علم وخبر
وفاة المستأجرة قبل القرار النهائي المبرم ولا تعويض للورثة/ناضر كسبار
ناضر كسبار (نقيب المحامين السابق في بيروت):
عندما يتقدم المالك بطلب استرداد المأجور سواء للضرورة العائلية، او للهدم واعادة البناء ضد المستأجر المقيم في المأجور. واثناء السير بالدعوى سواء بداية قبل صدور الحكم الابتدائي، او استئنافاً، وقبل صدور القرار النهائي المبرم، ويتوفى المستأجر. فهل تبقى الدعوى قائمة، وهل يستفيد الورثة من التعويض الذي حُدد في الحكم الابتدائي النهائي ولكن غير المبرم، وهل يمكن الزام المالك استئنافاً بدفع التعويض على الرغم من الوفاة قبل صدور القرار الاستئنافي؟
سؤال اجابت عليه محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في دعاوى الايجارات في بيروت والمؤلفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، في قرارها الصادر بتاريخ 2024/6/20 حيث اكدت انه لكي يصح انتقال الحق بالتعويض الى ورثة المستأجرة، فإنه يتعين ان يكون هذا الحق قد نشأ وثبت بصورة اكيدة ونهائية اثناء حياتها، ودخل بالتالي في ذمتها المالية. وجاء في القرار:
ثالثاً: في الاساس
وحيث ان المستأنفة تدلي بوجوب فسخ الحكم المستأنف تاريخ 2012/2/29 المنتهي الى الترخيص لها باسترداد المأجور الذي كانت تشغله المرحومة عواطف للهدم واعادة البناء، لكون الحكم المذكور لم يصر الى ابلاغه او تنفيذه في حينه، ولكون المستأجرة قد توفيت بعد صدوره طالبة بناء على ذلك، وسنداً للمواد /28/ و/29/ و/30/ و/31/ و/662/أ.م.م.، إعلان سقوط الاجارة السكنية القائمة لمصلحة الاخيرة بالوفاة، مشددة على انتفاء صفة او حق ورثتها المستأنف عليهم راهنا للمطالبة بأي تعويض.
وحيث ان المستأنف عليهم يطالبون من جهتهم تصديق الحكم المستأنف، مدلين بوجود عقد قضائي بين الشركة المستأنفة ومورثتهم المرحومة عواطف تمثل بموافقة الاخيرة على مبدأ الاسترداد بحيث انحصر النزاع بمقدار التعويض المتوجب لها، وبالتالي يكون قد نشأ لها، ولورثتها من بعدها، حق في التعويض عن الاخلاء بمعزل عن العلاقة التأجيرية التي كانت قائمة، وبمعزل عن اي وقائع مستجدة بعد الاتفاق القضائي.
وحيث انه يتبين ان الحكم المستأنف قد قضى بقبول طلب استرداد المأجور موضوع الدعوى للهدم واعادة البناء، وبإلزام المدعية (المستأنفة) بأن تدفع الى المدعى عليها (مورثة المستأنف عليهم) مبلغاً وقدره /99,297/د.أ. او ما يعادله بالليرة اللبنانية بتاريخ الدفع الفعلي، كتعويض عن الاسترداد وبإلزام المدعى عليه بإخلاء المأجور وتسليمه الى الجهة المدعية خاليا من اي شاغل فور إيداع التعويض المحكوم به، وان اي من الفريقين لم يعمد الى تبليغ الحكم المذكور او تنفيذه لغاية وفاة المدعى عليها المذكورة بتاريخ 2014/5/26، الى ان تقدم المستأنف عليهم في بتاريخ 2020/1/22 في الملف الابتدائي بطلب تصحيح خصومة وإبلاغ الحكم من المستأنفة.
وحيث انه يتبين ان المستأنفة قد تقدمت بدعوى بوجه المستأنف عليه حكمت امام القضاء المستعجل صدر بنتيجتها قرار بتاريخ 2015/9/10 صدق استئنافا بتاريخ 2017/2/16، قضى بإلزامة بالاخلاء.
