المحامي ناضر كسبار:
في قرار مهمّ ومعلّل صادر عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الغرفة الحادية عشرة، والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، وممثّلي مجلس نقابة المحامين في بيروت الأستاذين إيلي حشّاش وإيلي بازرلي.
إعتبرت المحكمة أنّه على المحامي أن يبقى متمتّعاً بسيرة توحي الثقة والاحترام، وأن يتقيّد في أعماله بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة. وأنّ المستأنف قد أوكل من أجل إتمام عملية نقل ملكية سيّارتين وقبض أتعابه ولم ينجز المعاملة.
وقد علّلت المحكمة قرارها بشكل مدروس، وقضت بتصديق قرار المجلس التأديبي الذي قضى بإدانة المستأنف ومنعه من مزاولة المهنة لمدّة تسعة أشهر.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/11/14:
في الأساس:
وحيث إنّ المستأنف يطعن بالقرار المستأنف الصادر عن المجلس التأديبي للمحامين، الذي قضى بإدانته بموجب المواد 10 و 80 و 99 من قانون تنظيم مهنة المحاماة والمادتين 4 و 91 من النظام الداخلي للنقابة ومنعه من مزاولة مهنة المحاماة لمدّة تسعة أشهر من تاريخ تبلّغه القرار.
وحيث إنّ مهنة المحاماة تهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق (م1 محاماة) وتشترط أن يكون المحامي متمتّعاً بسيرة توحي الثقة والاحترام (م5) وأن يقوم بالأعمال بأمانة وأن يحافظ على آداب المهنة وتقاليدها وأن يتقيّد بقوانينها وأنظمتها…وأن يتصرّف في جميع أعماله تصرّفاً يوحي الثقة والاحترام (م10) وأن يتقيّد بجميع أعماله بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة التي يفرضها عليه القانون وأنظمة المحاماة وتقاليدها (م80) بحيث يتعرّض كلّ محام يخلّ بواجبات مهنته المعيّنة في هذا القانون أو يقدّم أثناء مزاولته المهنة أو خارجاً عنها، على عمل يحطّ من قدرها أو يسلك مسلكاً لا يأتلف وكرامتها المحدّدة قانوناً (م99)
وحيث من ناحية أخرى، فإنّ عدم اقتران طلبات الملاحقة الجزائية المعدّدة في القرار المستأنف بأيّة قرارات جزائية، إنّما لا يحول من حيث المبدأ من مساءلته مسلكياً كون موضوع الملاحقة الراهنة هو تأديبي مسند إلى مخالفة أحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة وليس جزائياً مسنداً إلى قانون العقوبات، ولاستقلال الملاحقة التأديبية عن الملاحقة الجزائية.
وحيث إنّ رسالة العدالة لا تتحقّق إلاّ بسلوكية معيّنة إيجابية الطابع، إذ يعتبر المحامي من نخبة المجتمع ومن حماة القانون، وتبعاً لذلك يتعيّن عليه أن يتمتّع بحسن الآداب وطيب السمعة في كلّ الأعمال ويفترض عليه أن يسلك الطرق والوسائل القانونية في كافة الظروف، بحيث إنّه إذا أخلّ بتلك المبادئ سواء في معرض ممارسة المهنة أو خارجها تعرّض للمساءلة المسلكية.
وحيث إنّه بالعودة إلى أوراق الملف ومعطيات القضية والوقائع المثبتة في القرار المستأنف يتبيّن ما يلي:
– أنّ المستأنف قد اوكل من قبل السيد ج. د. بإتمام عملية نقل ملكية سيارتين على اسم الموكل بعد ان انتقلت ملكيتها اليه بالارث، كما قام الموكل بتسليم المستأنف مبلغ مليوني ليرة لبنانية ودفتري السيّارتين لإنجاز المعاملة.
– أنّ المستأنف لم يقم بإنجاز معاملة نقل ملكية السيّارتين على اسم موكّله، رغم مراجعة الموكّل للمستأنف مراراً بذلك.
– أنّه بعد انقضاء أكثر من سنة، تقدّم الموكل بشكوى امام نقابة المحامين في بيروت بوجه المستأنف بسبب عدم القيام بما كلف به المستأنف من قبل موكّله.
– أنّ المستأنف أوضح أمام المحامي المكلّف من نقيب المحامين للتحقيق بالشكوى الآنفة الذكر بأنّه لم يستلم دفتري السيّارتين من موكّله، ووعد المحقّق بإنهاء معاملة نقل الملكية في مدّة أقصاها أسبوعان من تاريخ استماعه في 2015/3/24(وفق مضمون قرار إحالة المستأنف أمّا المجلس التأديبي المؤرّخ في 2015/8/19).
