سقوط الوصية بمرور الزمن/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
اعتبرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الغرفة الثالثة المؤلّفة من القاضيات الرئيسة جانيت حنا والمستشارتين ندين جرمانوس وهالة نجا، أنّ الموصى له الذي لا يقبل صراحة أو دلالة الوصية سحابة أكثر من عشر سنوات، يسقط حقّه بقبولها، وبالتالي يطلب تنفيذها.
كما اعتبرت المحكمة أنّه في غياب صفة الوضوح عن حيازة المستأنف للحصص العقارية الموصى لها. لا يكون وضع يده على هذه الحصص كافياً كسبب لقطع مرور الزمن على تنفيذ الوصية.
وقضت بتصديق الحكم المستأنف الذي اعتبر أنّ الوصية ساقطة بمرور الزمن.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2015/5/14:
حيث إنّ الجهة المستأنفة تطلب فسخ الحكم المستأنف واعطاء القرار مجدّداً بردّ الاعتراض على تنفيذ الوصية، وهي تدلي بأنّ الوصية لا تسقط بمرور الزمن لأنّ المادة 75 من قانون الارث لغير المحمّديين نصّت حصراً على حالات بطلان الوصية ولم تذكر من بينها مرور الزمن، ولأنّ قاعدة اكتساب الملكية بالارث المنصوص عنها في المادة 204 من قانون الملكية العقارية تشمل أيضاً اكتساب الملكية بالوصية، ولأنّ الحكم الذي يعطي الوصية الصيغة التنفيذية لا يسقط بمرور الزمن ولأنّ لا فرق بين الانذار بالتنفيذ بعد البتّ باالاعتراض وبين القرار بالتنفيذ ولأنّ حيازة المستأنف للأموال الموصى بها يفيد عن رضوخ المستأنف عليهما للوصية ولأنّ القول بسقوط الوصية بمرور الزمن دون إسقاط الحقّ بالاعتراض عليها يشكّل مخالفة لمبدأ المساواة أمام أحكام القانون.
وحيث إنّ المستأنف عليهما تطلبان من جهتهما ردّ الاستئناف وتصديق الحكم المستأنف الذي انتهى إلى إعلان سقوط الوصية موضوع الدعوى بمرور الزمن.
وحيث إنّ مرور الزمن يشكّل سبباً لسقوط الموجب وفقاً لما يستدلّ من عبارات المادة 344 م.ع. التي تنصّ على أنّ الموجبات تسقط بتقاعس الدائن الذي يتخلّف عن التذرّع بحقوقه سحابة مدّة من الزمن.
وحيث، وإنْ تكلّمت هذه المادة عن سقوط الموجب فقط، وإنّ كان الموجب هو نقيض الحقّ، إلاّ أنّ كليهما وجهان مختلفان لموضوع واحد، إذ إنّ كلّ موجب يقابله حقّ وإنّ سبب إسقاط الموجب هو تقاعس الدائن عن المطالبة بحقّه، فالموجب والحقّ يسقطان الواحد تبعاً للآخر، وهذا ما أكّده المشترع بموجب المادة 361 م.ع. عندما نصّ على سقوط حقّ الدائن في إقامة الدعوى وسقوط الموجب معاً.
وحيث إنّ الموجبات التي تسقط بمرور الزمن والمشار إليها في المادة 344 م.ع. هي بالتأكيد جميع الموجبات المنصوص عنها في المادة 119م.ع. ومنها الأعمال القانونية التي تدخل الوصية في عدادها.
وحيث يستفاد ممّا تقدّم أنّ الموصى له الذي لا يقبل صراحةً أو دلالةً الوصية سحابة أكثر من عشر سنوات يسقط حقّه بقبولها وبالتالي يطلب تنفيذها،
وحيث لا يردّ على ذلك بأنّ الوصية لا تخضع لقاعدة السقوط بمرور الزمن لعدم ذكرها في المادة 75 من قانون الارث لغير المحمّديين، لأنّ هذه المادة تتعلّق بحالات بطلان الوصية وليس بأسباب سقوطها، ولأنّ أحكام بطلان الوصية لا تتعارض في أيّ حال مع قاعدة مرور الزمن المبني على العدول عن المطالبة بالحقّ.
