خاص”محكمة”: بين الزواج المدني والزواج الديني/ الشيخ يوسف سبيتي
الشيخ يوسف علي سبيتي:
من الأخطاء الشائعة مقولة ” الزواج المدني ” و” الزواج الديني “. الزواج هو شأن مدني، شأنه شأن أي أمر تسالم عليه البشر منذ فجر التاريخ لتنظيم أمورهم الدنيوية، حتى تستقيم حياتهم بشكل طبيعي . كالبيع والإجارة وغيرهما من العقود التي نظمت حياتهم الاجتماعية والإقتصادية ، وفي مرحلة لاحقة حياتهم السياسية، لأن الإنسان كائن مدني ـــ اجتماعي، له حاجات متعددة ، ولا يمكنه الحصول على هذه الحاجات إلا من خلال تضافر الجهود والحاجات المتبادلة بين أفراده ، وكل فرد له حاجات قد لا تكون الا عند فرد آخر، فقد تتقاطع المصالح وقد تتضارب، فيحصل التنافس والتعارض بين هذه المصالح، فكان لا بدّ من وضع قواعد تحقق التوازن بين هذه الحاجات. فلا يحصل تعارض أو تضارب، عندما جاء الإسلام كانت غايته تنظيم هذه العقود، ولم يكن الإسلام هو الذي أوجد هذه العقود، بل كانت موجودة، وكانت غاية الإسلام وضع بعض الشروط التي اعتبرها تساعد على تحقيق التوازن والعدالة، بين الأفراد، بحيث يستطيع أن يأخذ كل صاحب حق حقه، ووضع ما يسمى منظومة الحقوق والواجبات، بين الطرفين.
فالزواج الذي هو شأن بشري ــ مدني ، كما أسلفنا، وضع الاسلام له بعض الشروط التي اسماها “الحقوق والواجبات بين الزوجين، فأعطى للزوج حقوقاً وفرض عليه واجبات، وأعطى للزوجة حقوقاً وفرض عليها واجبات، فيحصل التوازن بين الطرفين، فلا يتبيغ طرف على طرف، ولا يتخلى طرف عن واجباته، لذلك لا يصح اطلاق صفة زواج ديني على ما أراده الاسلام في الزواج، فهو زواج مدني له شروط معينة اختارها الاسلام، لأنه يراها بأنها هي الأنسب .
وعندما نرفض قانون ” الزواج المدني الاختياري” مع أن اضافة ” الاختياري ” ليست واقعية، لأنه عندما يتحول الموضوع إلى قانون فلا يصح أن يسمى اختيارياً، بل يكون الزامياً، فلا يوجد في العالم قانون اختياري، كما أشار إلى ذلك البطريرك الراعي من أمام القصر الجمهوري ” يوم الجمعة: 22 / 2 / 2019 ” فوصف القانون بانه اختياري، اما ذر الرماد في العيون، أو وضع السم في الدسم ، وهو يخفي بين السطور أموراً أخرى. لأن دعاة ” الزواج المدني ” يبررون الأمر بأن الهدف منه هو الانصهار الوطني والمساواة بين المواطنين، حتى ننهي الحالة الطائفية في البلد، ونخرج قانون ” الأحوال الشخصية من سلطة الطوائف.
ومهما يكن فإن هناك أسباباً موجبة لرفض قانون ” الزواج المدني” وقبل ذكر هذه الأسباب أو بعضها لا بدّ من توضيح بعض الأمور .
هل أن ” الزواج المدني ” يلغي الطائفية ويحقق الانصار الوطني؟ وبتعبير آخر: هل أن مشكلة الطائفية السياسية تُحل بالزواج المدني؟ أم أن مشكلة الطائفية السياسية أعمق من ذلك بكثير، وربط حلها بالزواج المدني هو تبسيط للمشكلة، وخروج عن السياق الطبيعي للأمور؟.
