وزيرة العدل تصادر صلاحية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قبل تعيينها/صادق علوية
صادق علوية(خبير قانوني وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي):
منذ صدور قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات (القانون رقم 28 تاريخ 2017/2/10 وقانون حماية كاشفي الفساد رقم 83 تاريخ 10 تشرين الأوّل 2018 كان القانون اللبناني خالياً من أيّ أسس تحدّد كيفية إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، إلى أن صدر ، وبعد ثلاث سنوات، قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (القانون رقم 175 الصادر في 8 أيّار 2020 )،
وقد نصّت المادة الخامسة من هذا القانون على أصول إنشاء وتنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حيث نصّ بشكل واضح على أنّها: هيئة إدارية مستقلّة تسمّى “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، تتمتّع بالشخصية المعنوية وبالإستقلال المالي والإداري وتتشكّل الهيئة من ستّة أعضاء بمن فيهم الرئيس ونائب الرئيس ويعيّنون بمرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء لمدّة ستّ سنوات غير قابلة للتجديدعلى النحو التالي:
1- قاضيان متقاعدان بمنصب الشرف، يتمّ انتخابهما وفق الأصول التي ترعى انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى، على أن تتألّف الهيئة الناخبة من مجمل القضاة الأصيلين في القضاء العدلي والإداري والمالي، وعلى أن تتمّ الدعوة والإشراف على الإنتخابات من قبل القاضي الأعلى درجة من بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة.
يرفع وزير العدل اسمي القاضيين المنتخبين إلى مقام مجلس الوزراء.
2- محام أو حقوقي من بين أربعة أسماء يرشّح إثنين منهم مجلس نقابة المحامين في بيروت وإثنين مجلس نقابة المحامين في طرابلس.
3- خبير محاسبة، من بين ثلاثة أسماء يرشّحها مجلس نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان.
4- خبير في الأمور المصرفية أو الاقتصادية، من بين ثلاثة أسماء ترشّحهم هيئة الرقابة على المصارف.
5- خبير في شؤون الادارة العامة أو المالية العامة أو مكافحة الفساد من بين ثلاثة أسماء يرشّحهم وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية.
د- يشترط في الأعضاء الخبراء المنصوص عليهم أعلاه حيازة شهادات عليا (ماجستير وما فوق) في اختصاصهم بالإضافة إلى خبرة لا تقلّ عن عشر سنوات.
ويتوجّب على الهيئات المذكورة أعلاه أن تقوم بالاقتراح أو الإنتخاب للمرّة الأولى في مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، علماً أنّ هذا القانون قد نُشر في عدد الجريدة الرسمية رقم 20 تاريخ 2020/5/14 وبالتالي فإنّ المهلة تنتهي بتاريخ 2020/8/14، ورغم ذلك لم يتمّ تشكيل هذه الهيئة ، لأسباب شتّى أوّلها ربّما استقالة الحكومة إن كنّا حسني النيّة، رغم أنّ حكومة تصريف الأعمال يقتضي عليها تنفيذ إصلاحاتها التي وعدت بها، مع الإشارة إلى أنّنا نرى أنّ هذه المهلة هي مهلة حثّ وليست مهلة إسقاط، وبالتالي على الحكومة المبادرة إلى هذا الأمر،
ولكن ما حصل أنّه وبدلاً من (اقتراح) تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أخطأت وزيرة العدل بتخصيص مكتب في وزارة العدل لاستقبال كاشفي الفساد، إذ صدر عن وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، بيان ورد فيه الآتي:”في إطار العمل المشترك مع مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ووزارة المالية والنيابة العامة التمييزية لدعم تنفيذ قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83 تاريخ 2018/10/10، أصدرت وزيرة العدل بتاريخ 2020/10/9 قراراً خصّصت بموجبه مكتباً لاستقبال كاشفي الفساد، لمعاونة النيابة العامة التمييزية في تلقي هذه الكشوفات، مع الحفاظ على خصوصيات مقدّميها وتأمين الضمانات القانونية كافة لهم، على أن يتمّ تزويد هذا المكتب بخطّ ساخن وببريد الكتروني خاص لتلقّي الكشوفات”.
واضاف البيان: “ستعمل وزارة العدل، بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية، لتجهيز هذا المكتب بأسرع وقت، وتكليف الموظّفين الذين سيقومون بمهامه ضمن شروط محدّدة وبعد خضوعهم للتدريب على هذا النوع من العمل، على أمل أن تشكّل هذه الخطوة، التي سيتمّ إتباعها بخطوات أخرى سيعلن عنها في حينه، تحفيزاً لكلّ من لديه معلومات تتعلّق بالفساد في تقديمها، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوصها”.
إنّ هذا القرار إذ يخالف جوهر قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83 تاريخ 2018/10/10 واستقلالية الهيئة ، وأصول إنشائها ، وكذلك قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، حيث تنصّ المادة 5 وفي الفقرة ب من قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أنّ تأدية الموظّفين أعمالهم تكون لدى الهيئة وباستقلال كامل عن أيّة سلطة أخرى حيث تنصّ على ما حرفيته:يؤدّي أعضاء الهيئة والموظّفون وسائر العاملين لديها مهامهم باستقلال كامل عن أيّة سلطة أخرى في إطار أحكام هذا القانون.
والقانون ذاته ينصّ في المادة الرابعة عشرة منه على أنّ الجهاز الإداري يتمّ تعيينه من قبل الهيئة بعد مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية، فلا يحقّ لوزير العدل اتخاذ أيّ قرار يعني هيئة لا تتبع له مطلقاً، فكلّ ما يحقّ لوزير العدل أن يقوم به هو في إطار هذا القانون هو: اقتراح تطبيق دقائق القانون المذكور على مجلس الوزراء فقط وفق المادة 27 من القانون نفسه ، وأن يرفع اسمي القاضيين المنتخبين إلى مقام مجلس الوزراء، أما ما عدا ذلك فهو لا يعدّ سوى تدّخل غير مبرّر وحتّى لو كانت وزيرة العدل حسنة النيّة إلاّ أنّه يعتبر بمثابة وضع يد على الهيئة ومصادرة لصلاحياتها قبل إنشائها، وهكذا تصادر وزيرة العدل صلاحية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قبل تعيينها، وكعادتنا في لبنان، وبغياب الدولة ، دولة المؤسّسات، يرغب البشر دوماً بالعودة إلى الأصل إلى الطبيعة إلى الفوضى الشنيعة، على وزيرة العدل أن تقتدي بما يقوله الفيلسوف جون لوك في العام ١٦٩٠ : ليس من الضروري صنع قوانين على الدوام، ولكن من الضروري على الدوام تحقيق تنفيذ القوانين التي صُنِعَت!
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/10/13