محكمة التمييز تفصل: قرارات “التريّث وقتياً” تدابير قضائية خاصة لا تخضع للطعن/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
كثيراً ما يلجأ قضاة ومحاكم إلى استعمال عبارة “للتريّث وقتياً” في القرارات الصادرة عنهم في غير موضوع وقضيّة تستدعي العجلة، إلى حين البتّ في أصل النزاع، أو استكمال النظر في الاستئناف المعروض عليهم واتخاذ المقتضى القانوني المناسب بشأنه سلباً أو إيجاباً.
وإنْ كان التريّث مناقضاً للعجلة التي تقتضيها مجريات الدعوى والمحاكمة، إلاّ أنّ لا شيء يمنع من مقاربته من الناحية القانونية باعتباره من التدابير الخاصة بالإدارة القضائية المواكبة لمسار المحاكمة، وليس قراراً فاصلاً قابلاً للطعن، وهذا ما تصدّت له محكمة التمييز المدنية- الغرفة الخامسة- برئاسة القاضي ميشال طرزي وعضوية المستشارين القاضيين جون القزّي وحبيب مزهر منتدباً، وشرحته بشكل واف بحيث بات نقطة قانونية مميّزة تستحقّ التأمّل.
ودقّقت المحكمة في التوصيف المعطى لعبارة” التريّث وقتياً”، وكيفية استخدامها، والهدف المنشود من إيرادها في مكانها القانوني السليم، فأكّدت بأنّ القرار بالتريّث لا يفصل بطلب محدّد، بل يرجئ الفصل فيه إلى وقت آخر يحمل في طيّاته أموراً ومستجدّات معيّنة، فتنبري المحكمة المعنية إلى البتّ فيه، آخذة بعين الإعتبار، مضمون هذه المستجدّات.
واعتبرت محكمة التمييز بأنّ هذا التريّث بالتحديد، هو من الإجراءات الخاصة بالإدارة القضائية التي يعمل بها القاضي من أجل ضمان سير المحاكمة بطريقة صحيحة وقانونية، وليس قراراً قضائياً جازماً ونهائياً يكون قابلاً للطعن، وبالتالي فإنّه يحقّ للقاضي نفسه أن يرجع عن قرار التريّث بحسب مقتضيات المحاكمة ومجرياتها دون أن يكون للمتضرّر من التريّث المذكور الطعن فيه عملاً بفحوى المادة 627 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي تنصّ حرفياً على أنّ”القرارات الخاصة بالإدارة القضائية لا تخضع لأيّ طعن”، بعكس ما يحصل عادةً في القرار القضائي المرتبط بجذور القضيّة وتفاصيلها والذي يكون معرّضاً للطعن.
“محكمة” تتفرّد بنشر قرار محكمة التمييز حرفياً وبما فيه من تفسير قانوني شاف وكامل لعبارة التريّث تحت ظلال القضايا المستعجلة بعدما صدر في 7 تشرين الثاني 2016:
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة التمييز المدنية – الغرفة الخامسة- برئاسة القاضي ميشال طرزي وعضوية المستشارين القاضيين جون القزّي وحبيب مزهر منتدباً،
بعد الإطلاع على الأوراق، ولدى التدقيق في مآلها، تبيّن أنّ المحامي م. ج. قدّم بواسطة وكيله الأستاذ س. ع. استدعاء تمييزياً تسجّل لدى القلم بتاريخ 20-8-2016 برقم 1581/2016، ضدّ المميّز عليه بنك صادرات إيران طعناً بالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف المدنية في بعبدا- الغرفة الناظرة في القضايا المستعجلة- تاريخ 2-7-2016 والمنتهي إلى:
1) إبلاغ دائرة التنفيذ المختصة”للتريّث وقتياً” فحسب بالتنفيذ لحين البتّ بالاستئناف، وذلك لحين اتخاذ المقتضى القانوني السليم من قبل هذه المحكمة.
