إستعادة الأموال المنهوبة – تجربة أوزباكستان/سلام عبد الصمد
المحامي الدكتور سلام عبد الصمد:
بعد أنْ استعرضنا في المقالات السّابقة في “محكمة”، تجربة استعادة الأموال المنهوبة في كلٍّ من تونس ومصر وغيرها من الدول، نتناول اليوم التجربة الأوزباكستانية*، وتحديداً قضيّة غولنارا كريموفا Gulnara Karimova الابنة الكبرى لإسلام كريموف Islam Karimov، رئيس أوزباكستان منذ عام 1991 وحتى وفاته في عام 2016.
في الواقع، كلّ الدّلائل والمظاهر تُوحي بأنَّ غولنارا كريموفا هي سيّدة مجتمع راقية، إلاّ أنّها أحد أعمدة الفساد في دولتها، إذ كانت تبتزُّ بالكثير من الرشاوي المشغّلين الأجانب الرّاغبين بالدّخول إلى سوق الهاتف المحمول المحلّي. وبعد موت أبيها، بدأت مسيرتها في الفساد تنتهي، فغولنارا كريموفا محتجزةٌ الآن في بلدها، بينما تجري التحقيقات في قضاياها عبر قبرص أو لاتفيا أو إيرلندا أو الولايات المتحدة أو فرنسا.
في سويسرا، قالت العدالة كلمتها، وقضتْ محاكمها بأنْ تُردّ الأموال المنهوبة من غولنارا كريموفا، إنّما ليس لدولة أوزباكستان أو مؤسّساتها الحكومية، بل للمنظّمات المستقلّة وغير التابعة لأيّة جهةٍ رسمية، منعاً من وصول الأموال المستردّة إلى المنظومة الحاكمة، وحرصاً على ألاّ تُغذّي الأموال المستردّة شبكة فسادٍ أُخرى.
فكانت إتفاقية Berne et Tachkent التي تهدف إلى أن تعود الأموال بالفائدة على شعب أوزباكستان، وتهدف إلى تحسين ظروف المعيشة، وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الإفلات من العقاب.
أمّا المجتمع المدني، فقد كان له موقف مميّز، بحيث طالب ممثّلوه القضاء الدّولي ومعه المجتمع الدولي بالمزيد من الضمانات لعدم إعادة السيطرة على الأموال المستعادة، وذلك من قبل بعض الشبكات الحكومية الفاسدة، لأنّه يُوجد في أوزباكستان أكثر من 12000 جمعية تُسيطر عليها الحكومة فعليًا، لذلك هم بحاجة إلى شفافيةٍ في الإنفاق.
ومن الناحية العملية، لقد أعادت سويسرا بالفعل مبلغ 1.7 مليار دولار من الأموال المنهوبة، وذلك عملاً بالقانون السويسري الصادر في العام 2016، وهو قانون حجز واستعادة الأصول ذات المصدر غير المشروع.
والمفارقة في الأمر، تتمثّل في آلية استعادة هذه الأصول غير المشروعة؛ إذ تبيّن أنّها تتمُّ بواسطة تمويل برامج المصلحة العامة، وليس بتسليم الأموال إلى الدولة. وهذه الآلية كانت السبب الرئيس في موافقة سويسرا على إنهاء السرّية المصرفية بقبول التبادل التلقائي للمعلومات من أجل محاربة الفساد.
لكن رغم أهمّية خطوة استعادة الأصول غير المشروعة السّابقة الذكر، لا يزال هناك الكثير للعمل عليه في هذا النطاق، لأنّ النظام القضائي السويسري لا يزال يواجه صعوبة كبيرة في حجز الأموال.
أمّا القضاء الفرنسي، فقد قرّر إعادة مبلغ 10 ملايين يورو لأوزباكستان، لأنَّ غولنارا كريموفا كانت تملك ثلاثة عقارات في فرنسا، لكنَّ هذه الأموال ذهبتْ مباشرةً إلى ميزانية الدّولة، من دون ضمان كيفية استخدامها أو توظيفها، الأمر الذي دفع الاشتراكي جان بيير سوور Jean-Pierre Sauer إلى تقديم مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ، مستوحى من النموذج السويسري لإزالة هذه الثغرة في القانون الفرنسي والذي تمَّ اعتماده بالإجماع في القراءة الأولى في 2 أيّار 2019. ومنذ ذلك الحين، يُنتظر أنْ يتمَّ إدراجه على جدول أعمال الجمعية الوطنية.
وفي السياق عينه، يُحاكم القضاء الفرنسي حاليًا عددًا من القادة الأجانب مثل رفعت الأسد، بعد أنْ تمَّ الإستيلاء على ممتلكات تعودُ له في فرنسا، والتي تُقدّر بنحو 90 مليون يورو في فرنسا.
فهل يستفيد لبنان من تجربة أوزباكستان أعلاه، وينجح في استعادة الأموال المنهوبة؟ أم ستبقى أموال اللبنانيين عموماً والمودعين خصوصاً منهوبةً، أو على الأقل ضائعةً في مهب الريح؟
*مقال للصحافي Alain Guillemoles منشور في La Croix ومترجم بتصرّف للعربية.
“محكمة” – السبت في 2021/1/9