الرئيس أديب…والفرصة الضائعة/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
ضاعت فرصة – ولن أقول أضاع اللبنانيون فرصة – تكليف حكومة تنقذ ما يمكن إنقاذه في لبنان إقتصادياً ومعيشياً وصحّياً واجتماعياً وتربوياً، برئاسة الدكتور مصطفى أديب.
فالرئيس مصطفى أديب إبن طرابلس الفيحاء، أفقر مدينة على شاطئ البحر المتوسّط، والتي لها في قلوبنا محبّة خاصة، كان أستاذاً جامعياً، وهو سفير لبنان في ألمانيا. ولم يستطع أحد أن ينسب إليه أيّ تصرّف مشين أو غير لائق. مع العلم أنّه في مثل هذه الحالة، وعندما يعيّن أحد في منصب أو مركز، تبدأ وسائل التواصل الاجتماعي بنبش كلّ شيء عن حياته وتنشرها، كما قد تنشر أموراً غير صحيحة عنه. أمّا الرئيس أديب فلم يستطع أحد قول كلمة واحدة عنه إلاّ كونه غير معروف، أو مسمّى من قبل الدولة الفرنسية…الخ. ولم نسمع أو نقرأ عنه أنّه استفاد من أيّ منصب أو مركز أو قام بأيّ عمل لا يوحي الثقة والاحترام.
أكتب هذا الكلام بعد أن اعتذر الرئيس أديب وعاد إلى ألمانيا، وليس قبل ذلك وخصوصاً عندما كان مكلّفاً. ومن متابعة نشاطه منذ بدء التكليف، يظهر كم هو إنسان محترم وكتوم وعميق ودبلوماسي. إلاّ أنّ الميزة الأساسية التي يتمتّع بها فهي: الصدق. نعم الصدق. فمنذ اللحظة الأولى، تكلّم عن حكومة من أربعة عشر وزيراً (وإن كنت أخالفه الرأي وأؤيّد طرح فخامة الرئيس العماد ميشال عون بأن يكون لكلّ حقيبة وزير)، ويوافق على زيادة العدد إلى ثمانية عشر وزيراً عند الضرورة، وفي حال الإصرار على عدم القبول بحكومة الأربعة عشر وزيراً.وبقي على موقفه ولم يغيّر في كلامه أو في قناعاته. وكانت لديه الجرأة في تقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة وهو أمر لم نشهده في لبنان لعدّة أسباب واعتبارات ومصالح.
وبالتالي، فإنّ شخصية من هذا الطراز يجب المحافظة عليها واحتضانها وعدم التفريط بها.
والمؤسف هو أنّ الرئيس أديب كان مدعوماً من المجتمع الدولي، وكان على قدر المسؤولية؟ إذ إنّه يمكن أحياناً أن يتمّ دعم شخصية معيّنة دولياً ولا تتمتّع بالكفاءة والعمق وبُعْد النظر والخبرة في معالجة الأمور. أما ما حصل مع الرئيس أديب فهو أنّه يحوز على هذه الميزات التي كان من الممكن جدّاً أن تساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في لبنان.
لبنان هذا البلد المعذّب الذي ما ان يحاول النهوض من مصيبة أو فضيحة او نكبة، حتّى يواجه مصائب وفضائح ونكبات أكبر. وأخشى أن أسمع يوماً صوتاً آتياً من البعيد البعيد: ابكوا كالنساء على وطن لم تحافظوا عليه مثل الرجال.
“محكمة” – الإثنين في 2020/9/28