– أنّ المستأنف بعد استمهاله تكراراً أمام المجلس التأديبي للمحامين، أدلى بأنّه تواصل مع الشاكي وتفاهم معه على أن ينظّم له إيصالاً بتسلّمه لدفتري السيّارتين مع تعهّد بإنهاء المعاملة ضمن مهلة عشرة أيّام، وعاد وأدلى أمام المجلس التأديبي بأنّه تسلّم دفتري السيّارتين من موكّله بتاريخ 2016/2/1.
– أنّ المجلس التأديبي للمحامين أصدر قراره المستأنف بتاريخ 2016/3/2 دون ثبوت أنّ المستأنف قام بإنهاء المعاملة التي كلّف بها من موكّله الشاكي.
– أنّ المستأنف أدلى بأنّه قام بإنهاء ما كلّف به من قبل الشاكي بتاريخ 2016/8/10 وفق صورة دفتر السيّارة المرفق بالاستئناف أيّ بعد صدور القرار المستأنف وقبل تقديم الاستئناف الراهن.
وحيث إنّه يتبيّن من التحقيقات المجراة من قبل المحقّق في قرار إحالة المستأنف أمام المجلس التأديبي المرفق بلائحة المستأنف عليها، ومن مضمون القرار المستأنف، أنّ المستأنف قد تسلّم من موكّله مبلغ مليوني ليرة لبنانية ودفتري سيّارتين لنقل ملكيتهما على اسم موكّله، ولم يفعل ذلك لأكثر من سنة وحتّى لما بعد صدور قرار المجلس التأديبي بحقّه بسبب الفعل المذكور نتيجة الشكوى بحقّه لعدم إنهاء ما كلّف به لهذه الجهة، ولا يمكن الركون لما أدلى به المستأنف من أنّه تسلّم دفتري السيّارتين بتاريخ 2016/2/1 لعدم الثبوت ولتعارض ذلك مع ما أدلى به الشاكي في شكواه ولتعارضه كذلك مع منطق الأمور الذي يستدلّ عليه من تسلّم المستأنف للمال لإنهاء معاملة نقل الملكية عند تكليفه بذلك وتبعاً لذلك تسلّمه لدفتري السيّارتين بالتاريخ نفسه، مع الإشارة إلى أنّه لم يثبت في الملفّ أنّ المستأنف سبق له قبل التقدّم بالشكوى بحقّه أن طلب تسليمه دفتري السيّارتين من موكّله رسمياً لإثبات تقاعس هذا الأخير.
وحيث إنّه لم يثبت أنّ ما أدلى به المستأنف من إصابته ببعض الأمراض وفق صورة التقرير الطبّي المؤرّخ في 2018/10/10 كان السبب في تأخّره عن القيام بإنهاء ما كلّف به من الشاكي ضمن مهلة معقولة، لاسيّما وأنّ المستأنف أدلى بأنّ لديه موكّلين بالمئات ولم يثبت أنّه تأخّر بتنفيذ ما كلّف به منهم بسبب مرضه المدلى به.
وحيث إنّه من الواضح ممّا تقدّم، أنّ المستأنف قد ماطل وتأخّر دون ثبوت عذر مشروع بإنهاء ما كلّف به من قبل الشاكي، وأنّ التأخير المذكور استمرّ حتّى تاريخ لاحق للتقدّم بالشكوى بحقّه ولما بعد صدور القرار التأديبي الراهن بحقّه، ما يعتبر إخلالاً فاضحاً برسالته كمحامٍ، الأمر الذي لا يأتلف مع المبادئ والقيم التي تفترضها مهنة المحاماة ويستدعي بالتالي مساءلته على أساسه.
وحيث إنّه على صعيد آخر تبيّن من ملفّ المستأنف المهني وجود عدّة أذونات ملاحقة بوجهه وعدّة شكاوى بحقّه، ما يفيد أنّ للمستأنف مشاكل متعدّدة تتعلّق بسلوكياته كمحام.
وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم، وبالنظر لسلّم العقوبات التأديبية المنصوص عنها في المداة 99 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، ترى المحكمة في العقوبة الملقاة من قبل المجلس التأديبي للمحامين في القرار المستأنف أنّها متناسبة مع المخالفة المرتكبة من المستأنف.
وحيث إنّه تبعاً لذلك، يقتضي ردّ الاستئناف أساساً وتصديق القرار المستأنف.
وحيث بنتيجة الحلّ المساق، تغدو سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة، بما فيها طلب وقف التنفيذ، مستوجبة الردّ إمّا لكونها لاقت ردّاً ضمنياً أو لعدم تأثيرها على النزاع.
لذلك
تقرّر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً
2- ردّه أساساً وتصديق القرار المستأنف
3- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة
4- مصادرة التأمين الاستئنافي، وتضمين المستأنف الرسوم والنفقات القانونية.
قرارا ًصدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/11/14
“محكمة” – الإثنين في 2020/2/3