القاضي جورج غانم من فرسان العدالة/منيف حمدان
بقلم المحامي الدكتور منيف حمدان*:
فرسانُ البدع في كلّ مجال!
أيها السبّاقون في الوفاء والعطاء
على مرّ الزمان
يشرفني أن أقف معكم وبينكم لأقول:
لقد كُتبَ لي اليوم
شرف المشاركة
في تكريم القاضي الشهم
الرئيس المرحوم جورج غانم
فجئت من بلدتي الكفير
الرابضة المؤمنة
عند سفح الجبل المقدس حرمون(2)
عبر بلدتي الثانية بيت مري(3)
قاصداً مدينة بسكنتا العظيمة
لأشاركَ عائلةَ المكرّم وصحبَه
والمحبين المقدرين
فرحة الإحتفال
ودلالة التكريم
***
نعم
جئتُ من بلدتي الكفير
المسماة «المغتسلة» و«الممسوحة»(4)
بلدة فارس الخوري
وأميلي نصرالله
ونك رحال
وجيمس أبو رزق
في رحلة حج ووفاء
إلى حورية صنين بسكنتا
كعبة الأدب والأدباء
والشعر والشعراء
والعدالة والقضاء
والطب والأطباء
و«غلواء» المحاماة(5)
وفرسانها النجباء
وأندلس الشرق
في الأبهة والعطاء
ولسان حالي يقول
مع الشاعر المعلّم
عبدالله غانم:
***
«أنا من لبنان
«من جار السماء
«من بحور الشعر
«من وزن الغناء
«من بهاء… من صفاء… من رجاء».
***
وكُتب لي قبل اليوم:
أن أعرف القاضي المكرّم
الرئيس الفذّ جورج غانم
يوم كنتُ وكان
بين فرسان ربة العدالة «Thémis»
فاغتنيتُ، بعلمه الجم
وروعةِ رفعه
ميزانَ العدل في يسراه
وهيبةِ إشهاره
سيفَ الحق في يمناه
وحرصهِ الدائم
على التوقف في الشبهات
وحيادهِ التام بين الخصوم
وشجاعته عند اتضاح الحكم
***
فصاحبُ الحق عند صديقي
وحده سلطان السلاطين
حتى لو كان فقيراً معدماً
أو مقطوعاً من شجرة دِفلى
قرب جدول ماء صغير
وحتى لو كان خصمه
من أعظم الملوك والأباطرة
غنىً وبأساً وجاهاً عريضاً
فطارت شهرة صديقي
على مساحة الوطن
وتغنّى أصحاب الحق بعدالته
***
وكتب لي مرّةً ثالثة:
أن يكون مكتبي
مجاوراً لمكتب صديقي
في قصر عدل بيروت
يوم كنّا محاميين عامّين
مع الزميلين الكبيرين
زاهي كنعان وفوزي داغر
برئاسة النائبين العامين الإستئنافيين
تتابعاً:
الرئيس العَلَم ديب درويش
والرئيس العَلَم منيف عويدات
فعرفته عن كثب
وخبرته صديقاً
من أوفى الأصدقاء
وزميلاً كريماً
من أعزّ الزملاء
***
وعرفته
محدثاً لبقاً وقوراً
لم يستغب أحداً في حياته
حتى لو كان على خلاف معه
ولم يتلفّظ بكلمة نابية أبداً
فذكّرنا نبلُهُ
بنبل الأمير فخر الدين الثاني
وعفّة لسانه
وترفعه عن الصغائر
وعن لفظ أو سماع
أية كلمة فاحشة
من فاحشات الكلام
مهما كانت صغيرة (6)
***
وتأكدت مرة بعد مرّة
أن صديقي كان يفرٌق
بين مركزه مهما علا
وبين رسالةِ إحقاق الحق
الخالدة خلود الأرز
وأبجدية جبيل
وأمّ الشرائع بيروت
وعامية إنطلياس(7)
فيحبس الأولَ
في صومعة الوقار
ويبقي على الثانية
متلألئةً مشرقة
في كل تصرفاته
***
وعرفتُ أنه كان
في عفته وعزّة نفسه
من أغنى الأثرياء في العالم
فلا يرى في الأموال المكدّسة
وإن ذهباً خالصاً
أو جواهرَ نادرة
مثل جواهر الأباطرة
والسلاطين والملوك
إلاّ ذرةً من غبار
في حصير ممزّق تحت قدميه
أو فوق دولاب سيارته الكهلة
ابنة عم سيارتي وجارتها
في موقف سيارات القضاة
والتي تغنّى بها وبهِ
عشاق العدالة
وأشراف الناس
***
ولأنه كذلك
كانت فرادتهُ في القضاء
من النيابة العامة في بيروت
إلى قضاء التحقيق العسكري
فمحكمة التمييز الجزائية
علامتَه الفارقة
ونبعَ المناقب الشُّم الماجدات
المتدفق، في أحلى الظروف،
وفي أعتى عواتيها
مواقف َومطالعات
وقراراتٍ ظنية
وأحكاماً نهائية
كان يشارك في صياغتها
ويحتكر كتابتها بخطه الرائع
الشبيه بخط الخطّاطين الماهرين
***
فأغنى عائلته الصغرى
وعائلة آل غانم في كل مكان
وأغنى بلدته وزملاءَه وأصدقاءه
وسلطة الضمير
التي استبسل في سبيلها كثيرا
فاعتزت بهِ
وأفردت لهُ
في سجلاّتها ومدوّناتها
مكاناً مميزاً
بين القضاة الخالدين
في لبنان وخارج لبنان
عبر العصور والدهور
***
ولا أنشر سرّاً!