الطائفية السياسية لا تنتهي إلا :
أوًلاّ: بالغاء الطائفية السياسية التي أقرها اتفاق الطائف، والتي تعني المساواة بين المواطنين في الوظائف الأساسية بالحد الأدنى.
ثانيا : أن يقلع السياسيون عن الخطاب الطائفي والمذهبي والمناطقي، فإن كل زعيم سياسي لا ينفك يخاطب جمهوره، تارة باسم الطائفة، وأخرى باسم المذهب، وثالثة باسم المنطقة، مع أننا كلنا مواطنون في دولة واحدة بغض النظر عن انتماءاتنا الطائفية أو المذهبية أو المناطقية، ويرتفع منسوب هذا الخطاب الطائفي والمذهبي والمناطقي ، عند توزيع الحقائب الوزارية أو عند الانتخابات، فعندما لا تكون الحقائب الوزارية حكراً على طائفة أو مذهب، وعندما يقلع السياسيون عن هذه الخطاب ، نكون قد بدأنا بالخطوات في الاتجاه الصحيح، ونكون قد بدأنا بتحقيق المساواة بين المواطنين، فلا وظيفة مهما علا شأنها ، ولا وزارة حكراً على هذه الطائفة أو تلك،
وأنا أعلم أيضا أن بعض أهل السنة لا يقبل أن يزوّج ابنته أو ابنه من أحد من الطائفة الأخرى، وكذلك يفعل بعض الشيعة، والدرزي أيضا لا يقبل أن يزوّج ابنته من أحد من الطائفة الأخرى، لأن منسوب الطائفية مرتفع بسبب خطابات السياسيين الطائفية، فالمطلوب هو العمل على القضايا الاستراتيجة الكبرى ، بدلاً من الذهاب إلى القضايا الفرعية والتي ليست هي الحل الفعلي.
ثم إن رفضنا للزواج المدني ليس على نحو مطلق، لأنه إذا فهم البعض أن الزواج يحتاج إلى رجل دين ” شيخ مثلاً” فهذا فهم غير صحيح، لأن الزواج هو عقد بين طرفين ، شأنه شأن أي عقد يكفي فيه التوافق والتراضي بين الطرفين ولا يحتاج إلى وسيط، وقد يكون الوسيط غير “رجل دين” إذا نطق بالصيغة المعروفة لهذا الزواج.
وما يحصل في هذه الأيام مجرد تدبير قانوني ــ مدني لتنظيم الأمور لا أكثر ولا أقل، ثم إن هناك مواد في الزواج المدني تخالف الشريعة الاسلامية ، وهناك مواد لا تخالف الشريعة الاسلامية، ولوجود المواد المخالفة كان الرفض، لذا سوف أكتفي بذكر بعض المواد المخالفة ، على أمل أن أشرح بعض المواد غير المخالفة في وقت لاحق.
وهنا لا بدّ أن أذكر أمراً حصل معي منذ حوالي السنتين، جاءني شاب وفتاة يسألان عن “الزواج المدني” قلت لهما هو غير جائز، قالت الفتاة : إنها تريد وضع بعض الشروط في عقد الزواج لتحصل على الضمانة لحقوقها، ووجدت أن الزواج المدني يحفظ لها هذه الحقوق ،قلت لها : استطيع أن أضع لك الشرط الذي تريدين يضمن لك الحقوق، قالت : لماذا لا استطيع أن يكون عقد زواجي وفق قانون ” الزواج المدني ” ؟ قلت لها :لوجود بعض المواد فيه مخا لفة للشريعة الاسلامية، قالت: إذا اخترت المواد التي لا تخالف الشريعة، هل استطيع أن يكون زواجي وفق هذا القانون؟ قلت لها : لا مانع من ذلك إذا وافق القاضي المدني على أن تختاري ما تريدين من هذه المواد وترفضي المواد الأخرى.