وحيث إنّه ليس في أحكام قانون الإرث لغير المحمّديين ما يمنع إخضاع الوصية لقاعدة السقوط بمرور الزمن المنصوص عنها في القانون العام.
وحيث إنّ أحكام المادة 204 من قانون الملكية العقارية لا تشكّل بدورها سبباً لعدم اخضاع الوصية لقاعدة السقوط بمرور الزمن لأنّ المادة المذكورة التي نصّت على مبدأ اكتساب الحقوق العينية وانتقالها بقيدها في السجّل العقاري، لم تستثن من هذا المبدأ سوى حالة اكتساب العقار بالارث أو بنزع الملكية أو بحكم، وهي لم تأت على ذكر الوصية من ضمن الاستثناءات، علماً أنّ الإرث، وهو واقعة قانونية تنشأ عن واقعة مادية هي وفاة المورث، يختلف عن الوصية التي تشكّل عملاً قانونياً صادراً عن إرادة الموصي.
وحيث إذا كان الحكم الذي يقضي بإعطاء الصيغة التنفيذية للوصية لا يقبل السقوط بمرور الزمن، فإنّه لم يتبيّن من أوراق الدعوى الحاضرة أنّه سبق أن أعطي القرار بتنفيذ الوصية موضوعها، بل يستدلّ من الأوراق المبرزة انه بتاريخ 1986/1/20 تقرّر إرسال إنذار للمنفّذ عليهم بطلب تنفيذ الوصية كما تقرّر بتاريخ 1999/3/12، إرسال الانذار التنفيذي بالقرار الصادر بنتيجة الاعتراض على التنفيذ.
وحيث إنّ القرار بإبلاغ الانذار التنفيذي بطلب تنفيذ الوصية لا يشكّل في مضمونه قراراً بتنفيذ الوصية، كما أنّ قرار إبلاغ الانذار التنفيذي بالقرار الصادر بنتيجة الاعتراض على التنفيذ لا يشكّل بدوره تنفيذاً للوصية، فيكون تمسك المستأنفين بقراري ابلاغ الانذار التنفيذي كأساس للقول باكتمال تنفيذ الوصية وانتفاء أسباب سقوطها مردوداً.
وحيث إذا كان قيام الموصى له بوضع اليد على العقارات الموصى بها وباستغلالها وإدارتها دون معارضة من باقي الورثة يدلّ على القبول بالوصية، إلاّ أنّ الأمر يختلف متى اعترض بعض الورثة على وضع اليد وكان الموصى له وريثاً للموصى وكانت الأموال الموصى بها عبارة عن حصص شائعة في العقارات الموضوع اليد عليها بحيث لا يعرف في هذه الحالة ما إذا كان وضع اليد حاصلاً على سبيل قبول الوصية أم على سبيل إدارة المالك كوارث لحسابه وحساب باقي الورثة، فتكون الحيازة في هذه الحالة ملتبسة وغير كافية للدلالة على القبول بالوصية وعلى رضوخ باقي ورثة الموصى لها.
وحيث بالعودة إلى وقائع الدعوى، يتبيّن أنّ الموصى له بموجب الوصية موضوع النزاع هو وريث للموصي وأنّ الوصية نصّت على إعطائه نصف التركة من أموال منقولة وغير منقولة.
وحيث تبيّن من جهة أخرى أنّ الموصى له، الذي وضع يده على كامل عقارات التركة، أعلن في كتابه تاريخ 2013/5/22 عن رغبته بأن يتحمّل جميع مالكي العقارات مقدار حصّة كلّ منهم في الأعباء المادية التي تتطلبها المحافظة على هذه العقارات.
وحيث، وفي ضوء موقف الموصى له المبيّن في كتاب 2013/5/22، وفي ضوء صفته كوارث للموصي وعدم شمول الوصية كامل العقارات الموضوعة اليد عليها، يكون وضع اليد ملتبساً وغامضا لأنّه لا يعرف ما إذا كان حاصلاً لحساب واضع اليد كموصى له أم لحسابه كوريث مع باقي الورثة وبالنيابة عنهم.