إذا قلتُ ورددتُ:
إنّي بلغتُ السّمهى(8)
فوق جبل قاف الأسطوري(9)
عندما طلب إليّ
حضرة الرئيس الأول الأسبق
لمحكمة التمييز ومجلس القضاء الأعلى
الدكتور الصديق غالب غانم
أن أكون مشاركاً
في حفل تكريم صديقنا المشترك
الرئيس جورج غانم
***
وزادت فرحتي
فور معرفتي
بهذا الحفل العظيم
بوجوهه المشرقة
وشخصياته المميزة
وقاماته العالية
من المكرَّم وعائلته
إلى المكرِّمين والمتكلمين
والحاضرين المقدرين
فعريفةِ الاحتفال
الإعلامية المميزة
في تلفزيون الجديد
الأستاذة سمر أبو خليل
***
وتضاعفت فرحتي أيضاً
عندما قرأت
في وسيلة إعلامية
نقلاً عن مجلة «محكمة» الموقرة
وصفاً للحديقة الساحرة
بتمثالها، وجمالها، وتنظيمها، وأشجارها
ومقاعدها التي تحمل أسماء نخبة
من عظمائنا المبدعين
والتي تكلّلت باسم صديقي
القاضي الرئيس جورج غانم
***
وصعدت جبل قاف الأسطوري
مرّةً جديدة
وبلغتُ ذات السّمهى
عندما تصورت
أني التقيت وجهاً لوجه
بالشخص الذي تبرّع
بإنشاء هذه الحديقة العظيمة
الدكتور الشهم الوفي عصمت غانم
ابن شقيقة صديقنا المكرّم
الرئيس جورج غانم
فوجدته شخصية مميزة
ومحاطاً بهالة من المهابة
تفرض الإحترام والتقدير
***
عشتم
وعاشت حورية صنين
بسكنتا العز والشموخ
والعطاء المميز والوفاء
وعاشت المورِّثات الجينية
البسكنتاوية والغانمية
وعاش لبنان
سيداً حرّاً مستقلاً
وعالي الجبين منذ الأزل
وحتى نهاية كل الدهور
***
*ألقيت هذه الكلمة في افتتاح حديقة القاضي جورج غانم الثقافية في مسقط رأسه بسكنتا، بمبادرة من لجنة إحياء ذكرى القاضي جورج غانم، وألقيت كلمات لكلّ من: وزيرالسياحة اواديس كيدانيان، رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق القاضي الدكتور غالب غانم، وزير الثقافة محمّد داود ممثلاً رئىس مجلس النواب نبيه بري، وزير العدل الدكتور البير سرحان والدكتور عصمت غانم.
المراجع :
2 -ورد في كتاب: «حرمون من آدم إلى المسيح»، لمؤلفه د. نبيل أبو نقوّل من كوكبا ص: (38): «لقد قدّس المسيح جبل حرمون بمجيئه إليه أكثر من مرّة، وكان أبرزها يوم تجلّى فوق أعلى قممه… ويوم وصل يسوع مع تلاميذه إلى نواحي قيصرية فيليبس، عند أقدام جبل حرمون، اختار من بينهم ثلاثة كي يشهدوا مجده. وهؤلاء هم بطرس ويعقوب ويوحنّا. وانفرد بهم، على جبل عال، وتجلّى بمشهد منهم، فأشرق وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. «لم تذكر الأناجيل اسم الجبل، الذي تجلى فوقه المسيح، لكن الإنجيليين متى ومرقس ولوقا وصفوه بأنه جبل عالٍ… وهذا الوصف يعني جبل حرمون وحده لأن إرتفاعه هو 2814 متراً. أمّا جبل طابور فارتفاعه لا يتعدى الـ 562 متراً».
3 -أقمت فيها حوالي الثلاثين عاماً صيفاً شتاءً. ولمّا استقلت من القضاء في العام 1992، ودخلت معبد ربة المحاماة «غلوائيس»، عدت بعد عشر سنوات، إلى بيت مري… من كثرة تعلّقي بها، وبدأت أقضي فصل الصيف فيها.
