وجه التشابه بين عريضتي الإدعاء بانفجار المرفأ ومحرقة برج حمود/عصام اسماعيل
د. عصام نعمة إسماعيل:
ذكّرنا توقيع نوّاب على عريضة الإدعاء على وزراء في ملفّ انفجار مرفأ بيروت بواقعة مشابهة في قضيّة محرقة برج حمود. وللفائدة، نعيد التذكير بتلك الواقعة.
بتاريخ 2000/2/23 أصدر قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان قرارًا قضى بردِّ الدفوع الشكلية المدلى بها من الوزير السابق فؤاد السنيورة وممّا جاء في هذا القرار:” إنّ الأفعال المسندة إلى المدعى عليه هي الأفعال الجرمية المتعلّقة بهدر الأموال العامة المنطبقة على المادة363 عقوبات، تمّت بتدخّل من النائب حبيب حكيم. وأنّ هذه الأفعال تتضمّن توقيعه اتفاقية تسوية بشأن معمل النفايات في برج حمود مع الجانب الإيطالي ألزم الدولة اللبنانية بموجبها دفع مبلغ 52 مليون دولار دون أن يلزم الجانب الإيطالي المقابل بإنشاء المعمل. وإقدام المدعى عليه الوزير السابق السنيورة على وضع الاتفاقية المذكورة موضع التنفيذ خلافًا للقانون ودفعه مبلغًا يزيد على24 مليار ليرة إلى الجانب الإيطالي دون أن تكون الاتفاقية قد اقترنت بالتصديق من قبل المجلس النيابي.
إلّا أنّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز بموجب قرارها رقم 2000/7 تاريخ 2000/10/27 قضت بأنّ المرجع صاحب الصلاحية لملاحقة الوزراء هو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء واستندت في تعليل موقفها إلى أنّ للمجلس النيابي حقّ اتهام الوزير بما يمكن أن يرتكبه من أفعال لها الصفة الجزائية بمفهوم قانون العقوبات، وللمجلس الأعلى حقّ محاكمته بموجب هذه الأفعال، وأنّ صلاحية المرجعين هي حصرية وخاصة بكلٍّ منهما حاجبةً لصلاحية أيّ مرجعٍ آخر، الأمر الذي يحول دون إمكان القول عن توافر صلاحية مزدوجة في هذا الصدد للمجلس النيابي وللقضاء الجزائي العادي بالنسبة إلى الفعل نفسه.
بتاريخ 2003/10/23 أودعت النيابة العامة رئيس مجلس النوّاب صورة طبق الأصل من ملفّ الوزير فؤاد السنيورة في قضيّة محرقة برج حمود. فاجتمعت هيئة مكتب المجلس بتاريخ 2003/11/11 وقرّرت إعادة الملفّات إلى القضاء وإبقائها في وديعته حتّى إذا ما أرادت لجنة التحقيق البرلمانية الإستفادة منها يمكنها أن تطلبها.
كما قرّرت هيئة مكتب المجلس النيابي بتاريخ 2003/11/11 تحريك عريضتي اتهام في حقّ الوزير فؤاد السنيورة والتوجّه إلى السادة أعضاء مجلس النوّاب لتوقيع العريضتين بعد إعدادهما.
كانت المبرّرات التي أعلنها مكتب المجلس النيابي حول دافع اتخاذ هذا القرار هو أنّ المادة 19 من القانون الرقم 90/13 لم تنصّ على أنّ تحريك عريضة الاتهام يتمّ بطلب آت من النيابة العامة التمييزية أو من غيرها، ولا من ادعاء مباشر أو غير مباشر، بل يقتصر على شرط توافر نصاب معيّن من مجلس النوّاب.
وبالفعل تمّ إعداد العريضة ووقّعتها معظم الكتل النيابية بما فيها نوّاب “كتلة قرار بيروت” ورئيسها رفيق الحريري، بينما امتنع عن التوقيع نوّاب حزب الله والنائب وليد جنبلاط.
كان لافتًا في حركة التواقيع أنّ كثيرًا من النوّاب لم يطلعوا على العريضتين قبل أن يوقّعوا، وتاليًا لم يكونوا على بيّنة من “الطلب المفصّل والمعلّل والعلّة أو الجرم المنسوب إلى المدعى عليهم، ولا الأدلّة والقرائن المؤيّدة للإدعاء” والدليل هو التوقيع عبر الفاكس للنائب فريد مكاري الموجود خارج لبنان والذي أبلغ إلى الأمانة العامة لمجلس النوّاب قراره توقيع عريضة اتهام فؤاد السنيورة فور عودته (كما جاء في جريدة النهار تاريخ 2003/11/18).
واستنادًا إلى المادة 20 من قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى، فإنّه فور ورود طلب الاتهام مستوفيًا الشروط، يبلِّغ رئيس المجلس النيابي نسخة عنه جميع النوّاب. كما يُبلَّغ الشخص أو الأشخاص المطلوب اتهامهم، ويمهلون عشرة أيّام من أجل الإجابة خطّيًا.
بالفعل قدّم الوزير السابق فؤاد السنيورة بتاريخ 2003/11/29 جوابه على العريضة الاتهامية وكان جوابًا حاسمًا لناحية ردّ التبعة إلى كلٍّ من مجلس النوّاب ومجلس الوزراء، حيث بيّن أنّه لم يسدّد قيمة القرض إلّا تنفيذًا لأحكام القانون رقم 653 تاريخ 1997/07/24 الرامي إلى إعطاء سلفة خزينة لاتحاد بلديات المتن الشمالي الساحلي والأوسط من أجل تسديد دين متوجّب لمؤسّسة sace الإيطالية، والذي تمّ تنفيذه بموجب المرسوم رقم 10925 تاريخ 1997/08/30.
وفي جلسة المجلس النيابي المنعقدة بتاريخ 2003/12/20 للتصويت على تشكيل لجنة تحقيق، طرح رئيس المجلس النيابي قضيّة الوزير فؤاد السنيورة على التصويت، فتلا العبارة الآتية:”بعد الإطلاع على العريضة التي تقدّم بها 26 زميلًا، وبعد سماع الفريقين، هل ترون ضرورة تأليف لجنة تحقيق، نعم أم لا برفع الأيدي”. فلم يرفع أحد يده. فقال رئيس المجلس أنّ هناك إجماعًا على عدم تشكيل لجنة التحقيق، وأصدر القرار الآتي الذي جاء فيه: “يعتبر أنّ ما نسب إلى الوزير فؤاد السنيورة، لا يشكّل إخلالًا بالواجبات المترتّبة عليه. وفي ما نسب إليه، تقرّر ردّ العريضة المقدّمة بحقّه.”
فاختتمت الفضيّة بكلمة شكرٍ وجّهها الوزير السنيورة إلى المجلس النيابي، معتبرًا أنّ ما جرى يؤكّد عمق ورسوخ الديموقراطية في نظامنا، وأنّ المجلس النيابي هو أصل السلطات ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
“محكمة” – السبت في 2021/7/24
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.