هيئة القضايا بمثابة مكتب محاماة يمثّل الدولة اللبنانية ولا تقوم بأيّ عمل إلّا بناء على طلب الوزير المختص/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
ما ان حيلَ بين رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي هيلانة اسكندر وحضور جلسة التحقيق الاستنطاقي مع الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة بلال حلاوي، حتّى ارتفعت أصوات من داخل العدلية ومن خارجها تعود لقضاة ومحامين وصحافيين منحوا صفة “متخصّصين في الشؤون القضائية” وصّفت الواقع بغير حقيقته، فمنها من اعتبر ما حصل “منعًا”، ومنها من تمادت أوتار حنجرته أكثر من اللازم، فاستخدم كلمة “طرد”، حتّى نسي الجميع للوهلة الأولى، أنّ التحقيق يجري مع رياض سلامة.
وفي جميع الأحوال، فإنّ رفض القاضي حلاوي السماح للقاضي اسكندر حضور الجلسة الأولى لانتفاء صفتها المستمدّة من وكالتها كمحامية عن الدولة اللبنانية، إذ إنّها لم تبرز ما يؤكّد استحصالها على طلب وزير المالية لاتخاذ صفة الادعاء الشخصي، واقع في موقعه القانوني السليم، وهو أمر لا شكّ أنّ اسكندر تعرفه مليًا بحكم اطلاعاتها القانونية وممارستها الفعلية في غير محكمة ومركز عدلي للعمل القضائي، فاستدركت وانسحبت وكأنّ شيئًا لم يحدث.
والسؤال المركزي هل يتوجّب على هيئة القضايا في وزارة العدل أن تستحصل مسبقًا على إذن أو رأي الوزير المختص الذي يكون الملفّ المحال على القضاء متعلّقًا ولو بخيط رفيع، بوزارته؟ وهل هذا الرأي أو الإذن أو الترخيص أو الطلب إلزامي، أم يمكن تخطّيه أو التغاضي عنه؟
إنّ الجواب البديهي يتجسّد في أنّ هيئة القضايا تمثّل الدولة اللبنانية في الدعاوى التي تقام عليها أو منها، فتتخذّ فيها صفة الادعاء الشخصي بعد الرجوع إلى الوزارة المعنية، وبذلك تكون وكيلة عنها وكأنّها مكتب محاماة. ولا يمكن لهذا المكتب أن يتحرّك من تلقاء نفسه، وباستنسابية، وعلى رسله وبحسب الأهواء، بل يتوجّب عليه العودة إلى الوكيل الذي هو هنا الوزير المختص بغضّ النظر عن الشبهات القائمة حول وقوع جرائم أم لا، وبغضّ النظر عن الشخص المطلوب التحقيق معه، مسؤولًا كان أم موظّفًا عاديًا.
وحسمت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل الجدل المختلق حول كيفية تحرّك هيئة القضايا في الدعاوى التي تخصّ الدولة اللبنانية ممثّلة بالوزارات الموجودة فيها، فأبدت موقفًا واضحًا وصريحًا في الإستشارة الصادرة عنها تحت الرقم 2020/840 تاريخ 2020/10/8 حملت توقيع رئيستها القاضي جويل فوّاز وموافقة المديرة السابقة لوزارة العدل القاضي رلى جدايل، وقد أكّدت فيها بأنّ أيّ إجراء قانوني أو قضائي تنوي هيئة القضايا أن تتخذه، يتوقّف في الدرجة الأولى والأخيرة على طلب يوجّه إليها من الوزير المختص، لأنّ هيئة القضايا هي وكيل عن الدولة اللبنانية التي يسيّر شؤونها وأمورها وزراء يديرون مصالح وزاراتهم والإدارات التابعة لها.
ماذا في التفاصيل؟
بتاريخ الأوّل من شهر تشرين الأوّل 2020، طلبت وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم في كتاب وجّهته إلى القاضي فوّاز إبداء الرأي في شأن تطبيق المادة /18/ من المرسوم الاشتراعي رقم/151/ الصادر بتاريخ 1983/9/16 والمتعلّق بتنظيم وزارة العدل. وأوردت في طيّاته تساؤلات “مشروعة” في مسائل سارت عليها هيئة القضايا منذ وجودها وبكلّ قضاتها، ولم يعترض أحد عليها، ومنها “إذا كان تمثيل الدولة يستوجب الإستحصال على موافقة مسبقة من الوزير المختص، وفي حال الإيجاب مدى إلزامية موقف الوزير الرافض لمباشرة ادعاء أو القيام بأيّ إجراء قانوني أو قضائي، وكذلك الحلّ في حال تمنّعه قصدًا أو مماطلة عن إبداء مطالعة مطلوبة، علمًا أنّ هيئة القضايا تمثّل مصالح الدولة المشروعة”.