4 – ورد في كتاب «معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية»، لمؤلفه الأستاذ أنيس فريحة: الكفير تصغير عربي للفظ كفرا «Kafra»، أي القرية الصغيرة، وهناك إمكانية أن يكون الاسم اسم مفعول من جذْر كْفار السامي المشترك الذي من معانيه الغسْل والمسْح والتغطية فيصبح معنى الكفير(المغسولة، الممسوحة، المغطاة). وورد إسم الكفير في التوراة: يشوع 9: 17.
وقد يصبح لمعنى «المغسولة» و«الممسوحة»، المذكورتين في الهامش رقم(3) أعلاه، معنى عظيم إذا عرفنا أن الدكتور نبيل أبو نقّول قال في الصفحة (18) من كتابه «حرمون من آدم إلى المسيح»، المشار إليه في الهامش رقم (1) أعلاه: أن السيد المسيح زار بلدة كوكبا – قضاء حاصبيا اليوم – وزار أقارب السيدة مريم العذراء في بلدة «بيت لهيا» الواقعة اليوم في قضاء راشيا، علماً أن بلدتي الكفير تقع على الطريق ذاتها الممتدة من كوكبا إلى بيت لهيا، مروراً بحاصبيا ـ ميمس ـ الكفير- عين عطا- بيت لهيا. وهذه الواقعة تحملنا على الاعتقاد، أن السيد المسيح مرّ في بلدتي الكفير، فباركها بالماء والزيت… ولهذا أُطلق عليها لقب «المغسولة» ولقب «الممسوحة»، نسبة إلى مباركة السيد المسيح.
5 – «غلواء المحاماة» هو تعبير ابتدعه صاحب هذه الكلمة الدكتور منيف حمدان، بعد انتقاله من القضاء إلى المحاماة، ليكون لرسالة المحاماة ربّة تشبه ربة العدالة «Thémis»، في اللفظ والأبهة والجرْس. ولهذا وقع اختياره على كلمة «غلواء» التي استعملها الشاعر الياس أبو شبكة عنواناً لديوانه الشعري، «غلواء» فاستعرتها منه، وأضفت إليها حرف الياء، وحرف السين، ليصبح لفظها «غلوائيس»، قريباً للفظ «Thémis».
-6 كتاب الخوري بولس قرألي بعنوان: فخر الدين المعني الثاني، حاكم لبنان ص: 72 طبعة 1992 دار لحد خاطر
7 – ورد حرفياً في إعلان عامية إنطلياس تاريخ 7/5/1840:
«الداعي لتحريره
«أنه يوم تاريخه، قد حضرنا إلى مار الياس إنطلياس، نحن المذكورة أسماؤنا بوجه العموم من دروز ونصارى ومتاولة وإسلام، المعروفين بجبل لبنان، في كافة القرى، وأقسمنا اليمين، على مذبح القديس المرقوم، بأننا لا نخون، ولا نطابق بضرر أحد منّا كائناً من يكون القول واحد، والرأي واحد، ونحن جمهور الدروز، إذا حدث منّا أدنى خلل، نكون بارئين منه في ديانتنا، ومقطوعين من شريعة الدروز والحدود الخمسة، وتكون نساؤنا طالقة في السبعة مذاهب، ومحرمة علينا، من كافة الوجوه، وأيضاً يشهد علينا القديس مار الياس، ويكون خصمنا. وقد أقمنا علينا شيخاً جناب الشيخ فرنسيس بن جناب الشيح حنّا هيكل الخازن من غوسطة، ونحن جمهور النصارى، الذي يخون منّا يكون مار الياس خصمه، ولا يكون له موته على دين المسيح، حرر في 8 ربيع الثاني 1256».
المقرّ بما فيه، جمهور الدروز في جبل لبنان ونصارى ومتوالة وإسلام بوجه العموم المدونة أسماؤهم أعلاه، قد حضروا وأقسموا اليمين على مذبح القديس مار الياس حسب ما هو محرر أعلاه حرفياً.
وللبيان حررنا بيدنا هذه الشهادة تحديداً في 7 حزيران 1840.
كاتبة القس اسبيريدون عرموني خادم مار الياس إنطلياس.
8 – السّمهى ـ الهواء بين السماء والأرض
9 -إن جبل «قاف» الأسطوري جبل عظيم يحيط بالأرض، وورد في كتاب «عرائس المجالس» للثعالبي، أن عبدالله بن سلام سأل رسول الله، عن أعلى جبال الأرض، فأجابه: إنه جبل «قاف» وإنه مخلوق من زمرّد أخضر.
“محكمة” – الأحد في 2019/9/15