إلى من غابت عنه الحقيقة/سامر يونس
بقلم القاضي سامر يونس:
أنا القاضي سامر يونس. ما هو تاريخي؟ وإلى من أنتمي؟
أنا القاضي الذي لم يعلن، يوماً، عدم اختصاصه، أو عدم معرفته، أو عدم قدرته.
وقفت، وحدي، عام 2010، متصدّياً للجريمة السّوداء في “الوايت هاوس”، حيث كان الجميع يتبارى ويتسابق لدفن الحقيقة ولتبرئة النّافذين، فنال صغار المجرمين، فقط، عقابهم، أو ربّما لم ينالوه!
وقفت، وحدي، عام 2012، متصدّياً لتخلية سبيل مرافقي نافذ متموّل متسلّط، بعدما قطعوا أذن أستاذ الرّياضة في مدرسة “زهرة الإحسان”، فجرى ردّ استئنافي، فاستسهل طارق يتيم قتل جورج الرّيف!
وقفتُ، وحدي، متصدّياً لتجّار الموادّ الغذائيّة الفاسدة، فاستأنفت جميع الأحكام الّتي منحت هؤلاء أسباباً مخفّفة، فجرى ردّ هذه الاستئنافات، إذ لا داعي لتشديد العقوبة، كما لا داعي لنشر الأحكام حتّى لا يعلم المستهلك من يغشّه في أمنه الغذائيّ!
وقفتُ، وحيداً، في قاعات محاكم الجنايات أترافع وأتسايف وأواجه كلّ فاسد ومفسد ومجرم قتل مواطنين أبرياء، من طائرة “كوتونو” إلى جريمة شاكر العبسي لدى سطوه على مصرف في بيروت!
في ذلك الزّمن، وفي كلّ زمن، وقفتُ، وحيداً، ولم أقل لأحد: أنا أريد حماية، أنا أريد الضّوء الأخضر، أنا أنتظر العهد الذّهبيّ، أنا أنتظر القائد المنقذ، بل قلت وفعلت: أنا أحمي، أنا أواجه، أنا أتصدّى وأنا أتحدّى!
ويجرؤون على القول: إنّه قريب من جهة سياسيّة! نعم إنّي قريب من نفسي، لا بل لصيق بقناعاتي ومبادئي.
لسواي الّذي وقف على أعتاب هذه الجهة السّياسيّة أو تلك، ليقنص أعلى المناصب ويغنم أرفع المواقع، أن يشكر أو أن يجحد أو أن ينكر هذه الجهة أو تلك! لسواي الّذي زار، سرّاً وخفية وربّما جهاراً، رمز هذه الجهة السّياسيّة أو تلك، أن يخجل من فعلته.
أمّا أنا فأقف، فقط، حيث يجلس أو يركع الآخرون.
حزبي هو لبنان، وديانتي هي الحقيقة، ومذهبي هو الشّجاعة. لذلك، لم ولن تروني، يوماً، أقطف المراكز أو أعيّن في الّلجان أو أنال المنافع. كلّهم يخافونني، لأنّني لا أخاف ولا أهاب أحداً. ولكن، “إذا أتتك مذمّتي من ناقص أو ناقصين أو سارقين أو مجرمين….”.
للعمالة أوجه كثيرة تبدأ بتزوير الحقائق ولا تنتهي بوأد الحقيقة، حتّى تدفن معها الجريمة.
حين كنت أمثّل وزارة العدل في ملفّ مكافحة الاتّجار بالأشخاص، في عهد كلّ من وزراء العدل المتعاقبين، من إبراهيم نجّار إلى سليم جريصاتي، مروراً بشكيب قرطباوي وأشرف ريفي، كخبير متخصّص ومحاضر في هذا الشّأن، وذلك في مؤتمرات وندوات وأيّام عالميّة لمكافحة الاتّجار بالأشخاص، حيث تولّيت متابعة هذا الموضوع، مذ كان مشروع قانون، بتكليف من وزارة العدل (وهل في الأمر جريمة؟!)، كنت دائماً أسأل وأتساءل عن اليوم الّذي سيعاقب فيه تجّار الأوطان وباعة كلّ شيء، من أرقام السيّارات، مروراً بمراسيم التّجنيس والتّوطين والخيانة، وصولاً إلى صفقات الطّباعة على أنواعها، والحبر الانتخابيّ وأوراق الاقتراع وعازل الكرتون وكلّ عازل عن الشّفافيّة والمحاسبة!
“ودهر ناسه ناس صغار
وإنْ كانت لهمْ جثث…. ضخام”!!!!
وأخيراً، حين عجزوا عن إيجاد نقيصة أو مذمّة أو مذلّة في تاريخ يضجّ كرامة وعنفواناً وشجاعة، راحوا ينبشون صورة يظهر فيها القاضي خطيباً، لا خاطب ودّ أو طالب ولاية، فنسبوا إليّ انتساباً إلى فريق سياسيّ أنا أكثر النّاس بُعْداً عنه وظلماً منه، كما أنا عن كلّ فريق بعيد ومن كلّ مواطن قريب: ولعلّ في المناقلات والتّشكيلات القضائيّة منذ العام 2017 ولغاية تاريخه، خير دليل وأنطق شاهد!
صعب الطّباع، قيل! هذا صحيح! ولكنّه، أيضاً، مديح، لأنّي صعب لدى من يريدون في القاضي انصياعاً وإذعاناً واستسلاماً.
إقتضى التوضيح.
“محكمة” – الخميس في 2020/8/13