرسوماً بنقل بعض الزملاء إستناداً إلى المرسوم المطعون بصحّته دون انتظار القرار الذي سيصدر عن مجلس الشورى بهذا الخصوص وقد ناشدنا سابقاً فخامة الرئيس(ميشال عون) عدم توقيع مثل هذه المراسيم دون جدوى.
فليكن معلوماً بأنّنا سنتصدّى كما تصدّينا دائماً لأيّة مؤامرة أو طبخة تهدف لإرضاء بعض المحسوبيات وتقديم بعض التنفيعات، دفاعاً عن مهنة عريقة شريفة أثبتت أنّها الضامن الأساسي لحقوق المواطنين وأملاكهم وأرزاقهم، وأنّها عماد الإستقرار الإجتماعي، والتي حافظت على هذا النهج السليم وأثبتت نجاحها على امتداد أكثر من قرن من الزمان في ظلّ أصعب الظروف والمتغيّرات والحروب التي شهدها لبنان منذ قيامه وحتّى تاريخه.
وسنعمل دائماً على اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لإبطال أيّ قانون، والطعن بأيّ مرسوم من شأنه المسّ بكرامة المهنة والكتّاب العدل وبلقمة عيشهم، فمن يكون إيمانه الحقّ وسيفه العدل، ومن يؤمن بالقضاء الشريف النزيه لم ولن يهاب ممن إيمانه المحاصصة والتنفيعات ومخالفة القوانين، فمهنة كتابة العدل ليست من الخوارج على الوطن بل هي من أهمّ أركانه الأساسية.
*رئيس صندوق تعاضد وتقاعد الكتّاب العدل، وأمين سرّ مجلس الكتاب العدل.
“محكمة” – السبت في 2020/8/29