“وين سجنوا القضاة؟”.. وعدم وقف جرمانوس عن العمل/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
خلافاً لعنصر السرعة بوقف خمسة قضاة عن العمل، قرّر وزير العدل ألبرت سرحان ومن دون أيّ مسوّغ قانوني ومن دون وجه حقّ عدم فعل الأمر نفسه مع قرار هيئة التفتيش القضائي بإحالة القاضيين بيتر جرمانوس وعماد زين على المجلس التأديبي.
فبعد مرور أكثر من أسبوع على تسلّمه قرار التفتيش لا يزال سرحان يتمنّع عن إبلاغ الرأي العام بوقف هذين القاضيين عن العمل أسوة بما فعله مع زملائهم الخمسة في زمن ضجيج الإحالات والتوقيفات في شهري نيسان وأيّار 2019.
وإنْ كان لا شيء يمنع من الإحالة على المجلس التأديبي لمباشرة المحاكمة السرّية في قصر عدل بيروت حيث يحضر المعنيون للمثول أمام هذا المجلس المؤلّف من القضاة ميشال طرزي رئيساً وأيمن عويدات وغادة أبو كروم عضوين من دون حصول وقف عن العمل وهو إجراء عادي سبق أن حدث مع قضاة كثر، إلاّ أنّ السؤال المطروح لماذا لم يُقم سرحان ميزان المساواة بين جرمانوس وزين والقضاة الخمسة الآخرين فتمنّع عن وقف الأوّلين عن العمل، فيما كان سريعاً في وقف هؤلاء الخمسة عن العمل؟ وإذا كانت قرينة البراءة هي المنطلق والذريعة، فلماذا لم يمتثل وزير العدل لها مع هؤلاء الخمسة، لا بل كان سريعاً في إصدار البيانات والتغريد بالأمر كمن يحتفل؟!
كما أنّ حجّة استلام هذين القاضيين منصبين مهمّين ساقطة لأنّ رئاسة محكمة جنايات ورئاسة هيئة إتهامية على سبيل المثال لا تقلّ شأناً عن موقعي جرمانوس وزين في مفوّضية الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة وقاضي تحقيق أوّل في البقاع، لا بل رئاسة “الجنايات” و”الاتهامية” أكثر إلتصاقاً بالعدالة من حيث المفهوم القانوني للدور المعطى لهما، فيما مركزا جرمانوس وزين أكثر التصاقاً بالسياسة!.
الجواب الحاسم هو أنّ جرمانوس محسوب على الفريق السياسي للوزير سرحان، لذلك عدم وقفه عن العمل هو رسالة ضدّ العدالة تقول لكلّ قاض إذهب إلى مرجعيتك السياسية والدينية لتأمين الحماية والحصانة، فيما أوْلى بالمعنيين في القضاء أن يطالبوا باستقلالية السلطة القضائية لا الإصرار على إدخالها في نفق السياسة حتّى ولو لم تكن للسياسة يدّ في الملفّ!
صحيح أنّ القضاة الخمسة كانوا يمنّون النفس بأن يكون جرمانوس ضمن دفعتهم فلا يتمّ وقفهم عن العمل ولا يفقدون الهيبة والمكانة القضائية المعطاة لهم تجاه الرأي العام، غير أنّ عدم وقف جرمانوس وزين عن العمل هو مؤشّر على تراجع قرار تنقية الجسم القضائي من الفاسدين وهم يشكّلون نسبة لا بأس بها وفي مواقع مختلفة، ليبقى السؤال الأكثر إلحاحاً لمصلحة منْ خفّ منسوب مكافحة الفساد في القضاء؟
بعد يومين من وقف أوّل ثلاثة قضاة عن العمل، كنت أستقلّ سيّارة أجرة إلى عدلية بيروت وسمعني السائق الستيني أتحدّث على الهاتف عمّا آل إليه مصير القضاة الثلاثة، فبادرني بالقول:“وين سجنوهم لهالقضاة؟!”، وفي ظنّه أنّهم نقلوا إلى سجن رومية المركزي أو أيّ سجن آخر.
طبعاً شرحت للسائق فهمه الخاطئ لمعنى الوقف عن العمل، وأنّ الأمر ليس توقيفاً ولا سجناً على الإطلاق كما يحصل في قضايا جنحية أو جنائية تستحقّ عقوبة سجنية، ولكنّ السؤال هل هذه هي الفكرة التي يريد أهل القضاء زرعها في أذهان الناس عن القضاة والقضاء؟!
إرحموا ما تبقّى للقضاء من هيبة!
“محكمة” – الخميس في 2019/7/4