2) تكليف القلم إبلاغ من يلزم مضمون هذا القرار، وضمّ المعاملة التنفيذية في حال كانت معادة إلى مرجعها.
وطلب قبول التمييز شكلاً لاستيفائه شروطه سنداً للمواد 704/615، و710، و718 أ.م.م.، وأساساً نقض القرار المطعون فيه برمّته، ونشر الدعوى ورؤيتها انتقالاً في المرحلة الاستئنافية، وتقرير ردّ طلب وقف تنفيذ الحكم الصادر عن قاضي العجلة في بعبدا برقم 244/2016 تاريخ 28-6-2016، وردّ طلب ضمّ الملفّ التنفيذي رقم 1319/2016، والحكم مجدّداً بإعادتها إلى مرجعها، مع تضمين الجهة المميّز عليها، النفقات واستعادة التأمين.
وأدلى المميّز تأييداً بما يأتي:
السبب التمييزي الأوّل: مخالفة القرار المطعون فيه القانون لاسيّما المادتين 373/372 أ.م.م. أو الخطأ في تطبيقهما وتفسيرهما ما يوجب النقض مع تقريره التريّث في التنفيذ قبل إبلاغه الاستحضار الاستئنافي والاستدعاء الجديد المؤرّخ في 8-8- 2016، مكتفياً بتبليغه مآل الاستدعاء المتضمّن المطالبة بوقف التنفيذ بتاريخ 5-7-2016، في مخالفة لمبدأ الوجاهية ما حرم المميّز من ممارسة حقّه في الدفاع في شأن المستندات والأوراق المبرزة في الدعوى.
السبب التمييزي الثاني: فقدان القرار المطعون فيه، الأساس القانوني ومخالفة المادتين 537/12 و577 أ.م.م. ما يوجب النقض حيث إنّ الأسباب الواقعية منتفية مع ثبوت حقّ المميّز في السلفة الوقتية الممنوحة على حساب حقّه الثابت بالإستناد إلى القرار القضائي، لاسيّما وأنّ القرار المطعون فيه جاء غير واضح المعالم إنْ لجهة”التريّث وقتياً”، أو لجهة ضمّ الملفّ التنفيذي.
السبب التمييزي الثالث: مخالفة القرار المطعون فيه القانون لاسيّما المادة 537/1 أ.م.م. والمادة 20 من الدستور اللبناني والخطأ في التطبيق والتفسير، ما يفضي إلى النقض، مع عدم تضمينه ما يثبت صدوره “باسم الشعب اللبناني”.
وتبيّن أنّ المصرف المميّز عليه قدّم بواسطة وكيله الأستاذ شادي الخوري لائحة جوابية بتاريخ 24-9-2016 طلب بمقتضاها تقرير قبول أو عدم قبول التمييز شكلاً للمحكمة في ضوء أحكام المادة 627 أ.م.م. حيث لا محلّ للطعن بالقرارات الخاصة بالإدارة القضائية والتي يندرج القرار المطعون فيه ضمنها، وإلاّ ردّ التمييز موضوعاً لعدم توافر أسباب التمييز، وبالتالي إبرام القرار المطعون فيه، مع تضمين المميّز النفقات، وبدل العطل والضرر، ومصادرة التأمين.
وتبيّن أنّه بتاريخ 1-10-2016 قدّم المميّز لائحة جوابية مستعيداً مآل الاستدعاء التمييزي حيثياتٍ وخلاصات، موضحاً بأنّ القرار المطعون فيه لا ينتمي إلى نوع أو فئة القرارات التي تتعلّق بتنظيم سير أعمال المحاكمة أو إجراءاتها، إنّما يندرج في خانة القرارات المؤقّتة التي عدّدتها المادة 615 أ.م.م. لاسيّما وأنّه لم يفصل في أصل النزاع المعروض أمام محكمة الاستئناف في بعبدا، إنّما قضى بالتريّث بالتنفيذ مؤقّتاً( أوقف التنفيذ عملياً وواقعياً) لحين البتّ بالنزاع ما يجعله قابلاً للطعن أمام المحكمة العليا.