وحيث ان النزاع الراهن يتمحور حول احقية المستأنف عليهم في المطالبة بالتعويض لقاء الاسترداد الذي حدده الحكم المستأنف لصالح مورثتهم.
وحيث تقضي الاشارة بداية الى ان التعويض لقاء الاسترداد هو حق يعود الى المستأجر او الى المستفيد من الحق بالتمديد القانوني وحدهما، اي في الحالة الراهنة المرحومة عواطف التي كانت قد افادت الخبيرين المهندس انطوان فرشخ والسيد علي ابراهيم، المعينين بداية لتخمين المأجور، بأنها تشغل المأجور لوحدها وهي عزباء ولا تعمل ويعيلها اخوتها، الامر الذي يجعل الحق بالتعويض محصورا بها دون سواها، وبالتالي فإن حق المطالبة بالتعويض هو حق شخصي ملازم للمستأجرة وهو لا يقوم إذن بشكل مباشر بالنسبة لاشقائها طالما تنتفي لديهم صفة المستأجرين او المستفيدين من حق التمديد.
وحيث انه لكي يصح إنتقال الحق بالتعويض الى ورثة المستأجرة، فإنه يتعين ان يكون هذا الحق قد نشأ وثبت بصورة اكيدة ونهائية اثناء حياتها ودخل بالتالي في ذمتها المالية.
وحيث من ناحية اولى، فإن العقد القضائي يفترض لنشوئه وجود اتفاق بين الطرفين بشأن موضوع النزاع العالق امام المحكمة، كما يستدعي عرض هذا الاتفاق على المحكمة للتصديق عليه، فتصدر الاخيرة نتيجة ذلك قرارا لا يفصل في اية منازعة ولا يشتمل على اي تعليل ولا يعتبر بالتالي حكما قضائيا كون دور المحكمة في هذا الصدد منحصرا في إثبات الاتفاق والتصديق عليه وبالتالي اعطائه القوة التنفيذية.
De par sa nature conventionnelle, le contrat judiciaire repose avant tout sur un accord de volonté des parties au litige qui les oppose. Cet accord de volonté n’accéde au statut de contrat que s’ill ne découle des obligastions auxquelles les parties entendent conférer force obligatoire (dalloz.fr)
وحيث في هذا الاطار، فإن عدم مناقشة المدعى عليها المرحومة عواطف في مسألة الاسترداد حاصرة المنازعة بتحديد مساحة المأجور تمهيداً لتحديد قيمة التعويض المتوجب، لا يشكل توافقا واضحا وصريحا بين الطرفين على حل النزاع القائم بينهما بصورة شاملة ومتكاملة، ولا يعتبر قابلا للتصديق عليه من قبل المحكمة خاصة انه لم يعرض اصلا عليها بصورة مشتركة من قبل الفريقين بهذه الصيغة ولهذه الغاية، الامر الذي ينفي عن الحكم المستأنف الصادر بنتيجة الدعوى الراهنة الطابع الاتفاقي او التصديقي، ويجعله حكما عاديا خاصة انه بحث مدى توفر شروط الاسترداد.
وحيث ان الحكم لا يصبح قابلا للتنفيذ وملزما للفريقين إلا عند صيرورته نهائيا ومبرما ما لم يجر تنفيذه طوعا من قبل الفريقين.
وحيث ان الحكم الابتدائي قد وضع موجبات متقابلة على عاتق الطرفين، بحيث انه بعد ان قضى بالترخيص بالتعويض، ربط موجب المستأجرة بالاخلاء بقيام المالكة بإيداع التعويض.
وحيث تقتضي الاشارة في هذا المجال الى ان قوانين الايجارات الاستئنافية المتعاقبة، وفي محاولة لتقليص العبء الواقعي والقانوني الذي تشكله مؤسسة التمديد القانوني على المالك المؤجر، كرست مؤسسة الاسترداد فأعطت المالك من خلالها إمكانية استعادة العين المؤجرة دون انتظار انتهاء فترات التمديد، على ان يتم ذلك مقابل عوض، بحيث يعتبر طلب الاسترداد حقا يعود الى المالك وحده دون سواه، كما انه يعود للاخير ان يحدد الوقت الملائم والمناسب لتنفيذ الحكم الصادر بالترخيص له بالاسترداد، لاسيما اذا كان الاسترداد لاجل الهدم واعادة البناء حيث تكثر الدعاوى المقامة بوجه كافة المستأجرين بحيث لا تتقدم جميع تلك الدعاوى بنفس النمط او السرعة، ولا يمكن التكهن عن مصيرها جميعها مسبقاً، فمن شأن تعثر احدى تلك الدعاوى ان يؤخر او يعلق كافة الدعاوى الاخرى.
