مريام سكاف: رحم الله المجلس الدستوري بنى قراراته بالشكّ وعدم اليقين وإذ.. ربّما.. وقد!
قدّمت رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف قراءتها لقرارات المجلس الدستوري بردّ الطعون بنتائج الانتخابات النيابية والمقدّمة من لائحتها في دائرة زحلة.
وقالت سكاف في مؤتمر صحفي عقدته في منزلها في اليرزة: “دعونا الاعلام الى هذا المؤتمر كي نحتكم الى الرأي العام ومحكمة الشعب بعدما فقدنا اي امل بالمؤسسات الدستورية. نحن هنا لا لنشتكي ضد طعن او مقعد، بل على كل العملية الانتخابية وما سبقها ورافقها وتلاها من تجاوزات ضربت آخر المعاقل الديمقراطية والدستورية في هذا البلد.
رحم الله المجلس الدستوري كما دفن قبله المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، هذا المجلس الذي لم نره يجتمع مرة واحدة، لان شروط محاسبة الكبار تعجيزية. المجلس الاعلى تأسس في الاصل كي لا يحاسب أحد، فقط الدستوري هو الذي خيب مرة جديدة امل الجميع، فكلنا يذكر لمن قرر الدستوري سابقا ان يعود الى اصله السياسي، ويعلن اعضاؤه الولاء لاصحاب النعمة من المرجعيات، وفي نهار واحد تبخر الاعضاء وعاد كل منهم الى طائفته ومرجعيته ونظام ملته. هذا واقعنا، ولكننا مع ذلك أملنا ان يعود رجع الاعضاء الى ضمائرهم الحية لا المستترة وخصوصا قبيل إنهاء خدماتهم.
أتوجه اليوم الى اللبنانيين بالقول إن القرارات تصدر بإسمهم لأنّ الاحكام قضائياً هي: بإسم الشعب. ونحن كشعب نقول لا تتكلموا باسمنا وإلا تنتحلون صفتنا من دون أن توصلونا الى حقنا. هذا الكلام لسنا وحدنا من يقوله وانتم أيضا كأعضاء تعانون منه، فإذا كنتم انتم تشتكون، لمن نشتكي نحن؟ والاخطر ان رئيس الحكومة وكتلته النيابية يكشفون عن تدخل في عمل المجلس. ويقول بيان الكتلة حرفيا: “هناك خلفيات أقل ما يقال فيها انها سياسية وكيدية بامتياز، وان التدخل في عمل المجلس يشكل سقطة دستورية”. هذا الاتهام من رئيس حكومة ورغم ذلك المجلس الدستوري بقي بلا رد.
تحدثت الكتلة عن تدخلات سياسية واضحة وعن انقلاب واستخدام أرفع المواقع القضائية وسيلة لتصفية الحسابات السياسية وعن دخلاء على المجلس الدستوري. فهل من أحد تحرك في البلد؟ هل قال أحد ان هذا الكلام خطير وان كتلة يرأسها رئيس حكومة تطعن بنزاهة وشفافية المجلس الدستوري المفترضة؟ على من تقرع مزاميرك يا دستور.
مطالعة أنطوان مسرّة
هذا مع ان المجلس الدستوري قد مهد الطريق ليعود المستقبل ويربح المعركة في طرابلس، والحق يقول ان المقعد كان يجب أن يذهب الى صاحب الكسر الاعلى، انما لكن الحق العام الاعلى من كل هذه الامور هو ما يتعلق بالعملية الانتخابية ككل. نحن لا نخترع اتهامات فأعضاء المجلس نفسه طعنوا في هذا الامر. الاستاذ القانوني الدستوري أنطوان مسرة كان على قدر كبير من الجرأة ليكشف بمطالعة طويلة عما اسماه “شرعية مجمل انتخابات 6 ايار”، ويقول ان الانتخابات النيابية كلها مشكوك في صحتها. ويتحدث عن انتخابات بمعزل غير عازل، ومن دون هيئة إشراف فاعلة وقادرة على مراقبة الإنفاق والإعلام والإعلان، وقوائم انتخابية غير قانونية، وإدخال الاف اصوات الناخبين الجدد إلى القوائم المجمدة وأسماء لم تخضع للتصحيح ولا للتنقيح، وحين حاولت الجهة الطاعنة استخراج اللوائح من موقع وزارة الداخلية، سارعت الوزارة وسحبتها من موقعها.
اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على أساس 15 دائرة انتخابية يشكل مخالفة جوهرية تعرض العملية الانتخابية بمجملها الى الإبطال. وفي الوقت الذي ينص فيه القانون على عدم استغلال الوظيفة العامة والحفاظ على حيادية السلطة ضمت الحكومة ستة عشر وزيرا مرشحا بمن فيهم وزير الداخلية، فليخبرنا أحد ماذا يعني هذا؟ نحن لا نعرض رأيا شخصيا لمحلل سياسي، بل من يتحدث هو عضو مجلس دستوري وقع على الطعون. نحن نحيي الدكتور مسرة انما ليته أخبر زملاءه في المجلس الدستوري فرفضوا معا العملية الانتخابية لا أن يكتبوا مذكراتهن في مطالعات قانونية. ومسرة ليس وحده من اعترض، فكانت مطالعة لعضو المجلس الاستاذ زغلول عطية الذ أعلن عدم قناعته بسلامة عملية الفرز. ومع احترامنا الكامل لرأيكم يا اعضاء المجلس المعارضين، إلا أننا لم نر سوى تواقيعكم على الطعون، اعترضتم وعدتم فأيدتم. لمن ابرزتم المخالفات؟ كان واجبكم الذهاب باتجاه اعادة الانتخابات بكل الدوائر المشكوك بنزاهتها وعلى رأسها زحلة -أم المعارك- المخالفة للنص والقانون والدستور والنزاهة.
أعمال شغب
في الطعن المقدم من الكتلة الشعبية في زحلة، يؤكد المجلس الدستوري حصول اعمال شغب ويقول ان التحقيقات التي قام بها المجلس أثبتت “حصول تعد بالضرب على بعض انصار المستدعية صباح يوم الانتخاب وقبيل فتح اقلام الاقتراع”. المجلس الدستوري يشير الى ان “هذه الاعمال فيها اساءة الى سلامة المواطنين وامنهم واساءة ايضا الى الجو الهادىء الواجب توافره لكي يتمكن الناخبون من الاقتراع بحرية تامة بعيدا عن الارهاب والتهديد وبخاصة ان اسلوب ارهاب الناخبين باستخدام القوة عفى عليه الزمن ولم يعد له وجود الا في بعض الدول المتخلفة”. هذا ما قاله الدستوري، لقد اعتبرنا من الدول المتخلفة لكن ما استخلص؟ ان ما حدث لم يدم، كيف علمت؟ أي تحقيقات أجريتها؟ “لم يدم سوى لفترة زمنية محدود وقصيرة”. نحنا قمنا بواجبنا وأبلغناكم بأحداث العنف التي حصلت ضدنا والاوقات التي استغرقتها ولكن ماذا فعلتم يا حضرات السادة الدستوريين كي تثبتوا لنا انه لم يحصل شغب؟ أين وثقتم فترات الهدوء؟ هل كنتم معنا وعشتم ما عشناه وقمتم بعملية استقصاء؟
دقائق
ان الاشكالات دامت كل النهار وفي فوارق زمنية بالصور المعروضة، وفي الاساس الدستوري التبس عليه الزمن وأخطأ في الوقت لانه هو من يقول بحصول أحداث شغب “صباح يوم الانتخاب وقبل فتح اقلام الاقتراع”، أي أنه حصرها فقط بدقائق قبل فتح الصناديق كي يدعم حجة انه لم يكن هناك أي تأثير سلبي على عملية الاقتراع. التغطية الاعلامية كانت مكثفة ونحن من كان يتعرض للضرب، وتحدثنا عن ذلك عبر الاعلام بعد الظهر عندما تعرضنا للحصار والضغوط. بيقول الدستوري ان احداث الشغب لم تدم وعاد الهدوء، ولم يسجل اي حوادث تذكر. لنشاهد الفيديو ونؤكد للناس انه حصلت حوادث، وبالصور سنثبت ان عمليات الترهيب حصلت على مدار النهار وليس قبيل فتح الصناديق.
