غاب أمير العدلية سامر غانم/رهيف رمضان
القاضي رهيف رمضان*:
وجهك الصبحُ، أرّخ للمكان وغاب،
وعلى اتساع عينيك،
تزدحم الذكريات المشغولة بالفرح والحبّ و…العذاب،
مسّك الوجع سريعاً..
وأنت تتوهّج في حصن ذاتك،
وعلى جلجلة المسافة بين الجسد والروح، كنت تقاوم،
وأنت صامت في سريرك، كنا نشعر بقوّتك وأنت تقاوم
وكنّا نشدّ على ثبات شعورنا بأنّك عائد، لأنّك كنت تقاوم،
كان اسمك حاضراً بيننا كلّما اجتمع قضاة أو رجال قانون،
كنت الغائب الحاضر،
الآن تمضي، ووجع الروح يمشي إليك،
الآن نفلت حزننا القابع بين ضلوعنا ثلاث سنين صمّاء،
الآن حان وقت البكاء،
لا العمر باق يا صديقي، ولا يمكن ردّ القضاء…
الآن نقذف زفير الروح ونشتهي رائحة الأيّام الغاربة،
هيهات ترجع الأيّام…
الآن تسند الرأسْ إلى حنين التراب،
الآن نيمّمُ الروح نحو المنازل الأولى؛ نحو زحلة، نحو البقاع،
وفي حشرجة الطريق يطالعنا تشرين بقسوته،
وحزن الدواري المنشغلة برَدّ جرح البرد، يفترش الطريق إليك،
شجر “عمّيق” حزين، تقرئه السلام
وأنت تزاحم الهواء في “الغربي” نحو “صغبين”،
ها تتفلّت الأحلام الآن، وأنت تسدل آخر الضحكات،
مرّت الأيّام يا سامر،
وما مرّت أشجان الكلمات،
مرّت الأوطان يا أخي نحو أتون زمانها،
وما كلّت تنهّدات أمّك عن الصلوات،
وكيف يسعف البيان قلم أبيك ليرثي روحاً لن تبارح ظلّه أبد الحياة.
الآن ترحل يا صديقي…
الآن اخترت الزمان،
علّك سمعت صوت الدمار المحيق الذي أردانا،
علّك سمعت عويل الأمّهات، وما استطاعت رهافة حسّك على الاحتمال،
تغيّرت الأيّام يا أخي منذ آخر لقاء
كلّ شيء تغيّر: لبنان، بيروت، الشوارع، الوجوه،
الحقّ الكلمات، الضحكات …. كلّ شيء.
ستفتقدك بعبدا يا سامر،
وأنت أمير أروقة قصر العدل فيها،
وسيفقدك الصدى في البهو الذي اعتاد أن يردّد صوت ضحكاتك مع الأصدقاء…
ستفقدك العيون الشاخصة إلى عريس عشقها،
ستفقدك الأيادي التي صافحت صفاء روحك،
سنفقدك جميعاً.
إرحل يا صديقي، عليك مني السلام
لم يعد هنا ما يفرح الأنفس،
لم يعد هنا ما يغبط الروح.
*النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان يرثي زميله القاضي سامر غانم الذي وافته المنية يوم الجمعة الواقع فيه 2 تشرين الأوّل 2020 بعد 1024 يوماً من الغيبوبة.
“محكمة” – الإثنين في 2020/10/5