ولم تكتف نجم بهذا السؤال الثلاثي المرامي للوقوف على رأي هيئة التشريع والإستشارات، بل أتبعته بوجوب معرفة “ما إذا كانت مطالعة الإدارة المختصة ملزمة بمضمونها لهيئة القضايا أو يمكن لهذه الأخيرة العمل بخلافها وتبعًا للمعطيات المادية والقانونية المتكوّنة لديها إنطلاقًا من سلطتها المطلقة في الإستعلام عن المعلومات والمستندات الأساسية كافة لدى مختلف الإدارات العامة”، وذلك من منطلق ما هو متعارف عليه من “أنّ هيئة قضايا الدولة هي الهيئة القانونية الوحيدة المخوّلة تمثيل الدولة اللبنانية والمعنية بالدفاع عن مصالحها المشروعة”.
وفي غضون أسبوع، وتحديدًا في 2020/10/8، كان جواب هيئة التشريع والإستشارات حاضرًا وجاء فيه التالي:
” حيث تقتضي الإشارة أوّلًا أنّه بمقتضى المادة /66/ من الدستور اللبناني: “لا يلي الوزارة إلّا اللبنانيون ولا يجوز تولّي الوزارة إلّا لمن يكون حائزًا على الشروط التي تؤهّله للنيابة.
يتولّى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كلّ بما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وما خصّ به.
يتحمّل الوزراء إجماليًا تجاه مجلس النوّاب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحمّلون إفراديًا تبعة أفعالهم الشخصية”.
حيث إنّ المادة /16/ من قانون تنظيم وزارة العدل تنصّ على أن “يتولّى رئيس هيئة القضايا تمثيل الدولة في لبنان والخارج أمام جميع المحاكم العدلية أو الإدارية أو التحكيمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وسائر الهيئات ذات الصفة القضائية وذلك إمّا شخصيًا وإمّا بواسطة أحد معاونيه من قضاة الهيئة أو أحد محامي الدولة..”
حيث إنّ المادة/18/ من قانون تنظيم وزارة العدل تنصّ على أن تتولّى هيئة القضايا:
1- إقامة الدعاوى باسم الدولة والدفاع عنها في الدعاوى المقامة عليها في الداخل والخارج، وإعداد الاستحضارات واللوائح والمذكّرات وتوقيعها.
2- تبلّغ الاستحضارات واللوائح والمذكّرات والأحكام والقرارات العائدة لدعاوى الدولة.
3- المثول أمام جميع المحاكم العدلية والادارية.
4- القيام بجميع الأعمال التي يتطلّبها الدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم سواء كانت مدعية أو مدعى عليها.
حيث انطلاقًا من أحكام المادة /66/ من الدستور والمادتين/16/ و/18/ من قانون تنظيم وزارة العدل، يمكن القول إنّ هيئة القضايا هي وكيل عن الدولة، أيّ بتعبير آخر بمثابة مكتب محاماة، وإنّ الوكيل لا يقوم بأيّ عمل أو يباشر بأيّ إجراء إلّا بناء على طلب من موكّله، في الحالة الراهنة الوزير المختص الذي يناط به تطبيق الأنظمة والقوانين بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّ به.
حيث بالتالي، إنّ مباشرة أيّ ادعاء أو القيام بأيّ إجراء قانوني أو قضائي من قبل هيئة القضايا يكون متوقّفًا على طلب يوجّه إليها من قبل الوزير المختص، علمًا أنّه في حال تمنّع الوزير أو ماطل في الطلب من هيئة القضايا إقامة دعوى معيّنة أو الدفاع في دعوى معيّنة، أو مباشرة أيّ إجراء قانوني أو قضائي، فإنّه يتحمّل تبعة أفعاله هذه شخصيًا عملًا بالمادة /16/ من الدستور.
هذا من نحو أوّل.
حيث من نحو ثان، وكون هيئة القضايا هي بمثابة مكتب محاماة يتولّى تمثيل الدولة اللبنانية، فشأنها هنا شأن أيّ محام، فهي التي تحدّد وتقرّر كيفية السير بالدعوى أو بالإجراء القانوني تبعًا للمعطيات المادية والقانونية المتكوّنة لديها إنطلاقًا من سلطتها المطلقة في الإستعلام عن المعلومات والمستندات”.
والجواب الأخير ليس جديدًا وليس ابتكارًا، ذلك أنّ هيئة القضايا بما لديها من محامين يتابعون الملفّات المكلّفين بها بالتنسيق مع رئيس هيئة القضايا، أدرى بكيفية التعامل والتعاطي مع هذه الملفّات وبكيفية مقاربتها بالشكل الذي يحقّق المبتغى بالدفاع عن مصالح الدولة.
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/9/10
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك”، و”الواتساب”، و”اكس”، و”الإنستغرام”، و”التلغرام”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.