تأثير على الناخبين
يقول الدستوري ان ما حدث “قد يكون اثر سلبا على بعض الناخبين المؤيدين، وقد يكون شد من عزيمتهم من ناحية اخرى”. كيف لمجلس دستوري أن يتحدث بقد واذ وربما وحيثما؟ المفروض أن يكون المجلس الدستوري علميا ويبني قراراته وفق وقائع مستندة الى أدلة دامغة، فهل تحول هذا المجلس الى محلل يتوقع؟ صار يعمل وفق سياسة منجمين، محللين، مستطلعي رأي، قارئي كف، او بأرفع تقدير شركة احصاء واستطلاع رأي غير دقيقة؟ ثم ان التحليلات التي قدمها المجلس تستنتج مرة جديدة ان “الفارق كبير بين الاصوات التفضيلية”. كيف يتعرف ان هذه الضغوط قد أثرت على صوت واحد او صوتين او الف صوت؟ صوتنا نطالب به حتى لو كان واحدا.
القاضي فرنيني
القاضي جان فرنيني تم كف يده سابقا عن النظر بدعوى ضد السيد ميشال ضاهر بسبب العلاقة الشخصية التي تجمعهم والارتياب المشروع. وقد صعقنا قبل 3 ايام من الانتخابات باختيار هذا القاضي دون غيره ليكون رئيس لجنة القيد العليا في زحلة، مما ترك لدينا ارتيابا مشروعا حول الاسباب التي دفعت الى اختيار هذه الشخصية. وجاء الدستوري ليعترف اولا بأن القاضي فرنيني كان ضمن المهمة ويبرر بأنه كان في لجنة القيد العليا الاضافية وليس رئيسا بديلا من رئيس اللجنة الاساسية. أنا لا يهمني إذا كان رئيسا بالاضافية او بالاساسية، لان ذلك لا يقدم ولا يؤخر في جوهر الارتياب المشروع. يعترف المجلس الدستوري بتولي القاضي فرنيني رئاسة لجنة القيد العليا، وهذا الاساس بالنسبة إلينا. أي أن هناك شخصية قضائية بارزة موجودة الى جانب مرشح وتسهر على راحته.
تناقضات
نحن أمام مجلس دستوري يناقض نفسه بنفسه، يؤكد وجود المخالفة ويستنتج عكسها، يعترف بحصول تخط للظهور الاعلامي ويستنتج انه لا يؤثر على النتائج، يعترف بمخالفات شابت العملية الانتخابية لكن يطلب اثباتات دامغة المفروض أن يكون هو من يقدمها، يعترف بالترهيب لكنه غير قادر على التأكد، يتحدث عن اقلام اقتراع موضع شك ويقرر انه “ليس هناك ما يستدعي ابطال نيابات”، يكشف عن فارق بالاصوات ويقول انها اصوات لا يعول عليها وفارق لا يعول عليه لاعلان الفوز، يعترف بأنه نظام انتخابي جديد “لم يألفه اللبنانيون وعلى درجة كبيرة من التعقيد” ويقرر السير به.