وحيث إنّه في غياب صفة الوضوح عن حيازة المستأنف عصام للحصص العقارية الموصى بها لا يكون وضع يده على هذه الحصص كافياً كسبب لقطع مرور الزمن على طلب تنفيذ الوصية.
وحيث إنّ الجهة المستأنفة لم تقدّم ما يثبت أنّها طالبت بتنفيذ الوصية طيلة المدّة الممتدة من تاريخ قرار إرسال الإنذار في 1999/3/12 ولغاية 2012/1/12 تاريخ تقديم طلب التنفيذ موضوع الاعتراض الذي اقترن بالحكم المستأنف.
وحيث إنّ المدّة الممتدة من تاريخ إرسال الإنذار التنفيذي في 1999/3/12 لغاية تاريخ تقديم المعاملة التنفيذية موضوع الاعتراض الذي اقترن بالحكم المستأنف تفوق العشر سنوات، فيكون طلب التنفيذ مقدّماً بعد اكتمال مدّة مرور الزمن المحدّدة بعشر سنوات وفقاً للمادة 349 م.ع.
وحيث إذا كان امتناع المستأنف عليهما عن الطعن بالقرار الاستئنافي تاريخ 1997/2/19، يفيد الرضوخ للقرار المذكور، إلاّ أنّ هذا الموقف لا يكفي كدليل على رضوخهما للوصية بعد أن امتنع الموصى له عن متابعة طلب تنفيذها لمدّة تزيد عن العشر سنوات دون انقطاع.
وحيث، وفي ضوء عدم بلوغ حصّة المستأنف عليهما الارثية النصاب المطلوب للقيام بأعمال إدارة العقارات موضوع النزاع ما ينفي الجدوى من طلب رفع يد الشريك الآخر عنها، لا يكون سكوتهما عن قيام المستأنف بوضع يده على العقارات المذكورة دليلاً كافياً على رضوخهما للوصية لأنّ الرضوخ يجب إثباته بأفعال واضحة وصريحة تدلّ على نيّة صاحبها بقبول الموقف المنسوب له، الأمر غير المتوفّر في الحالة الحاضرة.
وحيث في غياب الدليل على رضوخ المستأنف عليهما للوصية لا يكون هناك من محلّ للقول بانقطاع مهلة مرور الزمن باعتراف المدين.
وحيث إذا كان مبدأ المساواة أمام القانون يستوجب إخضاع حقّ الاعتراض على الوصية لقاعدة مرور الزمن تماماً كحقّ طلب تنفيذ الوصية، فإنّ مدّة مرور الزمن على الاعتراض على التنفيذ لا تبدأ بالسريان إلاّ من تاريخ المباشرة بالمعاملة التنفيذية وليس قبل ذلك.
وحيث إنّ المستأنف عليهما مارسا حقّهما بالاعتراض على التنفيذ ضمن المهلة المتاحة قانوناً فيكون كلام المستأنفين عن مخالفة مبدأ المساواة مردوداً.
وحيث إنّ النتيجة التي انتهى إليها الحكم المستأنف باعتباره الوصية ساقطة بمرور الزمن تكون من ثم سليمة قانوناً والأسباب المخالفة مردودة.
وحيث إنّه لم يعد من محلّ للتوقّف عند باقي ما أثير من أسباب ومطالب، إمّا لأنّها لقيت ردّاً ضمنياً في سياق التعليل، وإمّا لعدم الفائدة فاقتضى إهمالها.
وحيث إنّه يقتضي أخيراً ردّ طلب العطل والضرر عن المحاكمة لعدم توافر الأسباب.
لذلك
تقرّر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف في الشكل
2- تضمين المستأنفين الرسوم والمصاريف ومصادرة التأمين الاستئنافي إيراداً للخزينة العامة.
3- ردّ ما زاد أو خالف من طلبات بما فيها طلب العطل والضرر عن المحاكمة.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2015/5/14.
“محكمة”- الثلاثاء في 2020/1/21