وتبيّن أنّه بتاريخ 17-10-2016 قدّم المصرف المميّز عليه، لائحة جوابية مُكَرّراً.
بناء عليه:
في الشكل:
في مدى مقبولية القرار المطعون فيه للطعن تمييزاً:
وحيث إنّ محكمة الاستئناف، في قرارها المطعون فيه، قضت”بالتريّث وقتياً فحسب بالتنفيذ لحين البتّ بالاستئناف وذلك لحين اتخاذ المقتضى القانوني السليم، وقرّرت ضمّ الملفّ التنفيذي،
وحيث من الراهن بادئ ذي بدء، أنّ قرارات الضمّ هي من تدابير الإدارة القضائية بصراحة المادة 502 أ.م.م.،
وحيث إنّ التريّث لغةً، إنّما يعني التأنّي والإبطاء على نقيض الاستعجال، من هنا فإنّ القرار بالتريّث لا يفصل بطلب محدّد، بل على العكس، فإنّه يرجئ البتّ فيه إلى حين حصول مستجدّ ما، فيعاد إلى البتّ فيه على ضوئه،
وحيث عليه، فإنّ التأنّي والإبطاء تأجيلاً للبتّ بالمطلب، لا يمكن إدراجه في خانة البتّ فيه، ولا يتصف بالتالي بسِمَة القرار القضائي القابل للطعن بشكل أصولي، كونه يندرج في خانة التدابير الخاصة بالإدارة القضائية التي يكون للقاضي أن يتوسّلها لتأمين حُسْن سير المحاكمة، ويكون له ضمن هذه المشهدية أن يرجع عنها من دون التقيّد بشكليات معيّنة بحسب مقتضيات المحاكمة، بيد أنّ الطعن فيها لا يجوز سنداً للمادة 627 أ.م.م. التي تقضي صراحةً بأنّ القرارات الخاصة بالإدارة القضائية تنأى عن أيّ طعن،
وحيث إنّ”التريّث وقتياً فحسب بالتنفيذ” وتأجيل البتّ لحين حصول طارئ ما، وبمعزل عن مدى صوابيته، يتعلّق بسير العمل القضائي الذي يتمّ بإشراف المحكمة التي تنظر القضيّة، فلا يقبل والحال هذه الطعن في ضوء التوصيف التصنيفي الذي يظلّله كتدبير من أعمال الإدارة القضائية، يمهّد لصدور القرار القضائي القابل للطعن،
وحيث لا ينال من النتيجة هذه، ما سبق، لجهة تكييف القرار بالتريّث، بوقف تنفيذ فعلي وواقعي لحين الفصل بالاستئناف، مع التعذّر لجهة التعريفات اللغوية والتطبيقات الأصولية، هذا فضلاً عن اصطدامه بالربط الملتبس لمرمى التريّث “لحين اتخاذ المقتضى القانوني السليم” ما يفيد بتوسّل التأجيل لحين حصول مستجدّ ما، في خلال المحاكمة، بشكل ينأى عن الفصل ويرتبط بما ستتخذه المحكمة لاحقاً، في إطار تحقيق الدعوى تمهيداً للحكم فيها،
وحيث تأسيساً على ما جرى بيانه، يُردّ التمييز الراهن في الشكل سنداً للمادة 627 أ.م.م. بعد ردّ ما زاد أو خالف، لاسيّما لجهة العطل والضرر لعدم التوجّب،
لهذه الأسباب تقرّر بالإتفاق وفقاً للتقرير:
أولّاً: ردّ الاستدعاء التمييزي في الشكل.
ثانياً: مصادرة التأمين التمييزي إيراداً للخزينة.
ثالثاً: تضمين المُمَيّز النفقات.
قراراً صدر في بيروت بتاريخ 7/11/2016″.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 12- كانون الأوّل 2016).