لستم زعران
هل تعلمون أن المجلس الدستوري لديه صلاحيات قاضي التحقيق، كل شي متاح له إلا التوقيف، يستدعي الناس ويحقق معهم، يقوم الاستقصاء ويطلب مؤازرة، ولكن لا يحق له أن يشتكي ويخبرنا بأنه يعاني من التقشف ونقص الموظفين. اذا، لم يكن المجلس مضطرا للقبول بمهمات على مستوى اصوات الناس، فكيف يعدنا بأمر قبل الطعن ويتغير الأمر بعد الطعن؟ أنا أريد أن أكشف أسرارا، إذ لم تبق هناك مجالس وأمانات. لمن تقدم المحامي رشاد مدور بمراجعة الطعن، اجتمعنا مع الرئيس عصام سليمان وقلنا بكل صراحة وشفافية: انتم ليس لديكم زعران ولذلك لم تنتخبكم الناس. وجزم الرئيس سليمان بأنه سيحصل على كل الاقلام والظروف و”الاكيسات” غير المحتسبة من مخزنها قرب مصرف لبنان لانهم يتركونها لمدة 3 اشهر. 4 آلاف ورقة ملغاة بينها 1800 صوت لنا، وقد وعدنا القاضي سليمان بالتحقيق فيها، فأين أصبح هذا الوعد وهل أجرى التحقيق؟ كل ما قام به أنه أخذ خزعة او عينة بسيطة من الاقلام، فتبين أن هناك “محاضر يعتريها اخطاء مادية طفيفة لا تؤثر على النتائج”. هذا في حد ذاته بدعة دستورية، ماذا يعني بالاخطاء الطفيفة في الانتخابات؟ اذا كان الصوت عندكم لا يشكل فرقا، فعندنا يشكل فرقا. هذا استهتار بالناس وبأصواتهم.
تجاوزات
في جلسة حضرها المقرر القاضي انطوان خير شكونا من تجاوزات السلطة وحكينا عن مدعي عام بزحلة منيف بركات، هو أيضا يؤكد وجود هذه التجاوزات. يومها قال لنا القاضي خير ان ذلك هو “سوء استعمال للسلطة فما الذي يمكن أن نقوم به؟ هل استدعيتم القاضي بركات لسماعه؟ كل ما أكدتموه لنا أنكم أخدتم علما وخبرا ودونتم هذه الملاحظة في المحضر. هل من أحد استجاب لكم؟ في قلم اوتاوا أيضا، أقر الدستوري بالاخطاء الطفيفة. نحن نعتبر أن الخطأ خطأ، ما من خطأ طفيف أو خطأ جسيم، الاخطاء من شأنها ان تعيد فرز قلم بكامله انما الدستوري اختار الاسهل وأخبرنا ان المسألة لا تستحق. إذا كانت هذه المسألة لا تستحق فماذا فعلتم بالنسبة الى الرشاوي؟ لن نتكلم عن شراء 5000 صوت عدا ونقدا لصالح احد المرشحين، انما نريد الاشارة الى تقرير جمعية “لادي” تحت عنوان “عيني ع الديمقراطية.
لقد وثقت الجمعية في منطقة بر الياس في دائرة زحلة الانتخابية، وعد احد العاملين في الماكينة الانتخابية للمرشح ميشال الضاهر احد الناخبين بدفع مبلغ الف دولار للصوت الواحد لقاء التصويت له. هل توقفتم عند هذه الواقعة؟ أنتم نفسكم يا دستوري قلتم بالنص “قد يكون هناك رشوة مقنعة … ولكن لا يمكن لنا الجزم”. لن تتمكنوا من الجزم لانكم لم تقوموا بشيء بكل بساطة. إذا كنتم لا تريدون الاعتراف بأقوال صحف فهل أنكم لا تعترفون أيضا بأدلة الجمعيات المختصة بمراقبة نزاهة الانتخابات؟ مع العلم أن الصحف والاعلام اجتهد اكثر منكم في المجلس الدستوري، ففي الاعلام رأينا وضبطنا عمليات رشاوى خلال البث المباشر وفي نهار واحد، بينما أنتم استغرقتم 10 اشهر وخلصتم في النهاية الى أنه “بالشك وعدم اليقين واذ .. ربما وقد.
الانتخابات ليست تعدادا للاصوات فقط، انما هذا الامر له علاقة بمناخ الانتخابات وكيف نبقي على حرية الناخب مصانة. الطعون ليست فقط أوراقا ملغاة وتزويرا وتجاوزات، انما هي آخر الامال ببلد ديمقراطي، وأنتم قد أطلقتم رصاصة الرحمة.
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/2/26