بونابرت: ماذا يقولون عني في بلدتي؟/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
في العام 1994، وقبيل انتخابه رئيساً لجمهورية الاكوادور، زار الدكتور جميل معوّض، رئيس بلدية العاصمة كيتو، لبنان. وبحكم صداقتي العميقة والقديمة مع قنصل الاكوادور كرم ضومط، إستقبلناه في صالون الشرف في المطار، وكان فرحاً جدّاً لأنّها المرّة الأولى التي يزور فيها أرض أجداده، ووطنه الأمّ لبنان.
وتعود جذور عائلة الرئيس الاكوادوري جميل معوض إلى بلدة حدث الجبة في قضاء بشري حيث هاجر جدّه مع عائلته إلى الاكوادور. وقد درس الحقوق في الاكوادور ونال الدكتوراه وأكمل دراساته في جامعة هارفرد الأميركية.
وبحكم موقعه، زار رؤساء الجمهورية ومجلس النوّاب ومجلس الوزراء، كما جال على معظم المعالم السياحية والأثرية في لبنان، وكرّمته مجموعة كبيرة من أفراد الجالية اللبنانية في الاكوادور والذين إمّا كانوا قد أتوا نهائياً إلى لبنان، أو أتوا برفقته أو قبل عدّة أيّام. وكان فرحاً جدّاً بطريقة الاستقبالات والحفاوة وكرم الشعب اللبناني، وخصوصاً المآدب صباحاً وظهراً ومساء.
ومن ضمن الزيارات المتعدّدة، زرنا بلدة حدث الجبّة، وبيت أجداده الذي لم يبق منه إلاّ عدّة جدران من الحجر وكانت هذه الزيارة مؤثّرة جدّاً، حيث دمعت عيناه وارتسمت على وجهه علامات الفرح الممزوجة بالفخر والاعتزاز. فالإنسان يحسّ في بلدته أنّه ليس مجرّد رقم، وليس من هوامش التاريخ، بل من أركانه.
وفي طريق العودة، قال لي إنّه لن ينسى الحفاوة التي استقبل بها خصوصاً من قبل العجزة في البلدة، والذين أشبعوه ضمّاً ولثماً وتقبيلاً، ولن ينسى صوت ذلك الرجل العجوز الذي ضمّه بقوّة وقال له:”خلّيني شمّ فيك ريحة جدّك وبيّك”.
واختم كالعادة بطرفتين معبّرتين:
1- يوم دخول نابوليون بونابرت إلى مصر وقيامه بعدّة فتوحات واهتمام كلّ العالم به وكان قد أعطى أحد جنوده، وهو إبن بلدته المتواضعة في كورسكة في فرنسا، إجازة للذهاب إليها والعودة منها. وما ان أطلّ عليه الجندي حتّى سأله نابوليون السؤال الشهير:
– ماذا يقولون عني في بلدتي؟
وفي هذا المجال، يقول النقيب الشيخ ميشال خطّار:
– إنّ تعلّق الإنسان بأرضه يعطيه زخماً قوياً للمستقبل. فالأرض تمثّل الأصالة. من هنا تعلّق الإنسان بأرضه وبأبناء بلدته.
* **
2- بعد الاحتفالات الضخمة التي جرت في روما يوم تكريس البطريرك الحويك وعودته إلى لبنان. وما ان رست الباخرة وتجمّعت الشخصيات لملاقاة غبطته حتّى وقف البطريرك الحويك وأخذ ينظر وكأنّه يفتّش عن أحد من بين الشخصيات أو وراءهم. وعندما سأله أحدهم:
– هل تفتّش عن أحد سيّدنا؟
أجابه غبطته:
– إنّني لا أرى أحداً من أبناء بلدتي حلتا (البترون).
“محكمة”- الخميس في 2020/4/23