وحيث طالما ان حق المستأجرة بالتعويض مرتبط بارادة المالك وبمبادرته الى ايداع التعويض المذكور، فإن هذا الحق لم ينشأ فعليا لمصلحتها ولم يدخل ذمتها المالية، وتعتبر اجارتها قائمة ومستمرة على حالتها السابقة، وتكون خاضعة لاسباب الانتهاء المنصوص عنها قانونا.
وحيث انه تبعا لكون الاجارة تنتهي بوفاة المستأجرة بغياب اي مستفيد من الحق بالتمديد، كما هو الحال راهنا فإن الدعوى الرامية الى المطالبة بالتعويض لقاء الاسترداد تضحى بدون موضوع.
وحيث انه بحسب المادة /662/أ.م.م. فإنه لا يقبل في الاستئناف اي طلب جديد الا اذا كان من الطلبات المقابلة او الطلبات المتفرعة عن الطلب الاصلي او المشمولة ضمنا به او اذا كان يرمي الى المقاصة او كان من قبيل الدفاع لرد طلبات الخصم او كان يهدف على الفصل في مسائل ناشئة عن تدخل الغير او عن حدوث او كشف واقعة ما.
وحيث ان وفاة المستأجرة خلال الدعوى الرامية الى استرداد مأجورها وقبل صدور قرار نهائي ومبرم فيها، تندرج ضمن الوقائع الجديدة التي من شأنها ان تؤثر على النزاع، وان طلب انهاء الاجارة بسبب تلك الوفاة يعتبر من قبيل الدفاع لرد طلبات الخصم باعتبار ان تبليغ القرار المستأنف من قبل ورثة المستأجرة يشكل مطالبة منهم بالتعويض المحكوم به في الحكم المذكور.
وحيث ان تأسيسا على مجمل ما تقدم، يقتضي قبول الاستئناف اساساً وفسخ الحكم المستأنف، ورؤية الدعوى انتقالاً والحكم مجددا برد طلب الاسترداد ورد طلب التعويض لقاء الاسترداد المشار اليه، لزوال التمديد القانوني للاجارة موضوع الدعوى بوفاة المستأجر وعدم وجود مستفيد من التمديد القانوني للاجارة المذكورة قبل انبرام الحكم المستأنف.
وحيث انه في ضوء التعليل الوارد آنفا والنتيجة المنتهي اليها لم يعد من حاجة للبحث في سائر الاسباب والمطالب الزائدة او المخالفة، لعدم الفائدة او لكونها لاقت رداً ضمنياً.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- تصحيح الخطأ المادي الوارد في السطر الثالث من الحكم المستأنف، بحيث يصبح رقم العقار /1489/ المزرعة بدلا من العقار /3292/المزرعة، وتكليف القلم بإجراء التصحيح اصولاً سندا للفقرة الاخيرة من المادة /560/أ.م.م. المذكورة.
3- قبول الاستئناف اساسا وفسخ الحكم المستأنف، ورؤية الدعوى انتقالا والحكم مجددا برد طلب الاسترداد ورد طلب التعويض لقاء الاسترداد المشار اليه، لزوال التمديد القانوني للاجارة موضوع الدعوى بوفاة المستأجر وعدم وجود مستفيد من التمديد القانوني للاجارة المذكورة قبل انبرام الحكم المستأنف.
4- رد ما زاد او خالف.
5- تضمين الجهة المستأنفة والجهة المستأنف عليها الرسوم والمصاريف والاتعاب مناصفة في ما بينهما.
قراراً صدر وافهم علنا في بيروت بتاريخ 2024/6/20.
“محكمة”- الثلاثاء في 2024/6/25