في الزواج المدني، المشكلة الأساسية فيه هي في موضوع الطلاق، صحيح أن القانون المدني المقترح يفترض أن يكون الطلاق بالتراضي، وهذا يعني عدم صحة ما يسمى ” الطلاق الغيابي” وهو من الناحية العملية غير واقعي، أقصد ” الطلاق الغيابي” فإن للزوجة حقوقاً ” المهر المؤخّر” ففي الطلاق الغيابي في كثير من الأحيان لا تأخذ الزوجة هذا المهر، والمحكمة الشرعية أعطتها الحق في رفع دعوى “تحصيل مهر” لكن هذا لا يحل المشكلة لأنّ الزوج يستطيع بكافة الطرق والذرائع الالتفاف على هذه الدعوى، لذلك من الأفضل أن تحصل الزوجة على مهرها المؤخّر ثمّ يحصل الطلاق ، والشريعة الاسلامية عندما سمحت بالطلاق الغيابي فهي تفترض مسبقا أن يكون الزوج قد أعطى الزوجة مهرها، والشريعة الاسلامية لا تسمح للزوج أن يتجاهل المهر في ما لو أراد الطلاق، فالنص القرآني واضح في هذا الخصوص:”وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً كبيراً” سورة النساء : آية : 20 ”
واستبدال الزوجة يقتضي الطلاق، فلا يصحّ أن يأخذ مهرها مهما كان قليلاً.
والخلاصة أن ” الطلاق الغيابي” صحيح ، لكن بحيث أن يعطي الزوجة مهرها، لكن من الناحية العملية، حيث أن الزوج في هذه الأيام لا يعطي المهر في حال الطلاق، فلا بدّ من ملاحظة هذا الأمرفي ما لو أراد الزوج الطلاق، وهذا يحتاج إلى قانون خاص يمنع الزوج من الطلاق حتى يعطي المهر.
وقد لحظ القانون المدني أن الطلاق يحتاج إلى ذكر الأسباب الموجبة، وهذا أيضا من الناحية العملية أمر ضروري، لأنّ عدم وجود أسباب موجبة قد يكون هذا الطلاق تعسفياً، وقد يكون فيه ظلم للزوجة، نعم هو من الناحية الشرعية الطلاق صحيح، لكن يترتب عليه ما لا تحمد عقباه، لذا من الضروري ملاحظة هذا الأمر في المحاكم الشرعية، فلا يسمح بهذا النوع من الطلاق، من خلال وضع قانون واضح وملزم.
المشكلة الأهمّ في الطلاق، أنّ المشرع المدني لا يلحظ بعض الشروط التي لحظهتا الشريعة الاسلامية، فكلّ طلاق لا يكون مستوفياً للشروط يعتبر طلاقاً باطلاً، طبعاً ، هذا يختص بالمسلمين فقط، ولا يشمل غيرهم، لأنّ الشريعة الاسلامية، أقرّت كلّ معاملات الطلاق والزواج التي ينشئها غير المسلمين، وتعتبرها صحيحة.
والشروط التي لحظتها الشريعة الاسلامية هي التالية :
أن تكون الزوجة طاهرة من الدورة الشهرية، وأن لا يكون الزوج قد واقعها في هذا الطهر، لأنه إذا كان الزوج قد واقعها فلا يصح طلاقها، ولعل السبب أن تكون للزوجين فرصة أخرى للتفاهم حول أسباب الطلاق، وحل المشكلات في ما بينهما، لأن الطلاق في كثير من الأحيان نتيجة موقف انفعالي.
الشرط الآخر الذي تلحظه الشريعة الاسلامية، ولا يلحظه المشرّع المدني في قانون الزواج ، هو وجود شهود معروفين في استقامتهم الدينية عند من يريد النطق بصيغة الطلاق، وليسوا مجرّد شهود على طريقة كاتب العدل أو المختار. مع ملاحظة أن شرط الشهود هو في التشريع الاسلامي الشيعي .
“محكمة” – الأحد في 2019/2/24